في مشهد سياسي يعاني من انقسام حاد وتحديات وجودية، تبرز خطابات كل من رئيسي مجلس القيادة والحكومة المعترف بها دوليًّا اليوم في لقاء وزراء الحكومة كمنصة للتواصل مع الشعب في المحافظات المحررة؛ لكنها تتحول أيضًا إلى مرآة تعكس التناقض الصارخ بين الطموحات السياسية والواقع الاقتصادي المتردي، وعند التأمل في بنية الخطابات اليوم لرئيس مجلس القيادة ورئيس الحكومة في اجتماع وزراء الحكومة تكشف خطابهما عن ثنائية مثيرة للقلق؛ بين خطاب يرفع شعارات استعادة مؤسسات الدولة من عاصمة يصفها الخطاب بالمؤقتة والمعركة المصيرية مع المليشيات الحوثية الإرهابية، وواقع يعاني من عجز حكومي عن سياسة تقشف تنذر عن عجز في دفع الرواتب ومعالجة الانهيار شبه الكامل للخدمات الأساسية، وهذا التناقض يطرح أسئلة جوهرية حول مدى جدية هذه الخطابات في معالجة الأزمة الجوهرية الراهنة، أم أنها مجرد ألفاظ إنشائية لا أفعال عملية.
وعند التأمل في بنية الخطابين لكل من رئيسي مجلس القيادة والحكومة ترى تكرار عبارة عدن عاصمة مؤقتة وهذا أمر يحمل في طياته رسائل متعددة المستويات، فمن ناحية، يعكس هذا التعبير اعترافًا ضمنيًا بعجز الحكومة عن استعادة مؤسسات الدولة في عاصمة لا تمنح حتى استقرار سياسي في أحقيتها وهي مؤقتة ومن ناحية أخرى يكشف عن عدم جدية إقناع المجتمعين الإقليمي والدولي أن تفتح سفاراتهما في عاصمة لا تنال صفة رسمية بسبب تعليق اسم المؤقت إلى حين استعادة العاصمة الرسمية وهذا في حد ذاته ظلمًا كبيرًا في حق عدن وحرمانها من أبسط مقومات النهوض الحقيقي مقابل ما منحتهم حق الاحتضان الشرعي لحكومتهم ومجلسهم الرئاسي، واللافت أن هذا التكرار وصل إلى درجة أفقدت المؤمنين بفكرة استعادة المؤسسات ثقتهم في هذه الشعارات، وهذا الاستخدام المفرط للفظ (مؤقت) يتحول من كونه وصفًا لواقع مؤقت إلى اعتراف بواقع دائم لا يتحقق، مما يضعف الموقف التفاوضي للحكومة والرئاسي ويعطي شرعية الواقع للمليشيات الحوثية الإرهابية أحقيتها في استخدام العاصمة الرسمية صنعاء كقوة قائمة بالفعل لأننا لم تقدر على سحب كلمة الرسمية عن صنعاء لصالح عدن.
ومن ناحية أخرى يصرح الرئاسي والحكومة عن سياسة الاعتماد على النفس، وهي عاجزة حتى عن دفع رواتب موظفيها، ناهيك عن توفير أبسط الخدمات للمواطنين بسبب انها أظهرت عجز قدرتها على تشغيل المصادر النفطية مما يجعلها رهينة المساعدات الإنسانية الإقليمية والدولية وأكثر رضوخًا للضغوط الخارجية بأي حل لا يراعي الشرعية نفسها ولا يقدر تطلعات الشعب في الشمال ولا الجنوب.
فشعار الاعتماد على النفس وسياسية التفكير خارج الصندوق يبدو في هذا السياق محاولة لتحويل العجز إلى فضيلة، وإخفاء الفشل في إدارة الموارد تحت غطاء من الشعارات الوطنية والا كيف تستطيع الحكومة على إجبار محافظات تعودت من عشر سنوات على رفض التوريد إلى بنك مركزي عدن وعدم وجود بدائل اقتصادية إيرادية مثل نقل البنوك التجارية من صنعاء الى عدن أو الاتصالات أو انشاء بدائل لها في عدن لتكون موارد سيادية توفر ما لا تقدر عنه الحكومة كتعويض عن النفط .
أما أن المليشيات الحوثية الإرهابية تمنع تصدير النفط، فهذا يعد اعترافًا بالهزيمة واستجداء التعاطف والاعتراف الصريح في خطابات رسمية للرئاسي والحكومة ؛ لأن الاعتراف بالمليشيات الحوثية الإرهابية كقوة قادرة على تعطيل تصدير النفط يكشف عن عمق الأزمة التي تواجهها الحكومة بعمق ويجعل المليشيات نفسها لتفكر بأمور أخرى غير النفط تكون قادرة على تعطيلها ولا تستطيع الحكومة أن تعتمد على نفسها بتوفيرها كمصادر بديلة. فبدلاً من تقديم خطط عملية لكسر هذا الحصار أو البحث عن بدائل، يتحول الخطاب إلى أداة لاستجداء التعاطف الدولي دون أي إستراتيجية واضحة للتعامل مع هذا الواقع.
من هنا تجد الخطاب الرسمي للشرعية المعترف بها دوليًا اليوم تصرح على استعادة مؤسسات الدولة من العاصمة عدن التي تصفها انتقاصا بالمؤقتة، تجد أن المؤسسات القائمة في عدن نفسها منذ عشر سنوات تعاني من انهيار شبه كامل ومتعمد وبسبب كلمة مؤقتة التي أضرت بعدن؛ لأنها لم تمنح صفتها الرسمية كعاصمة للشرعية المعترف بها دوليًا.
كما أن تكرار عبارة أن المعركة مع المليشيات الحوثية التي تراها الشرعية بالمصيرية في الخطابات الرسمية يخفي وراءه غيابًا واضحًا لإستراتيجية متكاملة لتحقيق النصر أو حتى إحراز تقدم ملموس على الأرض.
أما طرح الحكومة والرئاسي استعادة مؤسسات الدولة من المليشيات الحوثية الإرهابية سلمًا أو حربًا فهذا تبسيط يعكس عجزًا سياسيًّا فاضحًا، لأن مثل هذا الطرح حين يطرح كبدائل وحيدة للتعامل مع مليشيات إرهابية يعكس تبسيطاً مفرطًا لأزمة معقدة، كما يكشف عن عجز في التفكير الإبداعي لإيجاد حلول خارج هذا الصندوق الذي يلوح به رئيس مجلس القيادة اليوم.
والمطلوب اليوم من الشرعية المعترف بها دوليًا أن تتبنى خطابًا يجسد الواقع ويقدم الحلول المقنعة للشعب حتى يثق بها أولًا والمجتمعين الإقليمي والدولي ثانيًا؛ لأن الخطابات السياسية لرئيس مجلس القيادة ورئيس الحكومة اليوم تكشف عن فجوة عميقة بين الطموحات السياسية والواقع الاقتصادي المتردي، فبينما ترفع الشعارات الكبرى حول استعادة مؤسسات الدولة والبدء في فتح السفارات وتبني موضوع المعركة المصيرية مع المليشيات الحوثية الإرهابية، نجدهما عاجزين بوضوح عن إدارة أبسط ملفات الحكم كدفع الرواتب وتقديم الخدمات ومعالجة التضخم النقدي. وهذا التناقض بين اللفظ والفعل لا يهدد فقط مصداقية القيادة السياسية، بل يقوض أيضًا ثقة المواطن في إمكانية تحقيق أي تقدم على الأرض.
ما يحتاجه الشعب اليوم هو خطاب سياسي يتحول من مجرد ألفاظ إلى خطة عمل واضحة، خطاب يعترف بالتحديات من دون أن يستسلم لها، ويقدم رؤية واقعية قابلة للتنفيذ، وكما أن الأزمة الحالية بالبلاد لا تتطلب أكثر من مجرد خطابات، بل إستراتيجية متكاملة تعالج الأزمة الاقتصادية كمدخل لحل الأزمة السياسية، تمامًا كما فعلت بعض الدول التي واجهت أزمات مماثلة في العالم.
في النهاية، فإن اختبار مصداقية أي خطاب سياسي ليس في بلاغة ألفاظه ولا في عذوبة جملته، بل في قدرته على التحول إلى أفعال ملموسة تحسن حياة المواطن وتعيد الأمل في إمكانية التغيير، وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه قيادة الشرعية اليوم ضد المليشيات الحوثية الإرهابية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news