طبعا في زمن تتسارع فيه العوالم وتهدد فيه الحداثة كثيرا من ملامح الذاكرة الجمعية، تأتي بعض الإصدارات كأنها يد حانية تمسح الغبار عن الروح، وتقول للأجيال القادمة:
“هذا نحن، هكذا كنا، وهكذا صغنا حكمتنا”.
كتاب “الأمثال الشعبية في تعز” للكاتب والسارد النقي عزالدين العامري، الصادر قريبا عن مؤسسة إرم للتنمية الثقافية والإعلامية، هو واحد من تلك الإصدارات التي لا تأتي لتُضاف إلى رف، بل لتفتح نافذة على ذاكرة محافظة بكاملها، وتُعيد صدى أصوات الأمهات، والجدات، والفلاحين، والحكّائين في أزقة تعز.
على إن هذا الكتاب ليس مجرد تجميع لامثال متناثرة، بل هو توثيق دقيق لحصاد خمس سنوات من البحث الميداني، والرصد الشفهي، والتقصي المحب تراث لا يقدر بثمن. أ
اكثر من 1350 مثلا شعبيا تم جمعها وترتيبها وشرحها بلغة سلسة ووافية، تجعل من هذا الإصدار مرجعا لا غنى عنه للباحثين، وكنزا ممتعا للقراء والمهتمين بثقافة اليمن.
والحال أن تعز التي قاومت بالحرف كما قاومت بالحلم، ستجد في هذا الإصدار صوتا أصيلا يعيد لها اعتبارها كمركز للحكمة الشعبية والفكر الإنساني.
فالأمثال” ليست إلا خلاصة الحياة، عصارة التجربة، وسِفْر من حكم نطقت بلسان العامة فصارت لسان الجميع. “
بل إنها “المرآة التي عكست ذكاء الناس، وحسهم الساخر، وبصيرتهم النافذة تجاه تقلبات الزمن.”
ومن خلال هذا الإصدار، يثبت العامري أنه صانع أثر ثقافي، وراع لذاكرة وطن.
أما عزالدين العامري، الذي يعيدنا إلى جذرنا الثقافي الأصيل. فهو الذي عرفه البعض باسم “العرطوط” استلهاما من قصته الأجمل، فهو ليس غريبا على الكلمة التي تُقاوم النسيان. عرفناه قاصا في “امرأة من فحم”، وساردا في “عيون زرق”، وها هو اليوم حكاء شعبيا يحفظ عن ظهر قلب لغة الأجداد.
آخر مرة التقيته نهاية نوفمبر الماضي في احتفالية ذكرى تأسيس الحزب الاشتراكي بمديرية المعافر ولي منه سنوات، فكان كما هو الآن: صادق الروح، بهي الانتماء، لا يكتب إلا بما يشعر، ولا ينقل إلا ما يحترمه.
ولقد تعانقنا ودمعنا بصمت يعرفه الرفاق فقط. كان اللقاء لحظة وفاء لذاكرة مشتركة، جسد فيها العامري صدقه وعمق انتمائه، كما يفعل دائما بكلماته وكتبه.
عموما :
ابارك له هذا الإصدار المهم، وابارك لتعز هذا الإنجاز الذي يعيد للثقافة مكانها، وللأمثال هيبتها.
واقول له: شكر لأنك اخترت أن تكتب بالذاكرة، وبحبٍ واضح لا تشوبه المصلحة.
فيما سعادتي لا توصف.. بهذا الإنجاز.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news