الجُمعَةُ الآنَ بين السَّبتِ والأَحَدِ
والمُصحَفُ الآنَ تُلمُودٌ بلا سَنَدِ
والمِلَّةُ الآنَ آبارٌ وأَرصِدةٌ
والعالَمُ الآنَ سُوقٌ دُون مُعتَقَدِ
والأُمَّةُ الآنَ مِليارَانِ، دُونَ أَبٍ
والواحِدُ الآنَ آحَادٌ بِلا أَحَدِ
والرِّحلَةُ الآنَ مِن لَامٍ إِلى أَلِفٍ
والوِجهَةُ الآنَ: لا تَذهَبْ، ولا تَعُدِ
والوَاقِعُ الآنَ حُـرٌّ في تَرَدُّدِهِ
بَين الوُقُوعِ وبين العَيشِ في نَكَدِ
والمُنقِذُ الآنَ ذِئبٌ، رَأسُهُ حَجَرٌ،
تَباعَدِي يا هُمُومِي خَشيَةَ الحَسَدِ
والطَّلقَةُ الآنَ في رَأسِ الفَرَاغِ.. فَمَن
مِن الفَرَاغِ سَيَحمِي جُثَّةَ الأَبدِ؟!
والغُربَةُ الآنَ في صَنعاءَ خانِقَةٌ
يا لَيتَ صَنعاءَ لَم تُولَد، ولَم تَلِدِ
أَو ليتَ عقدين من عمري أَضَعتُهُما
بها، يعودان بي طِفلًا إلى الجَنَدِ
سَيَسألُ اللهُ صَنعَا عِندَ مَحشَرِها
عَنِ اغتِرابِي، وعَن شَعبي، وعن بَلدي
ويَسأَلُ اللهُ صَنعا كَيفَ طابَ لها
رُقَادُها في زَمانِ العُكفَةِ الجُدُدِ
*****
ها يا أَحِبَّةَ قَلبي.. ما أَقُولُ لَكُم؟!
صَنعاءُ واللَّيلُ مِسمارَانِ في كَبِدِي
دَخَلتُ صَنعاءَ طِفلًا.. لا حُدُودَ لِمَا
يُريدُهُ مِن لَذِيذِ العَيشِ والرَّغَدِ
فَتًـى بِعَينَيهِ يَفدِي حُلمَ مَوطِنِهِ
وبَين جَنبَيهِ فَجرٌ يَانِعٌ ونَدِي
أُنَمِّقُ الحُزنَ مَفتُونًا بِهِ وبِها
كَمَا تُنَمِّقُ أُمٌّ بَهجَةَ الوَلَدِ
وأَدفَعُ اللَّيلَ عَنها، وهي تَدفَعُنِي
بِرَأسِها، وتُداوي الهَمَّ بِالكَمَدِ
كَم شَوَّطَت في ضُلُوعِي غَيرَ خائفةٍ
وكَم تَعَثَّرتُ فيها غَيرَ مُستَنِدِ
كان النَّهارُ ظِلالي.. ثُمَّ ها أَنَذَا
أَمشِي مع الليلِ في صَنعا يَدًا بِيَدِ
يَمُرُّ بي مُستَرِيبًا فِي أَزِقَّتِها
مُرُورَ لِصٍّ ضَريرٍ شارِدِ الخَلَدِ
وحَارَةً حارَةً يَجتازُ بِي.. وأَنا
أَقُولُ لِلحَظِّ: إِن لَم تَأتِنِي فَعِدِ
عشرونَ عامًا وصَنعا ما تَزَالُ بِلا
حُلمٍ تُطِلُّ، وتَرمِي كُلَّ مُجتَهِدِ
أَمرِي إِلى اللهِ.. كَم وَاسَيتُ غُربَتَها
وكم بَطَشتُ بِنَفسِي بَطشَةَ الأَسَدِ
في (بَيتِ بَوْسٍ) وفي (قاعِ اليَهُودِ) وفي
(بَابِ السَّبَاحِ) اغترابي فَتَّ في عَضُدِي
صَنعاءُ واللَّيلُ في رُوحِي إِذا اجتَمَعا
تَسَلَّقَ الحُزنُ وَجهِي وهو لَم يَكَدِ!
لَيلٌ.. وصَنعاءُ أَقمارٌ مُعَطَّلَةٌ
على الرَّصِيفِ.. وأَمسٌ عالِقٌ بِغَدِ
لَيلٌ.. وصَنعاءُ تَبدُو في الظَّلامِ كما
لَو أَنَّها بَيتُ جِنٍّ ضاقَ بِالعَدَدِ
لَيلٌ وصَنعاءُ في صَنعاءَ تَبحَثُ عَن
مسافَةِ الصِّفرِ بَين الجَمرِ والبَرَدِ
لَيلٌ وصَنعاءُ تَدعُو بِاسمِ خانِقِها
لَيلٌ وصَنعاءُ تَتلُو سُورَةَ المَسَدِ
يا بِنتَ سامَ بنِ نُوحٍ إِنني بَشَرٌ
مِمَّن سَكَنتِ.. وبَحرٌ مِنكِ لَم يَصِدِ
وأَنتِ ما زِلتِ أُنثَى غَيرَ عاشِقَةٍ
عَقِيدةُ الحُبِّ فيها عُقدَةُ العُقَدِ
تَبِيتُ والجُوعُ فيها فاغِرًا فَمَهُ
تُحَدِّثُ الناسَ عن بَدرٍ، وعن أُحُدِ
ما أَضْيَعَ العُمرَ في هذي البِلادِ.. وما
أَمَرَّ ما ذاقَ مِنها كُلُّ مُبتَعِدِ
ما لِاتّجاهاتِ قَلبي دُونَ أَشرِعَةٍ
وما لهُ النَّبضُ عَزفٌ غَيرُ مُنفَرِدِ!
في دَاخِلِي مُذ دَخَلتُ البَحرَ مُنتَشِيًا
كَأسٌ مِن المِلحِ.. لَم يَنقص، ولَم يَزِدِ
صَارَت تُحَدِّثُ نَفسِي نَفسَها.. وأَنا
أُحَدِّثُ الجُوعَ عن شَعبٍ بلا مَدَدِ
صارَت تُكَذِبُ نَفسِي نَفسَها.. وأَنا
بِالعَيشِ والمِلحِ أَدعُو “نُقطَةَ العَنَدِ”
صارَت تُمَزِّقُ نَفسِي نَفسَها.. وأَنا
أَقُولُ لِلحُزنِ: فَرِّقْ شَملَنا تَسُدِ
قد كنتُ أُدرِكُ مَعنى أن أكونَ معي
لا أَن أَكُونَ وَحِيدًا غَيرَ مُتَّحِدِ
يا فَاقِدِ الشَّيءِ كَذِّب مَن تَشاءُ.. ولا
تَسأَل عَن الفَقدِ إِلَّا قَلبَ مُفتَقِدِ
لا بُدَّ مِن قَولِ شَيءٍ لِلفَرَاغِ فقد
وَجَدتُ لِي فِيهِ مَأوًى دائِمَ الأَمَدِ
والسَّاعَةُ الآنَ صِفرٌ واحِدٌ.. ولَقَد
بَدَأتُ أَشعُرُ أَنِّي لَستُ في جَسَدِي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news