اتجهت جماعة الحوثيين، ذراع إيران في شمال اليمن، إلى إدخال أنظمة ومعدات اتصالات جديدة وتوطين تقنيات صينية وروسية في محاولة لتقليل الاعتماد على بنية اتصالات الجماعة التي لعبت إيران في تطويرها منذ سنوات بما يحقق الارتباط والتشارك مع اتصالات الحرس الثوري وفيلق القدس وجماعات المحور، مع اتساع مخاوف الحوثية من التعرض لإختراق أمني وتقني على غرار مع جرى لحزب الله في لبنان.
وتسارع مجهود الجماعة المصنفة منظمة إرهابية لإستيراد تقنيات متطورة والحصول على أجهزة ومعدات صينية المنشأ وأخرى روسية وبلدان أخرى عبر الرحلات والشحنات الواردة إلى مطار صنعاء وموانئ الحديدة، لإحلالها بدل الأصول الإيرانية مع خسارة طهران الربط التقني والعمليات المنسقة بين أذرعها في جنوب لبنان وسوريا والعراق.
تكشف وثيقة اطّلع عليها محرر "ديفانس لاين" عن سعي الجماعة الحوثية لتوريد أجهزة "تفريغ بيانات" صينية المنشأ بقيمة تزيد عن ستين ألف دولار، لصالح أجهزتها الأمنية والاستخبارية. وتلك الأجهزة تستخدم لأعمال التجسس والتنصت.
بحسب الوثيقة، فأن تلك الأجهزة المتوقع توريدها هي لصالح جهاز الأمن الوقائي الجهادي" ذراع الأمن والاستخبارات السري للجماعة، الذي يتولى مسئوليته القيادي أحسن عبدالله الحمران، المقرب من زعيم الجماعة وعائلته، وبعضها للأمن الجنائي وجهاز مكافحة الإرهاب.
وتشير معلومات إلى أن الصفقات المشبوهة وعمليات التهريب التي ينخرط فيها جهاز الأمن الوقائي يتولى تنفيذها شخص يدعى (ماجد أحمد سلمان مرعي) الذراع المالي للحمران.
فيما تتحدث تقارير محلية وأممية عن تدفق عمليات تهريب أصول وتقنيات اتصالات للحوثية تعتمد على شبكة خطوط معقدة عبر البحر الأحمر وخليج عدن، وخطوط تهريب برية عبر المعابر الحدودية مع سلطنة عمان شرقا.
جهود تنويع بنية اتصالات جديدة تضاعفت أكثر مع انخراط الجماعة في الهجمات ضد الملاحة الدولية في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن وإطلاق صواريخ وطائرات نحو الأراضي المحتلة في إسرائيل.
وإلى جانب اضطرار طهران لنقل سفنها من البحر الأحمر، والتي كانت تعتمد عليها كمراكز تحكم ومراقبة ودعم تقني ولوجستي رئيسي، تتحدث تقارير عن دعم معلوماتي وتقني تتلقاه جماعة الحوثيين من الصين وروسيا.
اتصالات الحوثية باتت تحت رقابة أحدث الحوامات الاستطلاعية، وأعين الموساد والأجهزة الاستخبارية مع تزايد الاهتمام الأمريكي والإسرائيلي بالجماعة
وخلال عامين أخضعت الحوثية
منظومة اتصالاتها لتحديثات دقيقة
وأعادت تشكيل أوعية البيانات والشفرات وأنظمة الربط الداخلي للمنظومة العسكرية والأمنية، مع التركيز على "الاتصالات الجهادية" وهي الشبكة الداخلية للجماعة التي تعتمد على للقيادة والسيطرة وإدارة العمليات للأذرع والفصائل القتالية والأجهزة الأمنية الجهادية، كونها البنية الصلبة للجماعة، إلى جانب شبكة اتصالات الواجهات العسكرية والأمنية العامة.
عصب استراتيجي وسلاح حربي
تمثل الاتصالات الحوثية عصب استراتيجي تعتمد عليه البنية التنظيمية للجماعة وركيزة حيوية لقدراتها العسكرية وعملياتها القتالية، وهي إحدى أسلحة القبضة الأمنية التي تفرضها الجماعة.
وأوكلت الجماعة إدارة هذا الملف الاستراتيجي إلى قيادات مقربة من زعيم الجماعة وثيقة الارتباط والولاء بالعائلة وبفكرة الجماعة.
إذ تشير المعلومات إلى تعيين القيادي محمد حسين بدر الدين الحوثي، نجل مؤسس الجماعة، مسئولا عن قطاع الاتصالات والتقنية.
عين مسئولا لدائرة "الاتصالات الجهادية" وهي الوعاء الداخلي لشبكة الاتصالات والمعلومات للجماعة ونظام اتصال هياكلها التنظيمية وقواتها القتالية وأجهزتها الاستخبارية. كما عينته الجماعة مسئولا لدائرة الاتصالات العسكرية في وزارة الدفاع الحوثية.
كما وضعت الجماعة يدها على مقدرات الاتصالات والانترنت بقطاعاتها السلكية واللاسلكية، وتسخرها لمجهودها الحربي وموردا لعملياتها القتالية.
وعينت محمد حسين عضوا فيما يسمى (اللجنة العليا لإدارة الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة" وآليتها التنفيذية، بقرار وقعه رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى (أعلى سلطة سياسية للجماعة) مهدي المشاط في 14 فبراير 2022. وفقا لتقرير نشره موقع "المصدر أونلاين".
فعالية طائفية لدائرة الاتصالات العسكرية الحوثية
يعتبر القيادي عبدالخالق أحمد محمد حطبة، أحد العناصر الفاعلة في قطاع الاتصالات والجهاز الأمني والاستخباري للجماعة.
وهو من منطقة ساقين بمحافظة صعدة، والتحق بأنشطة الجماعة منذ البدايات الأولى قبل أكثر من عقدين، وبين العناصر الذين تم ابتعاثهم لتلقي التدريب في إيران وعواصم عربية. وتشير معلومات "ديفانس لاين" إلى أنه مقرب من زعيم الجماعة وتربطه علاقة مصاهرة بالعائلة، وأنه ابن خال عبدالملك الحوثي.
وقد عينته الجماعة عام 2016 في هياكل وزارة الدفاع ومنحته رقما عسكريا ورتبة عقيد.
ثم تم تعيينه في منصب نائب أول لمدير الاتصالات العسكرية، وترقيته إلى رتبة "العميد"، بقرار أصدره رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة صالح الصماد. اطّلع محرر "ديفانس لاين" على نسخة من وثيقة القرار الصادر بتاريخ 10 أكتوبر 2017.
وهو المسئول التنفيذي للدائرة فعليا.
كما يحضر اسم القيادي أحمد الشامي، وهو من صعدة، كعنصر فاعل في قطاع الاتصالات والتقنية، وتم تعيينه نائبا لمدير الاتصالات العسكرية.
انكشاف تقني واستخباري
موجة الهجمات الأمريكية الأخيرة التي بدأت منتصف شهر مارس وتوقفت في الخامس من مايو، طالت بعض قدرات الاتصالات الحوثية ونجحت بتدمير أجزاء غير قليلة من هذه البنية الحيوية، وخسرت الجماعة محطات البث والتشويش وأجهزة هوائية وأنظمة توجيه ورادارات، الأمر الذي انعكس –نسبيا- على تنسيق العمليات وأحدث حالة من الشلل لآليات القيادة والسيطرة الداخلية.
فيما تجتهد الجماعة لاستغلال فرصة توقف الهجمات لإعادة ترتيب صفوفها وترميم الخسائر التي طالت بنيتها العسكرية والأمنية، وفي مقدمتها منظومة الاتصالات.
ويرى خبير أمني تحدث لـ"ديفانس لاين" أن الجماعة الحوثية باتت مكشوفة أكثر من أي وقت مضى أمام الأقمار الاصطناعية وأحدث الطائرات الاستطلاعية المزودة بتقنيات وتكنولوجيا متقدمة، تقوم بمراقبة ورصد وتحليل نشاط الحوثية وتعقب حركة قادتها، ما يجعل بنية اتصالات الحوثية عرضة للاختراق.
ويضيف أن عمليات الرصد الجوية والبحرية، مسنودة بشبكة مصادر ومخبرين تنشط في مناطق سيطرة الجماعة وعناصر جاسوسية تم تجنيدها داخل هياكل الجماعة ومفاصلها التنظيمية، مع تزايد اهتمام أجهزة استخبارية بالجماعة وتوجيه أمريكا وبريطانيا وإسرائيل استثمارات كبيرة للوصول إلى عمق واختراقها معلوماتيا وأمنيا.
فضلا عن الصعوبات التي قد تواجه الجماعة لتعويض المعدات والأجهزة والتقنيات التي صنّعتها وطوّرتها إيران وفرص حصولها على تكنولوجيا بديلة من السوق العالمية عبر خطوط التهريب البحرية والبرية.
أجهزة رادار استعرضتها الحوثية في إحدى المناسبات
يشير محللون إلى أن طبيعة بعض الأهداف التي طالتها الضربات الأمريكية واستهدافها مواقع ومخازن حسّاسة وقيادات رفيعة، تؤكد مدى قدرة واشنطن وحلفاءها على الوصول إلى معلومات ومصادر ميدانية والتسلل إلى عمق الجماعة واختراقها داخليا.
مضيفين أن الحوثية أصبحت على رأس اهتمام الموساد وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي وضعت الجماعة كتهديد رئيسي، ووجهت أحد أقمارها الصناعية الاستراتيجية نحو البحر الأحمر ومناطق سيطرة الحوثيين.
وبحسب مراقبين وخبراء فقد تشهد مناطق الحوثية عمليات نوعية وتصفيات قيادية داخلية، على طريقة عمليات الموساد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news