أخبار وتقارير
(الأول) غرفة الأخبار:
شهدت مدينة لودر بمحافظة أبين، عصر اليوم، حادثة مؤلمة أودت بحياة شاب وإصابة آخر، نتيجة اشتباكات مسلحة اندلعت بالقرب من سوق الأسماك وسط المدينة، في مشهد يعيد إلى الواجهة التداعيات الخطيرة لثقافة الثأر التي لا تزال تحصد الأرواح وتقوض السلم المجتمعي في عدد من المناطق اليمنية.
وبحسب مصادر محلية مطلعة لموقع (الأول)، فقد قُتل الشاب سالم ناصر سالم الضمجي، وأُصيب أحد المسلحين بجروح متوسطة، خلال اشتباكات وصفت بالعنيفة، اندلعت بين أفراد من عائلتين على خلفية قضية ثأر قديمة. وجرى نقل المصاب إلى مستشفى لودر لتلقي العلاج، وسط حالة من التوتر والحذر الشديد التي خيمت على المنطقة، خصوصًا في ظل استمرار التوتر بين أطراف النزاع.
حادثة تتكرر وغياب الحلول الجذرية
تعد هذه الحادثة امتدادًا لسلسلة من الاشتباكات ذات الطابع القبلي والثأري التي تشهدها مدينة لودر بين الحين والآخر، مما يعكس استمرار ضعف دور القانون وانتشار السلاح بين المواطنين، فضلاً عن غياب الحلول المجتمعية التي تضع حدًا لهذا النزيف المتواصل.
وبينما لم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من الجهات الأمنية بشأن تفاصيل الحادثة أو الإجراءات المتخذة لاحتواء الموقف، طالب مواطنون وسكان محليون السلطات بسرعة التدخل لفض النزاع، ومنع تطور الأحداث إلى مواجهات أوسع قد تؤدي إلى سقوط مزيد من الضحايا.
الثأر القبلي.. نزيف مفتوح
تشكل ظاهرة الثأر واحدة من أخطر التحديات الاجتماعية في اليمن، لا سيما في المحافظات الريفية والقبلية مثل أبين. وتُعد حوادث القتل بدافع الثأر إحدى الأسباب الرئيسة لاستمرار دورة العنف والدم، حيث تحوّل الخلافات الفردية إلى صراعات جماعية تورثها الأجيال.
ويرى باحثون اجتماعيون أن هذه الظاهرة تُضعف مؤسسات الدولة، وتكرّس مبدأ الانتقام خارج إطار القانون، ما يؤدي إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار. كما تؤثر على النسيج الاجتماعي، وتخلق أجواءً من الخوف والتوجس في أوساط المجتمع.
وفي حديثه قال الناشط المجتمعي فواز أحمد الجعدني: "كلما تُركت قضايا الثأر من دون معالجة عادلة ومنصفة، كلما تحولت إلى قنابل موقوتة تنفجر في أي لحظة. لا يمكن بناء مجتمع آمن ما دامت ثقافة الأخذ بالثأر ما تزال تُقدَّم على القانون والصلح."
الثأر جريمة يعاقب عليها
في تعليق أوضح المحامي والخبير القانوني عبدالله صالح العواضي أن الثأر يُصنف ضمن "جرائم القتل العمد"، ويخضع لأحكام صارمة في القانون اليمني.
وقال العواضي: "الثأر ليس حقًا مشروعًا، بل هو جريمة يُعاقب عليها القانون وفقًا للمادة (234) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني، ويجب أن يتم اللجوء إلى القضاء لاستيفاء الحقوق، لا إلى السلاح والعنف."
وأضاف: "استمرار انتشار الثأر يعكس ضعف الثقة بالقضاء، ما يتطلب إصلاحات في بنية العدالة وتحقيق العدالة الناجزة، إضافة إلى تفعيل أجهزة إنفاذ القانون وفرض سيادة الدولة."
الثأر يتنافى مع قيم الإسلام
أما من الجانب الديني، فقد شدد فضيلة الشيخ أحمد سعيد الرضمي، أحد علماء محافظة أبين، على أن الإسلام حرّم الثأر واعتبره من الجاهلية، داعيًا إلى التسامح والعفو والاحتكام للشرع.
وقال الرضمي: "الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)... وقضية الأخذ بالثأر بدون محكمة أو بينة هو من أعظم صور الإفساد في الأرض."
وأضاف: "الإسلام شرع القصاص عبر القضاء وليس عبر الانتقام، بل وأعلى من ذلك حثّ على العفو فقال: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)... فعلى الجميع التحلي بالحكمة والتقوى ودرء الفتنة، فدماء المسلمين ليست هدرًا."
دعوات للصلح والتسامح
من جهتهم، دعا وجهاء ومشايخ مدينة لودر إلى التهدئة وتغليب لغة العقل والحوار، مشددين على ضرورة تدخل الشخصيات الاجتماعية والسلطات المحلية لحل الخلاف وحقن الدماء. كما طالبوا بضرورة تعزيز دور الأمن ومؤسسات القضاء في معالجة قضايا الثأر ومحاسبة المتسببين، مؤكدين أن الصلح والعدالة هما السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار.
في الوقت الذي يُفترض أن يكون فيه القانون هو الفيصل في الخلافات، لا تزال بعض المجتمعات اليمنية تعاني من هيمنة العرف القبلي والثأر، ما يعيق فرص السلام والتنمية. ويظل الأمل معقودًا على جهود الوساطة والمصالحة المجتمعية، إلى جانب تفعيل دور الدولة ومؤسساتها، لإيقاف هذا النزيف الذي يهدد حاضر ومستقبل البلاد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news