كشف مركز أبحاث دولي معني بتوثيق النزاعات المسلحة عن تناقضات جوهرية في الروايات الأميركية والحوثية بشأن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم بين الطرفين في مايو الماضي، مشيراً إلى ما وصفه بـ"أجندات خفية" من الجانبين، وإلى أن الأزمة لا تزال بعيدة عن نهايتها.
جاء ذلك في دراسة صادرة عن "مشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة حول العالم" (ACLED)، ونشرتها صحيفة الشرق الأوسط السعودية، سلطت الضوء على أن التصريحات الأميركية والحوثية بشأن التهدئة الأخيرة في البحر الأحمر تخفي وراءها تفاهمات غير معلنة وتقديرات سياسية معقدة، تتجاوز ما يُروّج له في العلن من رغبة في خفض التصعيد.
وبحسب الدراسة، فإن الإعلان المفاجئ للرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن "الحوثيين لا يريدون القتال وقد استسلموا"، أعقبه بيان رسمي صدر من العاصمة العُمانية مسقط – التي وصفتها الدراسة بـ"الوسيط الهادئ" – أعلن فيه الطرفان التزامهما بعدم استهداف بعضهما، بما يشمل السفن الأميركية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، إلا أن الوقائع على الأرض سرعان ما كذّبت تلك المؤشرات.
فرغم الاتفاق المعلن، واصل الحوثيون إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل، كما كشفوا عن ملحق "متحدٍ" للاتفاق يؤكد مضيهم في "نصرة غزة"، وتزامن ذلك مع خطاب لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي قلل فيه من شأن الاتفاق الذي وصفه بـ"ملاحظة جانبية".
هذا التناقض، وفق الدراسة، يكشف عن استراتيجية مزدوجة من الطرفين؛ حيث قدمت كل جهة روايتها الخاصة، دون اتفاق على مضمون مشترك، في محاولة لاستخدام الاتفاق كغطاء سياسي لتثبيت مواقفها أو إعادة ترتيب تموضعها العسكري.
ورأت الدراسة أن ما يجري في البحر الأحمر لا يمكن تلخيصه بجبهة صراع واحدة، بل يشمل ثلاث جبهات متداخلة: الحوثيون ضد إسرائيل، والحوثيون ضد الشحن التجاري، والحوثيون ضد الولايات المتحدة.
ومنذ اندلاع التصعيد البحري في أكتوبر 2023، وثّق المشروع أكثر من 520 هجوما نفذها الحوثيون، استهدفت 176 سفينة تجارية على الأقل، إضافة إلى 155 هجوما باتجاه إسرائيل.
في المقابل، نفّذت الولايات المتحدة، في إطار ردها، ما لا يقل عن 774 غارة جوية ضمن عمليتي ردع، أوقعت 550 ضحية على الأقل، بحسب التقديرات المنشورة.
وعلى الرغم من هذا التصعيد العسكري الأميركي، ترى الدراسة أن القدرات الهجومية للحوثيين لم تتعرض لتآكل كبير، حيث ما زالوا يملكون طائرات مسيّرة وصواريخ قادرة على التأثير في ممرات التجارة الدولية.
ويؤكد التقرير أن ما يمنح الحوثيين عنصر الردع الحقيقي ليس حجم ترسانتهم، بل قدرتهم على بث الخوف واستدامة الإحساس بالخطر لدى خصومهم.
وركزت الدراسة على البُعد السياسي للأزمة، مشيرة إلى أن خطاب "حرية الملاحة" الذي تتبناه واشنطن وحلفاؤها يقابله في الموضع الآخر خطاب "نصرة غزة" من جانب الحوثيين، غير أن كليهما يخفي مصالح استراتيجية أكثر براغماتية، وفق تعبير المركز.
واعتبرت أن هذا الصراع، على تعدد جبهاته، لا تحكمه المبادئ بقدر ما تديره حسابات النفوذ والتأثير في منطقة شديدة الحساسية.
السعودية تعيد ضبط زاوية الرؤية
ويكتسب نشر صحيفة الشرق الأوسط، المقربة من دوائر صنع القرار السعودي، لهذا التقرير دلالة خاصة، إذ يعكس على الأرجح حالة حذر سعودي متزايد تجاه التفاهمات الأميركية – الحوثية، خاصة في ظل مؤشرات على رغبة واشنطن في تبريد الجبهة دون حسم عسكري أو تسوية شاملة.
ويظهر أن إبراز تناقضات الجماعة الحوثية في التقرير، وتسليط الضوء على عدم جدوى الحملة الجوية الأميركية حتى الآن، يعكسان توجسا سعوديا من أن تتحول التهدئة إلى فرصة لإعادة تموضع حوثي، وليس إلى حل دائم يعيد الاستقرار للممرات البحرية.
كما يمكن فهم نشر التقرير كرسالة سياسية موجهة للحلفاء الدوليين، مفادها أن الأزمة في البحر الأحمر لم تنته، وأن الضغوط العسكرية غير كافية، ما لم تترجم إلى آليات ردع طويلة المدى ومقاربات أكثر صرامة، خاصة في ما يتعلق بإيقاف الدعم الإقليمي أو التساهل الدولي مع الجماعة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news