في كل مرة تُطرح قضية جنائية تمس أحد القيادات الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، ينطلق سيل من الأسئلة المكررة عبر إعلامه ونشطائه: "لماذا في هذا التوقيت؟" وكأن المطالبة بالتحقيق والمساءلة باتت تهمة بحد ذاتها، أو مؤامرة تستهدف مشروعهم السياسي!
ما إن تظهر قضية إلى العلن، حتى تُستحضر الأسطوانة المشروخة نفسها دفاعًا عن المتهم لمجرد انتمائه لفصيل معين. ويتم القفز فوق جوهر القضية – وهو البعد الجنائي – إلى تبني خطاب تبريري يستدعي الماضي النضالي للمتهم، ليُغسل الحاضر الملطخ بالانتهاكات بماء "القضية الجنوبية".
ولكن، هل النضال القديم يمنح حصانة أبدية ضد المحاسبة؟ وهل يصبح من مارس الظلم في الحاضر بريئًا لأنه كان مناضلًا في الأمس؟
الظاهرة الأخطر أن القيادات الأمنية المتورطة غالبًا ما تجد من يمجّدها بدل مساءلتها، ويتعامل معها كرمز لا يجوز المساس به. وهذا ليس مجرد تهرب من العدالة، بل تحدٍ صريح لها، بقوة السلاح والنفوذ، في بلد لم يتبقَ فيه من مظاهر الدولة إلا قشورها.
ما يؤلم أن من يُفترض بهم أن يكونوا صوت الشعب – من إعلاميين وناشطين – تحولوا إلى أدوات تبرير، يهاجمون الضحايا ويتغنون بالجلاد، تحت ذريعة "الظرف الحساس" أو "الوضع الأمني".
لكن السؤال الحقيقي ليس: "لماذا في هذا التوقيت؟"
بل: لماذا لا يُحاسب الجاني مهما كان توقيت الجريمة؟
للأسف، الأخطاء الجسيمة والانتهاكات في عدن باتت مشهدًا متكررًا، والواقع يزداد سوادًا في ظل فشل إداري وأمني متواصل، وفوضى قضائية، وازدواجية في مفاهيم العدالة.
السب أو الاختلاف السياسي – مهما كان مستفزًا – لا يبرر القتل أو التعذيب أو تلفيق التهم.
النيابات تتحول إلى أذرع مرافقة للقوة، بدلًا من أن تكون ميزان عدل للمواطن، حتى بات من حق الناس أن يتساءلوا: هل النيابة العامة تتبع القانون، أم تتبع الحزام الأمني؟
إن استمرار هذه العقلية الاستعلائية سيجرف الجنوب نحو هاوية أكبر.
فلا قضية عادلة تنتصر في ظل الظلم، ولا دولة تُبنى على حماية المجرمين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news