**مصيبة السفر في اليمن: ترفٌ للمترفين ومعاناةٌ للمضطرين**
قبل 3 دقيقة
في بلدٍ أثقلته الحروب، وأرهقته الأزمات، يأتي السفر كأبسط حقوق الإنسان، لكنه بات في اليمن "ترفاً" لا يجرؤ عليه إلا القلة المترفة أو المجبَرة تحت سياط الألم والمرض. السفر، الذي كان يوماً خياراً مفتوحاً ومتاحاً للمواطن اليمني، تحوّل اليوم إلى كابوسٍ مكلفٍ ومعاناة لا تنتهي تبدأ من بوابة المطار ولا تنتهي إلا بمديونية طويلة الأمد أو خسارة لا تُعوّض.
قبل سنوات، لم يكن السفر معضلة. الأسعار معقولة، والخيارات متعددة، والتنافس مفتوح بين "اليمنية"، "الإماراتية"، "السعودية"، "القطرية"، "الأردنية"، "الخليجية"، و"لوفتهانزا"، وغيرها. كان المواطن يذهب إلى المطار دون حجز مسبق، يشتري تذكرة على أقرب رحلة، ويمضي في طريقه، مطمئناً أن هناك من يتنافس على رضاه.
لكن اليوم، صار المشهد مختلفاً بالكامل. أصبح السفر أشبه بمحاولة للهروب من سجنٍ كبير، لكنه مكلف جداً. الأسعار ارتفعت بشكل جنوني، والخيارات تقلصت حتى كادت تتلاشى. لم تعد هناك سوى "اليمنية"، تتحكم بالسوق كما يحلو لها، ترفع الأسعار بلا مبرر، وتفرض واقعاً لا يمكن رفضه. وكأنها تقول للمواطن: إما أن تدفع ما نطلب، أو تبقَ رهين أوجاعك ومشاكلك داخل البلاد.
ولم تكن الكارثة في ارتفاع الأسعار وحده، بل في انعدام الرحمة والضمير. المريض، الذي كان يتلقى تذكرة علاج من مؤسسته أو دعم من جهة عمله، بات اليوم مضطراً لبيع بيته أو ممتلكاته كي يستطيع دفع ثمن تذكرة طيران إلى القاهرة أو الهند أو الأردن. حتى شركة "بلقيس" التي شكّلت بصيص أمل ونافذة أخرى للمسافر اليمني، تم إيقافها بقرارٍ غير معلن، لكن أسبابه مفهومة: إبقاء اليمنية بلا منافس، وبلا رقيب.
أين الدولة من هذا؟ أين الحكومة التي تدّعي الحرص على المواطن؟ هل أصبحت "اليمنية" دولة داخل الدولة؟ لماذا لا يُفتح باب المنافسة، ويُكسر احتكار هذه الشركة التي لا ترحم؟ لماذا يُترك المواطن رهينة لشركة لا تؤمن إلا بالربح، ولو على حساب المريض والمضطر والمقهور؟
في دول الجوار، تسافر بخمسين دولاراً. في اليمن، تحتاج إلى ما يعادل راتب موظف لعام كامل لتصل إلى محطة قريبة. لماذا؟ من المسؤول؟ ومن يحاسب؟
نحن لا نطالب بالمستحيل، بل بحق بسيط من حقوق الحياة. نريد طيراناً وطنياً يحترم شعبه، أو نريد أن يُفتح السوق أمام شركات تضع الإنسان قبل الأرباح. نريد حلاً لهذا الاحتكار الجائر، ولهذا الصمت الذي لم يعد يُحتمل.
يا يمنية، خفوا من الله. فأنتم لا تسيرون فوق سماء مفتوحة فقط، بل فوق دعوات الأمهات، ودموع المرضى، وأنّات المظلومين. مصيبة، والله، يا يمنية!
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news