حين يصبح الجواز اليمني دليلا على غياب الدولة

     
صوت العاصمة             عدد المشاهدات : 264 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
حين يصبح الجواز اليمني دليلا على غياب الدولة

✍️ بقلم: الدكتور/ قاسم الهارش.

في بلد يعاني من تشظي السيادة، وتعدد مراكز القرار، وعجز مؤسسات الدولة عن أداء وظائفها، لم يكن القرار الذي أصدرته الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب بحظر دخول المواطنين اليمنيين إلى أراضي الولايات المتحدة مجرد إجراء أمني ضمن سياسة الهجرة. بل مثل هذا القرار صفعة دبلوماسية قاسية، عكست تراجعا واضحا في مستوى الثقة الدولية بالحكومة اليمنية الشرعية، وكشفا غير معلن عن هشاشة مؤسساتها، وفقدانها لأهم مقومات الدولة "السيادة والكفاءة".

القرار الأمريكي، رغم غلافه الأمني، حمل بين سطوره رسالة سياسية صريحة الحكومة اليمنية لم تعد شريكا موثوقا في إدارة الأمن الدولي، ولا كيانا قادرا على القيام بوظائف الدولة الحديثة. وهذه الرسالة لم تكن موجهة لليمن فقط، بل وصلت أصداؤها إلى عواصم القرار العربي والإقليمي والدولي، لتفتح الباب أمام إعادة تقييم شكل العلاقة مع "الشرعية" اليمنية.

وصف الإدارة الأمريكية للحكومة اليمنية بأنها "تفتقر للكفاءة" ليس مجرد توصيف بيروقراطي عابر. بل هو اتهام سياسي بالغ الخطورة. فالكفاءة، في لغة العلاقات الدولية، تعني قدرة الدولة على إدارة مؤسساتها، ضبط أمنها، تقديم خدماتها، ومراقبة حدودها. وعندما تنفى هذه الكفاءة، تبدأ شرعية الدولة في التاكل، أولا في نظر مواطنيها، ثم في أنظار العالم.

لقد بدأت بعض العواصم العربية تتعامل مع الحكومة اليمنية بحذر متزايد، وتراجعت مستويات الدعم، وضعفت مرونة التنسيق. الاعتراف الرسمي ما يزال قائما شكليا، لكنه أصبح محاطا بشكوك عميقة، خاصة في ظل استمرار الانقسام السياسي والمؤسسي، وغياب القيادة الموحدة.

أخطر ما جاء في المبررات الأمريكية كان التشكيك العلني في الوثائق الرسمية اليمنية، وفي مقدمتها جواز السفر. حين تفقد الوثيقة الرسمية الأولى للمواطن ثقة الدول الكبرى، فإن ذلك لا يعد فقط ضربة لكرامة اليمني، بل نسفا لرمزية السيادة، وتشكيكا مباشرا في الجهة التي تصدر تلك الوثيقة أي الحكومة اليمنية الشرعية.

وقد انعكست هذه الأزمة بسرعة على الأرض. بعض الدول العربية شددت إجراءات منح التأشيرات، وطالبت بموافقات أمنية مسبقة، ومددت فترات الانتظار، وأحيانا رفضت الجواز اليمني دون مبررات واضحة. هكذا وجد اليمني نفسه محاصرا، يحمل جوازا يفترض أن يفتح له العالم، فإذا به يغلق في وجهه كل الأبواب، وكان هذه الوثيقة أصبحت عبئا لا دليلا على الهوية والانتماء.

حين تقول دولة بحجم الولايات المتحدة إن الحكومة اليمنية "لا تسيطر على أراضيها"، فإنها لا تدلي بتقرير أمني فحسب، بل تصدر تقييما سياسيا حادا يشكك في وجود الدولة نفسها. فالدولة، في أبسط تعريف، هي كيان يملك السيطرة على أرضه وشعبه ومؤسساته. وإذا غابت هذه السيطرة، فإن باقي العناصر تبدأ في الانهيار تباعا.

هذا الواقع يضعف من موقع الحكومة في المحافل الدولية، ويغري بعض الأطراف الدولية والإقليمية بالتعامل مع سلطات الأمر الواقع، لا عن اقتناع بشرعيتها، بل بحكم "الواقعية السياسية". كما أنه يهدد علاقة اليمن بدول الجوار، التي لم تعد ترى فائدة من دعم حكومة لا تملك قرار المنافذ ولا السيادة الأمنية على الأرض.

لم يكن الجواز اليمني يوما مجرد وثيقة سفر، بل كان رمزا لوجود دولة، واعترافا بمواطنة، وشهادة على سيادة. ولكن حين تفقد هذه الوثيقة قيمتها، فإن مؤسسات الدولة تصبح على المحك، وتجد الحكومة نفسها عاجزة عن حماية أبسط رموز وجودها.

فما الذي يعنيه أن تشكك دول كبرى في جواز صادر من جهة شرعية؟ يعني ببساطة أن هذه الجهة لا تملك قدرة السيطرة على إصدار الوثائق، ولا تضمن نزاهتها، ولا تراقب منافذها، ولا تستطيع منع التزوير والتلاعب وتعديل البيانات. وهذا ليس تفصيلا إداريا، بل ضرب في صميم مفهوم الشرعية نفسه.

وتثور هنا أسئلة محورية:!

لماذا لم يتم نقل المركز الرئيسي الجوازات إلى العاصمة المؤقتة عدن من قبل وزارة الداخلية، ممثلة برئاسة مصلحة الهجرة والجوازات، بشكل كامل، مع إنشاء مركز بيانات خارجي احتياطي يحمي معلومات المواطنين في حال حدوث كوارث أو هجمات سيبرانية؟

لماذا لم ينجز مجلس القيادة الرئاسي هيكلة وطنية موحدة تنهي الانقسام في القوات المسلحة والأمن تحت مظلتي وزارتي الدفاع والداخلية؟

ولماذا لا تتواجد الحكومة بشكل دائم على الأرض، حتى في المناطق التي تصفها بـ"المحررة"؟

هذه الأسئلة لا تتعلق فقط بالجواز، بل تمس هيبة الدولة، ومفهوم الشرعية، وقدرتها على الفعل السيادي. فـتعدد مراكز القرار، وغياب القيادة الموحدة، وتشتت السيطرة الأمنية، كلها مؤشرات على تآكل التماسك الداخلي للشرعية، وقرب فقدانها غطائها الدولي الفعلي.

القرار الأمريكي، لا يزال يستخدم كمرجع دبلوماسي في تقييم الحالة اليمنية. وقد يتحول، إن لم يتم تدارك الأمور، إلى نقطة انطلاق لسحب الاعتراف الفعلي بالحكومة، حتى لو بقي الاعتراف الشكلي قائما على الورق.

لا أحد يحمي شرعية لا تحمي نفسها. لن يقاتل العالم من أجل حكومة لا تقاتل من أجل مواطنيها، ولن يدافع أحد عن دولة لا تدافع عن وثائقها، ولا تبسط سيادتها، ولا تثبت كفاءتها.

فالسيادة لا تمنح، بل تنتزع بالحضور، وتثبت بالكفاءة، وتصان بالثقة. والجواز اليمني ليس مجرد ورقة. إنه الاختبار الأخير لوجود الدولة. وإذا سقط، سقطت معه آخر أعمدة السيادة.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

مستشار إماراتي : اهلا بالجنوب العربي في مجلس التعاون الخليجي

عدن تايم | 615 قراءة 

مائة ألف دولار تؤجّل صداماً سياسياً بين بن بريك والعليمي

صوت العاصمة | 534 قراءة 

شاهد بالصورة .. هكذا تبدو صنعاء الآن

كريتر سكاي | 468 قراءة 

رد سعودي حازم على جريمة مقتل الشيخ صالح حنتوس في ريمة

نيوز لاين | 433 قراءة 

السعوديه تعيد ترتيب أوراقها جنوب اليمن: قوات جديدة بقيادة خصم الانتقالي

نيوز لاين | 415 قراءة 

إعدام طفل دافع عن شرفه بعد محاولة اغتصاب من قيادي بارز استدرجه إلى فندق في صنعاء.. تفاصيل

نافذة اليمن | 353 قراءة 

دولتان فقط تنجوان من شبح الحرب النووية

المرصد برس | 297 قراءة 

من الجيش إلى السحل في الأسواق.. شاهد بالفيديو هكذا أهان الحوثيون بائعًا متجولًا في صنعاء

المشهد اليمني | 278 قراءة 

قيادية حوثية تشتم الصحابة علنًا.. فيديو صادم يفضح "الزينبيات" ويشعل الغضب في اليمن

نافذة اليمن | 260 قراءة 

رد سعودي حازم على جريمة مقتل الشيخ صالح حنتوس في ريمة

المرصد برس | 246 قراءة