البيضاء.. حين تُهان الجمهورية في صمت

     
موقع الأول             عدد المشاهدات : 111 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
البيضاء.. حين تُهان الجمهورية في صمت

كتاب الرأي

كتب محمد الريامي

ثمة محافظة يمنية تُدعى البيضاء، لكنها ليست بيضاء في أعين السلطة، بل باهتة – في نظرهم – حد الإقصاء. بيضاء الجغرافيا والرجال، لكنها مُظللة بإرث من التجاهل السياسي المركب، كأنها لا تستحق موقعها، ولا تاريخها، ولا حتى جغرافيتها.

البيضاء، التي لا يعرف عنها كثيرون إلا أنها موطن لبعض الجبال والقبائل، ليست هامشاً كما أرادوا، بل عمقًا لمشروع وطني رفض أن يُؤدلج، وأن يُختزل، وأن يُساق كالقطيع في ركب المليشيات أو مراكز النفوذ. ولهذا، بالضبط، أُقصيت.

في زمن انحنت فيه الكثير من الجبهات، وتجذرت الطائفية في مفاصل الحكم، وتشرذمت المشاريع، ظلت البيضاء وحدها تُقاتل بهوية واضحة: لا للسيد، ولا للشيخ المتسلط، ولا للوصاية. أبناء البيضاء لم يكونوا يوماً طائفيين، ولا مناطقيين، ولا متعصبين. كانوا يمنيين فقط. جمهوريين بالفطرة، لا بالتوجيه. وهنا مربط الفرس: لا يمكن للأنظمة المتسلطة، القديمة أو الجديدة، أن تتحمل صوتاً جمهورياً نقياً لا يلهث وراء المغانم، ولا يُساوم على ثوابته. وهكذا، صُنّفت البيضاء كتهديد، لا كرافعة.

حين لم يستطيعوا تطويع البيضاء، حاولوا شيطنتها. فزرعوا فيها “القاعدة”، أو تغاضوا عنها على الأقل، ثم راحوا يصورونها كمنطقة متطرفة، بينما كانت في حقيقتها ساحة صراع بين أبناء قاوموا، وقبائل رفضت، ومجتمع أبى أن ينزلق. القاعدة لم تكن وليدة المجتمع البيضاني، بل وليدة تواطؤ الدولة وانهيارها. ورغم كل ما قيل، لم يكن هناك صوت بيضاني واحد صادق يحتفل بالإرهاب أو يبرره. كانوا وحدهم يقاتلون في الميدان، بينما تُهم تُلصق بهم من خلف المكاتب والمقاهي.

حين اندلعت الحرب، لم تنتظر البيضاء أحداً. شكلت مقاومة شعبية خالصة، خرجت من قلب القبائل، ومن قرى لم يصلها حتى طريق معبّد، لكنها وصلت إلى الجبهات. ومع ذلك، تُركت وحيدة. لا سلاح، لا دعم، لا حتى اعتراف سياسي. أليست هذه هي الجمهورية؟ أليس هؤلاء هم “جمهوريي العرق الصافي”؟ فلماذا لم تُحترم تضحياتهم؟ الإجابة بسيطة: لأنهم لم يكونوا تابعين. لأنهم لم يرفعوا صورة زعيم، ولا راية فصيل، بل اكتفوا براية اليمن.

أكثر ما يُقلق مراكز النفوذ هو أن تنبع قوة لا يستطيعون التحكم بها. والبيضاء، بتاريخها المقاوم منذ الإمامة، تمثل هذا القلق. هي عقدة في خريطة المشاريع الضيقة، وبوصلة لجمهورية حقيقية لو تُركت لتأخذ مكانها الطبيعي. لم تُمنح البيضاء وزارة سيادية، ولا قيادة عسكرية مؤثرة، ولا حتى حصة في مفاوضات السلام، رغم موقعها الحاسم بين ثماني محافظات. والسبب؟ لأنهم يعرفون أنها لن تساوم، ولن تصمت، ولن تتنازل.

من يخشى البيضاء؟ هو من يخشى الجمهورية. من يهمشها؟ هو من لا يريد شريكاً بل تابعاً. ومن يحاصرها إعلامياً؟ هو من يعرف أن البيضاني إذا نطق، نطق باسم اليمن كله، لا باسم السلالة، ولا الجهة، ولا الولاء.

البيضاء ليست ساحة فراغ. إنها ضمير الجمهورية الموجوع.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

اختطاف الضابطة حنان بدر الدين الحوثي في صنعاء 

بوابتي | 681 قراءة 

قيادي حوثي يقتحم قرى في مقبنة بمحافظة تعز ويعتدي على نساء وينهب 44 هاتفًا

حشد نت | 531 قراءة 

عاجل:انتشار امني واغلاق الطرقات الرئيسية الى مطار عدن

كريتر سكاي | 473 قراءة 

من هو؟ وفاة الشيخ محمد المقرمي الداعية اليمني في مكة أثناء الاستعداد لصلاة الفجر

تهامة برس | 450 قراءة 

اول انسحاب لحلف قبائل حضرموت من نقطة امنية في المكلا

كريتر سكاي | 448 قراءة 

وفاة الداعية محمد المقرمي خلال استعداده لصلاة الفجر في مكة المكرمة  

قناة المهرية | 422 قراءة 

تحركات عسكرية ضخمة للمجلس الانتقالي من أبين وعدن باتجاه حضرموت تثير تساؤلات

موقع الجنوب اليمني | 363 قراءة 

رئيس الوزراء يكشف عن موعد انتهاء ازمة الكهرباء بعدن

كريتر سكاي | 330 قراءة 

مطالبات بتسليم طور الباحة والمقاطرة إلى هذه القوات

كريتر سكاي | 307 قراءة 

انسحاب أول نقطة تابعة لقيادة الهضبة بغرب المكلا بعد فرار قائدها

العاصفة نيوز | 306 قراءة