تقرير خاص أعده لـ”يمن ديلي نيوز” إسحاق الحميري:
تصاعدت بشكل لافت خلال الأسابيع القليلة الماضية الانتهاكات ضد الصحفيين اليمنيين، سواء من قبل جماعة الحوثي المصنفة إرهابية، التي تتصدر باستمرار قائمة الانتهاكات، أو من قبل أطراف يمنية أخرى.
وفق بيانات كل من نقابة الصحفيين اليمنيين والمنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين “صدى”، رصد “يمن ديلي نيوز” تعرض 18 صحفيًا وإعلاميًا لانتهاكات متعددة، تنوّعت بين الاعتداء الجسدي، والاعتقال، والتهديد، وأحكام قضائية شملت السجن والغرامة.
وتركزت معظم الانتهاكات في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، حيث اعتقلت سلطات الجماعة ثمانية صحفيين وإعلاميين في محافظة الحديدة، من بينهم نائب رئيس فرع نقابة الصحفيين هناك، كما قامت بملاحقة أحد الصحفيين في محافظة ذمار، إلى جانب صدور حكم بالسجن بحق الصحفي محمد المياحي.
أما في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، فقد شهدت محافظة تعز أربع حالات انتهاك، فيما تم رصد حالات أخرى في حضرموت، ومأرب، وسقطرى، وعدن، شملت احتجازًا تعسفيًا ومضايقات أمنية ضد صحفيين.
ما أسباب تصاعد هذه الانتهاكات؟ وكيف تؤثر على البيئة الإعلامية في اليمن؟ هذا ما يناقشه “يمن ديلي نيوز” في هذا التقرير مع نقابة الصحفيين اليمنيين والمنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين “صدى”.
غياب الدولة
يقول رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين اليمنيين ،نبيل الأسيدي، إن غياب الدولة ومؤسساتها يمثل السبب الرئيسي وراء تصاعد الانتهاكات ضد الصحفيين في اليمن، مشيرًا إلى أن هذا الفراغ يمنح الأطراف المتصارعة مساحة واسعة لممارسة القمع دون خوف من المساءلة.
وأوضح الأسيدي لـ”يمن ديلي نيوز” أن جماعة الحوثي تصدرت قائمة الأطراف المنتهكة، إذ كثفت ممارساتها القمعية في ظل غياب آليات الردع والمحاسبة.
وقال: “الحوثيون يعيشون حالة رعب من الصحافة التي تكشف الحقائق وتنقل ما يحدث، لأنهم يريدون ممارسة المزيد من أدوات القمع ضد الشعب اليمني، وبالتالي يسعون بكل الطرق لإسكات الصحافة”.
وأشار إلى أن هذا النهج القمعي لا يقتصر على مناطق سيطرة الحوثيين، بل يمتد أيضًا إلى المحافظات الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، حيث سُجّلت انتهاكات متعددة، من بينها قمع المظاهرات ومنع الصحفيين من التصوير وتغطية الأحداث.
وأضاف: محافظة مأرب بدورها تشهد انتهاكات متزايدة، نتيجة للرابط المشترك بين هذه الممارسات القمعية، وهو غياب الدولة وتخوّف القوى المسيطرة من دور الإعلام.
مزيد من التضييق
رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين اليمنيين حذر في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز” من أن تصاعد الانتهاكات ضد الصحفيين سيؤدي إلى مزيد من التضييق على حرية العمل الصحفي، ويهدد حياة الصحفيين ويمنعهم من الوصول إلى المعلومات في بيئة شديدة الخطورة.
وقال: “الصحافة تُستهدف بشكل ممنهج، لأنها تمثل عين الشعب ولسانه الناقل للواقع، وهي القادرة على كشف التجاوزات والانتهاكات أمام الرأي العام”.
وتابع: الجماعات المسلحة، سواءً كانت جزءًا من الدولة أو خارجها، تمارس هذه الانتهاكات لتبقي آلة القمع بعيدة عن الأضواء.
وشدد على أن “تضييق الخناق على الصحفيين يعكس خوف تلك الأطراف من انكشاف انتهاكاتها، وكلما ضاقت بها الحلقة، زادت حدة القمع”.
وأضاف في ختام حديثه: استهداف الصحافة مؤشر على اتساع دائرة القمع، وأن كلما زادت الانتهاكات بحق المواطنين، ارتفعت وتيرة القمع ضد الصحفيين لمنعهم من أداء دورهم.
عداء ممنهج
من جانبه، قال رئيس المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين “صدى”، يوسف حازب، إن اشتداد الهجمات على الصحفيين خلال الفترة الأخيرة لا يمكن احتسابه على سياق واحد، لكنه يعكس عداءً ممنهجًا تجاه كل ما يمت للصحافة بصلة.
وأضاف لـ”يمن ديلي نيوز”: التصعيد يأتي ضمن سياسة منظمة تهدف إلى إسكات الكلمة الحرة والصورة الصادقة، ويعكس عداءً واضحًا ضد العمل الصحفي، خصوصًا في مناطق سيطرة جماعة الحوثي.
وأوضح أن الصحافة تمثل اليوم صوت الضحايا، ووسيلة لتوثيق الواقع ونقله إلى الداخل والخارج، ما يجعل الصحفيين أهدافًا مباشرة لجماعات غير منضبطة، تحاول عبر تهم ملفقة – مثل العمالة للخارج أو التآمر على الوطن – شرعنة قمعهم.
واعتبر حازب أن استهداف الصحفيين يكشف عن “حالة فزع وخوف” تعيشها أطراف الصراع، وعلى رأسها جماعة الحوثي، من أي وسيلة تسعى لكشف الجرائم المرتكبة بحق اليمنيين.
وأشار إلى أن الانتهاكات التي ترتكبها جماعة الحوثي تجاوزت كل المعايير القانونية والإنسانية، واصفًا ما يحدث بأنه “تجريف ممنهج” للصحافة، حيث تمارس الجماعة حملات اختطاف وتنكيل بحق الإعلاميين، كما حدث مؤخرًا في الحديدة.
شهادات صادمة
وقال رئيس منظمة صدى يوسف حازب، إن “الانتهاكات التي ترتكبها جماعة الحوثي بحق الصحفيين تجاوزت كل المصطلحات المعروفة في أدبيات حقوق الإنسان، وهي مستمرة بلا حدود، ولا تخضع لأي ضوابط أو اعتبارات، وتندرج ضمن عملية تجريف ممنهجة لهدم الصحافة وتكميم الأفواه”.
وتابع: ما يجري في مناطق سيطرة الحوثيين من تنكيل واعتداءات، سواء بحق الأفراد أو المؤسسات الإعلامية، هو “أمر مروّع يفوق الوصف”.
وأضاف: “لقد استمعت شخصيًا لشهادات صادمة حول حملة الاختطافات الأخيرة التي طالت عددًا من الصحفيين في الحديدة، والمفزع أن كل هذا يحدث في ظل صمت مريب وفي واقع مأساوي نعيشه اليوم”.
وشدد على أن التهم الكيدية الموجهة إلى الصحفيين، كالعداء للوطن والتعامل مع أجهزة استخبارات أجنبية، ليست سوى ذرائع لتبرير هذه الجرائم.
ولم يستثنِ حازب مناطق الحكومة الشرعية من المسؤولية، مشيراً إلى أن الصحفيين يواجهون محاكمات وانتهاكات حتى في المناطق التي يُفترض أن تكون خاضعة للدولة، تحت غطاء القانون، وهو ما وصفه بأنه مؤشر خطير على توسّع الانتهاكات أفقيًا ورأسيًا.
وقال إن شهر مايو الجاري شهد واحدة من أسوأ الفترات التي مرت بها الصحافة اليمنية منذ سقوط صنعاء بيد الحوثيين، حيث تم رصد أكثر من 20 انتهاكًا خلال أسابيع قليلة، ما يشير إلى تدهور غير مسبوق في بيئة العمل الصحفي.
انقسام الأسرة الصحفية
وعبّر رئيس “صدى” عن قلقه من تزايد المخاطر التي تواجه الصحفيين المستقلين ووسائل الإعلام غير التابعة لأطراف الصراع، معتبرًا أن الانقسام داخل الأسرة الصحفية اليمنية أضعف قدرتها على التأثير والدفاع عن حقوق أعضائها.
واعتبر أن الصحفي المثقف والواعي قادر على تجاوز حالة الاستقطاب والتخندق السياسي التي تحول الصحفيين إلى أدوات في يد سلطات الأمر الواقع.
وانتقد حازب غياب موقف حكومي واضح لحماية الصحفيين، رغم الالتزامات الدستورية والقانونية والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها اليمن.
وقال: “من المؤسف ألا يكون هناك توجه حكومي واضح لحماية الصحفيين، فالدولة والحكومة ملزمتان دستوريًا وقانونيًا، ومن خلال المعاهدات الدولية، بحماية الصحفي وتسهيل عمله، بل وتمكينه من امتيازات خاصة، لا سيما في أوقات الحرب”.
وختم حديثه بالقول: “إن التجربة الميدانية خلال سنوات الحرب كشفت عن نمط متكرر من الاعتداءات والانتهاكات ضد الصحفيين، غالبًا ما يتزامن مع اقتراب عمليات عسكرية”.
وقال: “نلحظ دائمًا تصاعدًا في الممارسات العدائية ضد الصحفيين قبيل تنفيذ عمليات عسكرية، وأخشى أن نكون مقبلين على تحرك عسكري جديد قد يشنّه الحوثيون ضد الحكومة الشرعية، وربما في إطار ترتيبات عكسية جارية حاليًا”.
مرتبط
الوسوم
اليمن
الانتهاكات بحق الصحفيين
الصحفيين اليمنيين
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news