شهدت محافظة ذمار، جنوب العاصمة صنعاء، خلال الأسابيع الماضية تصعيدًا قبليًا غير مسبوق ضد مليشيا الحوثي، قادته قبائل عنس والحدا، احتجاجًا على ممارسات الجباية القسرية والاختطافات، وانتهى بسلسلة من المواجهات والوساطات والاعتذارات، في مؤشر على تصدّع متزايد في هيبة الجماعة داخل معاقلها.
البداية كانت في 17 يونيو 2025، حين هاجم العشرات من أبناء قبيلة عنس غرف الجباية الحوثية في منطقة سامة شرقي ذمار، بعد فرض إتاوات جديدة على ناقلي مادة "النيس" المستخدمة في البناء. وقاد التحرك الشيخ محمد حسين المقدشي، الذي ظهر في مقطع مصور وهو يحطم تلك الغرف، مؤكدًا أن ما يحدث "دفاع عن الحق العام".
واتهمت قبائل عنس القيادي الحوثي "أبو صلاح الجمل"، مسؤول الجبايات، بمخالفة اتفاق سابق ينص على تنظيم الجبايات لصالح مشاريع تنموية، ليفاجأ الأهالي برفع الإتاوة إلى ألف ريال لكل متر، ما اعتُبر نهبًا منظمًا.
رد الحوثيون بمحاصرة منزل المقدشي واختطاف قريبه الشيخ حسين المقدشي، ما دفع قبائل عنس والحدا للتحشيد. ونجحت وساطة قبلية بقيادة مشايخ من عنس والحدا والبيضاء في الإفراج عنه، مقابل تحكيم قبلي شمل تسليم عشرة رهائن وخمس بنادق. لكن الجماعة عادت لاحقًا لاختطافه مجددًا، ما فجّر موجة غضب قبلية واسعة، انتهت بتدخل جديد وإجبار محافظ ذمار الحوثي محمد ناصر البخيتي على تقديم اعتذار رسمي.
التوتر لم يقتصر على عنس، بل امتد إلى الحدا. ففي مايو، اقتحمت قبائل الحدا العاصمة صنعاء بسياراتهم، متحدّين الحواجز الأمنية الحوثية احتجاجًا على ضرائب مفروضة على موردي القات. ورفضوا الانصياع للجبايات الجديدة، ما أجبر الحوثيين على التراجع.
لكن الجماعة ردت بشكل مستفز، بتهريب خمسة متهمين بجريمة قتل القيادي الحوثي المنتمي للحدا، قيس ناجي البخيتي، ما فجّر غضبًا جديدًا في القبيلة. ونتج عن ذلك تحشيد قبلي أمام سجن ذمار المركزي في 3 يونيو، أجبر الحوثيين على التحرك، ما أسفر لاحقًا عن مقتل أحد المتهمين واعتقال اثنين، فيما لا يزال اثنان في حالة فرار.
ويرى مراقبون أن هذه التطورات تعكس تصدعًا متناميًا في القبضة الحوثية، وظهور دور مؤثر للقبائل كمراكز قوى موازية. ويقول الصحفي المتخصص في شؤون القبائل، معين الصيادي، إن ما حدث في ذمار يعكس تفككًا تدريجيًا في بنية السيطرة الحوثية، وتحول القبائل إلى قوة ضغط حقيقية، قادرة على فرض توازنات جديدة على الأرض.
ويربط محللون بين هذا التصعيد وبين الضغوط الإقليمية والدولية على إيران، الداعم الأبرز للحوثيين، مشيرين إلى أن الجماعة قد تلجأ لتصعيد داخلي لتمويل أنشطتها أو إحكام السيطرة، وهو ما ينذر بموجة جديدة من المواجهات مع القبائل في الفترة المقبلة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news