أعد التحليل لـ”يمن ديلي نيوز” وائل البدري:
في محضر الاجتماع التنسيقي للمجموعة اللوجستية – اليمن بتاريخ 30 أبريل/نيسان 2025 – والذي ضم 20 منظمة أممية ودولية وبعض المنظمات المحلية، استفسر أحد الشركاء المشاركين في الاجتماع عن قيام بعض المنظمات الدولية غير الحكومية بنقل سلع الإغاثة إلى المحافظات الخاضعة لجماعة الحوثي المصنفة إرهابية عبر منفذي شحن والوديعة.
يأتي ذلك على الرغم من إعلان سلطات الحوثيين في شمال اليمن (غير المعترف بها) حظر دخول هذه الشحنات عبر موانئ جنوب اليمن، وطُلب معرفة من هي هذه المنظمات وكيف تتعامل مع الحظر القائم.
وفي الاجتماع الأخير بتاريخ 28 مايو/أيار الماضي، ورد في محضر الاجتماع بأن توجيهاً صدر من رئيس المجلس السياسي الأعلى بصنعاء “مهدي المشاط” إلى رئيس الوزراء في حكومة الجماعة يقضي بالسماح بإدخال المساعدات الإنسانية حصرياً عن طريق سلطنة عمان، وأنه يُمكن أخذ هذا التوجيه بعين الاعتبار، لحين استئناف عمل خطوط الشحن إلى الحديدة.
يبعد ميناء عدن نحو 380 كلم فقط عن صنعاء، بينما الطريق البري من سلطنة عمان يبعد أكثر من 1400 كلم، ويمر عبر مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، في حين يبعد أقرب ميناء لسلطنة عمان عن المنفذ 150 كيلومتراً، ما يعني أن المساعدات ستحتاج إلى 1550 كيلومتراً للوصول إلى مناطق الحوثيين، بدلاً من 380 كيلومتراً.
لماذا سلطنة عمان؟
يدرك الحوثيون أن نقل المساعدات عبر ميناء عدن سيدفع المنظمات الدولية للتعامل مع الحكومة اليمنية (المعترف بها دولياً) وستضطر المنظمات للتعامل المالي عبر مؤسسات الحكومة اليمنية، وهو الأمر الذي سيوفر للحكومة عملة صعبة، ظلت تبحث عنها لسنوات.
طوال السنوات الماضية ظلت المنظمات الدولية تتعامل مع البنك المركزي الخاضع للحوثيين، ما جعل الجماعة تحقق وفراً من العملة الصعبة التي كانت تجلبها عليها المنظمات الدولية.
جماعة الحوثي ترى أن ذهاب تلك المبالغ من العملة الصعبة للحكومة اليمنية، سيعتبر انكساراً لها في حرب خنق الحكومة اليمنية اقتصادياً، بعد أن نجحت في ضرب موانئ تصدير النفط جنوب اليمن أواخر العام 2022، وحرمانها من نحو 60 في المائة من إيراداتها من العملة الصعبة.
بالتالي فإن نقل المساعدات الدولية عبر الموانئ العمانية سيحرم الحكومة الشرعية حصولها على العملة الصعبة، وستذهب تلك العملة للبنوك العمانية، وغير مستبعد استفادة إيران من عائدات تلك المساعدات، خاصة وأن قيمة المساعدات تقدر بمئات ملايين الدولارات سنوياً.
وفي السياق أيضاً فإن نقل المساعدات الدولية عبر ميناء عدن سيعزز دور الميناء إنسانياً وسيقيد الجماعة في حربها ضد الحكومة اليمنية، حتى وإن كان ذلك على حساب الوضع الإنساني الذي سيدفع تبعاته الشعب اليمني.
كما أن رفض دخول المساعدات عبر عدن يمثل ورقة ضغط في المفاوضات مع الأطراف الدولية، ووسيلة لابتزاز تنازلات في قضايا مثل رفع العقوبات وتخفيف القيود على موانئ الحديدة لتعزيز نفوذهم السياسي والاقتصادي.
تعزيز الدور العُماني
يحرص الحوثيون على تعزيز استمرارية الحضور السياسي لسلطنة عمان في المشهد اليمني، كونها تمثل نافذتهم الوحيدة إلى العالم الخارجي.
هذا التوجه ينسجم مع النهج الإيراني الذي يرى في سلطنة عُمان وسيطا مفضلًا، كما ظهر في المفاوضات الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة، حيث اختارت طهران مسقط كوسيط رسمي.
وبالرغم من كون الطريق العُماني أطول ويمر عبر مناطق خصومهم، إلا أن الحوثيين يُفضّلونه لأنه يُستخدم، بحسب تقارير وتحقيقات أمنية، كأحد بؤر تهريب الأسلحة إليهم.
وقد تم بالفعل ضبط العديد من شحنات الأسلحة في المنافذ اليمنية القادمة من سلطنة عمان، كانت في طريقها إلى مناطق الحوثيين ما يجعل هذه المنافذ ذات أهمية استراتيجية لهم تتجاوز الجانب الإنساني.
التبعات المتوقعة
إصرار جماعة الحوثي إدخال المساعدات الدولية عبر الموانئ العمانية وليس عبر موانئ جنوب اليمن سيجعل المساعدات تنتقل عبر ثلاثة منافذ يبدأ من الموانئ والبنوك العمانية، وبعدها الموانئ البرية للحكومة اليمنية عبر شحن وصرفيت، ومن ثم الموانئ البرية التي استحدثتها جماعة الحوثي في البيضاء ونهم.
بينما نقل المساعدات عبر عدن ستمر عبر منفذين الأول ميناء عدن للحكومة اليمنية ومن ثم تنتقل مباشرة إلى المنفذ البري في محافظة الضالع، فضلا عن أن المسافة من عدن إلى صنعاء تساوي ربع المسافة من عمان إلى صنعاء.
هذه المراحل التي ستتطلبها نقل المساعدات الإنسانية إلى مناطق الحوثيين عبر سلطنة عمان، سيكون له تكاليف كبيرة جداً بمعدل يفوق 400 في المائة في أقل تقدير، إذا ما تم نقلها عبر ميناء عدن، حيث سيتطلب نقل المساعدات أجور نقل تفوق أجرة نقلها بأضعاف، إضافة إلى أجور التفتيش بدءً من موانئ عمان، إلى منافذ الحكومة اليمنية، ومن ثم منافذ جماعة الحوثي.
كل هذه التكاليف التي سيتم دفعها لنقل المساعدات الدولية عبر سلطنة عمان إلى مناطق الحوثيين، ستأتي على حساب الفقراء والوضع الإنساني في مناطق الحوثي، حيث ستضطر المنظمات الدولية لاستقطاع أجور نقل المساعدات عبر سلطنة عمان من قيمة تلك المساعدات وهو ما سيؤدي حتمياً إلى تقليص حجم المساعدات المخصصة لمناطق الحوثيين بشكل كبير.
إضافة إلى ذلك فإن المسافة الطويلة التي ستقطعها المساعدات من سلطنة عمان إلى صنعاء يتطلب ناقلات حافظة، تضمن عدم تأثر تلك المساعدات بارتفاع درجات الحرارة بسبب طول الطريق والطقس الحار الذي من سلطنة عمان وحتى محافظة البيضاء، خاصة منها المساعدات الصحية.
رفض الحوثيين لعبور المساعدات من ميناء عدن لا يرتبط بأي منطق إنساني أو لوجستي، بل يعكس خياراً سياسياً واستراتيجياً نابعاً من استغلال المساعدات والوضع الانساني كورقة ضغط لتعزيز السيطرة والنفوذ المحلي والدولي وتمكين دور عُمان كوسيط إقليمي موثوق، والحفاظ على سمعه وموثوقية منافذ التهريب العمانية.
مرتبط
الوسوم
جماعة الحوثي
دخول المي
دخول المساعدات الانسانية الى اليمن
سلطنة عمان
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news