كتب/ بشرى العامري:
في الوقت الذي يتحدث فيه المجتمع الدولي عن السلام في اليمن، تتهاوى مقدرات الدولة واحدة تلو الأخرى، وتُسلَّم بدمٍ بارد لجماعة مسلحة لم تُخفِ يوماً مشروعها الطائفي المرتبط بإيران، ولم تتردد في قمع الشعب اليمني والتضحية بكل شيء في سبيل تنفيذ أجندة إقليمية عابرة للحدود.
من مطار صنعاء الدولي إلى ميناء الحديدة وميناء رأس عيسى، سُلّمت أهم المنشئات السيادية والاقتصادية في البلاد لمليشيا الحوثي تحت ذرائع متكررة أبرزها “الحفاظ على السلام”، بينما كانت الجماعة تتقن استخدام هذا الغطاء لتحقيق مكاسب خاصة بها عسكرية واقتصادية وسياسية خطيرة.
اتفاق ستوكهولم.. تسوية سياسية أم شرعنة للسيطرة الحوثية
في ديسمبر 2018، وقّعت الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي اتفاق ستوكهولم برعاية الأمم المتحدة،( لم ينشر هذا الاتفاق ولكن كل ما يتم هو تداول إعلامي عنه دون رؤية أي اتفاق!)، والذي نصّ على إعادة الانتشار في الحديدة وتسليم الموانئ إلى السلطات المحلية. غير أن هذه الصيغة الفضفاضة فتحت الباب أمام بقاء الحوثيين في المواقع الحيوية، بزعم أنهم جزء من السلطات المحلية.
تقارير موثقة صادرة عن الأمم المتحدة نفسها، وخاصة تقارير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن، أشارت بوضوح إلى أن الحوثيين لم يلتزموا بتنفيذ البنود الأساسية للاتفاق، بل عززوا وجودهم العسكري، واستمروا في استخدام ميناء الحديدة لتهريب الأسلحة، وهو ما أكده تقرير فريق الخبراء الأممي الصادر في نوفمبر 2023.
ميناء الحديدة.. بوابة المال والسلاح
رغم أن الحوثيين وافقوا شكلياً على تسليم عائدات ميناء الحديدة لدفع رواتب موظفي الدولة، إلا أنهم وحتى اليوم لم يلتزموا بهذا التعهد.
وقد أشار تقرير البنك المركزي اليمني في عدن لعام 2023، إلى أن الحوثيين جمعوا ما يزيد عن 200 مليار ريال يمني من رسوم المشتقات النفطية فقط عبر الميناء، دون أن يتم دفع ريال واحد كرواتب لموظفي الدولة، بينما يعيش مئات الآلاف من المدنيين في مناطق سيطرتهم تحت خط الفقر المدقع.
مطار صنعاء.. ورقة ابتزاز باسم “الإنسانية
عُدّ مطار صنعاء ورقة ضغط إنسانية مارسها المجتمع الدولي على الحكومة اليمنية، للموافقة على إعادة تشغيله لصالح الرحلات المدنية.
لكن الواقع بيّن أن المليشيا استخدمت هذه الورقة لتعزيز مكانتها السياسية، وتوظيف الرحلات لأهداف دعائية، وحتى لنقل عناصرها للعلاج والتدريب في إيران ولبنان، كما كشف تقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في أكتوبر 2023.
المجتمع الدولي.. شريك صامت أم متواطئ نشط؟
تغاضي المجتمع الدولي عن هذه الانتهاكات، واصراره على “حوار سلام” مع جماعة ترفض من حيث المبدأ منطق الدولة، يجعل من هذا المجتمع شريكاً في مآسي اليمن.
كثير من التصريحات الغربية، خصوصاً من دول مثل السويد وألمانيا وبريطانيا، دعت إلى ضبط النفس وعدم استهداف موانئ الحديدة، رغم علمها التام باستخدام الحوثيين لها كممرٍ لتهريب الصواريخ والطائرات المسيّرة.
غزّة شماعة جديدة.. والضحية اليمن
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، استخدم الحوثيون القضية الفلسطينية ذريعة لتوسيع أعمالهم العدائية في البحر الأحمر، مدّعين دعم المقاومة، بينما الخسائر الفعلية تطال اليمنيين وحدهم، خصوصاً في مجالات الملاحة، والتجارة، والاستثمار.
وأشار تقرير معهد الأطلس الصادر في أبريل 2025، إلى أن إغلاق البحر الأحمر أمام السفن نتيجة لهجمات الحوثيين، تسبب في رفع تكلفة الواردات بنسبة 300%، ما انعكس على أسعار المواد الغذائية والأدوية في الأسواق اليمنية.
من يدفع الثمن؟
في كل مرة تراوغ فيها مليشيا الحوثي، يتكفل المجتمع الدولي بمنحها فرصة جديدة للعبث، ومقابل ذلك، يدفع المواطن اليمني الثمن من دمائه ولقمة عيشه، ومن مقدرات وطنٍ لم يعد يمتلك من سيادته إلا الذكريات.
إن المطلوب اليوم ليس فقط إدانة الحوثيين، بل مساءلة المجتمع الدولي عن شراكته الصامتة، بل والمعلنة الى حد كبير ،في تدمير اليمن، والكفّ عن تسويق الوهم بأن المليشيا يمكن أن تكون شريك سلام، وهي لا تعرف سوى لغة الحرب والدمار.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news