تقرير : العملية التعليمية على مفترق طرق خطير

     
عدن تايم             عدد المشاهدات : 28 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
تقرير : العملية التعليمية على مفترق طرق خطير

جنوب اليمن بلا تعليم : عام دراسي مشلول ولا حلول في الأفق

امتحانات بدون مناهج، رواتب فقدت 90% من قيمتها، حكومة عاجزة، وجيل كامل مُهدد بالأمية.

في مطلع ديسمبر الماضي 2024، أعلنت نقابة المعلمين الجنوبيين بدء إضراب شامل، بعد توقف الحكومة اليمنية عن صرف الرواتب لمدة شهرين متتاليين. 

القرار، الذي وصفته النقابة آنذاك بأنه "إجراء اضطراري"، أدى إلى شلل تام في العملية التعليمية في مدارس العاصمة عدن وعدد من المحافظات المجاورة. غادر الطلاب مقاعد الدراسة للعام الدراسي 2024-2025 في وقت مبكر، دون أن يتمكنوا من إنجاز حتى ربع المنهج المقرر. ويُعد هذا الإضراب امتدادًا لسلسلة احتجاجات سابقة نفذها المعلمون خلال السنوات الماضية.

السبب الرئيس لهذه الإضرابات هو الانخفاض الحاد في قيمة رواتب المعلمين التي تدفع بالريال اليمني بالتزامن مع الانخفاض التاريخي لقيمة الريال أمام العملات الأجنبية [1 دولار = 2550]، مما جعل مرتبات المعلمين بين 30 – 50 دولار شهريًا، أقل بنحو 900% مما كانت عليه قبل عام 2015.

لكن الأزمة لم تتوقف عند المدارس الحكومية، بل امتدت تداعياتها إلى الجامعات في محافظات عدن وأبين ولحج وشبوة، حيث أعلنت نقابات أعضاء هيئة التدريس في يناير الماضي بدء إضراب شامل للمطالبة بتسوية مستحقاتهم المالية والإدارية. وبهذا، دخل قطاع التعليم العام والجامعي في الجنوب جنوب اليمن مرحلة من الجمود الكامل، وسط غياب أي معالجات جذرية من الجهات المعنية.

شمل الإضراب جميع مدارس العاصمة عدن دون استثناء، بينما طُبّق بشكل متقطع في مدارس محافظات لحج وأبين وشبوة وحضرموت، في حين لم يشمل محافظة المهرة بشكل كامل.

الاضراب مستمر حتى تحقيق المطالب

قال عبدالله القميري، رئيس نقابة المعلمين الجنوبيين، لمركز سوث24 إن "الإضراب مستمر حتى تنفذ الحكومة كافة المطالب المشروعة للمعلمين. هذا التحرك ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لجهود مستمرة منذ عام 2013."

وأضاف القميري أن النقابة خاطبت مرارًا وتكرارًا جميع رؤساء الحكومات المتعاقبة، دون أن تلقى أي تجاوب حقيقي، معتبرًا أن هذا التجاهل يعكس رغبة في "تجهيل الأجيال"، على حد وصفه.

وشدد على أن "الإضراب حق مشروع للمعلمين"، مشددًا في الوقت ذاته على أن النقابة ليست تابعة لأي جهة سياسية كما يروّج البعض، بل هي كيان مستقل هدفه الدفاع عن حقوق المعلمين ورفع مستوى التحصيل العلمي.

هذا الخطاب الصارم في الاستقلالية أكده أيضًا المتحدث الرسمي لنقابتي هيئة التدريس والتوظيف في جامعات عدن ولحج وأبين وشبوة، بلعيد صالح، الذي أشار إلى وجود تنسيق مشترك بين نقابته ونقابة المعلمين الجنوبيين، أفضى إلى تشكيل لجنة تصعيد موحدة.

وقال لمركز سوث24: "المعاناة واحدة والمطالب مشترك. نحن نعمل بشكل متكامل على تنظيم الأنشطة والفعاليات التي توحّد الصوت النقابي وتعزز الضغط المؤسسي والإعلامي على الجهات المعنية".

إضراب الجامعات

التحقت الجامعات الحكومية بالمدارس في عملية الاضراب مع إعلان نقابات هيئة التدريس في جامعات عدن، لحج، أبين، وشبوة دخولها في إضراب شامل اعتبارًا من يناير 2025. القرار جاء بعد سنوات من التدهور الاقتصادي الذي نال من مكانة الأستاذ الجامعي، وأفقده القدرة على أداء مهامه التعليمية والبحثية.

بلعيد صالح، المتحدث الرسمي، أكد أن القرار "لم يكن خيارًا سهلًا ولا خطوة عابرة، بل جاء كنتيجة حتمية لمعاناة متفاقمة تجاوزت حدود الاحتمال الإنساني".

وأضاف: "هذا القرار مؤلم ومفروض بعد سنوات من التدهور الاقتصادي والإهمال الحكومي المريب، الذي أدى إلى تآكل الرواتب بشكل صادم، حيث لم يتبقَ من الراتب الفعلي سوى 9%، بينما ذهب 91% منه ضحية انهيار العملة وفقدان قيمتها الشرائية."

هذا الوضع المعيشي المأساوي عبّرت عنه كذلك د. أشجان الفضلي، رئيسة قسم معلم اجتماعيات في كلية التربية بجامعة عدن، التي قالت إن الأستاذ الجامعي لم يعد قادرًا على تلبية احتياجات أسرته أو الاستمرار في عمله كما ينبغي.

وأضافت لمركز سوث24: "كان الأستاذ المساعد في الجامعة يتقاضى قبل الحرب راتبًا يقارب 2000 دولار، أما اليوم فلا يتجاوز راتبه 100 دولار فقط.  هذا التدهور انعكس بشكل مباشر على قدرة الأكاديمي في أداء مهامه العلمية".

وأشارت الفضلي إلى أن الأستاذ الجامعي "لم يعد يمتلك الإمكانيات اللازمة للوصول إلى الكلية بانتظام أو الاستمرار في إجراء ونشر البحوث العلمية، في ظل غياب الدعم المالي المطلوب. لكل أكاديمي التزامات أسرية، ويواجه صعوبات كبيرة في تلبية احتياجات أسرته."

وأضحت أن الأكاديميين يقفون اليوم أمام خيارين كلاهما مر: "الإصرار على المطالبة بحقوقهم، أو القلق من ضياع الفرصة التعليمية على الطلاب، خاصة أولئك في المستويات الأخيرة من الدراسة، والذين قد يتأخر تخرجهم لعام كامل بسبب توقف الدراسة."

ورغم سريان الإضراب في بعض كليات عدن ولحج وأبين، لم تلتزم به كل الكليات بشكل موحّد. فقد استمرت كليات الحقوق والهندسة والاقتصاد في جامعة عدن في الإضراب كلياً، بينما شهدت كليات أخرى التزاماً جزئياً أو عادت إلى العمل، في حين لم تشارك كليات مثل اللغات والصيدلة منذ البداية، بدافع الحاجة المالية ونظرًا لاستفادتها من رسوم عالية بالدولار الأمريكي على طلاب الموازي والنفقة الخاصة، وهو ما أضعف وحدة الضغط النقابي.

وأكد بلعيد صالح أن جامعة لحج كانت الأكثر التزامًا بالإضراب، بينما شهدت جامعة أبين تراجعاً كبيراً، مع خروج أربع كليات عن الإضراب، إضافة إلى عدم تطبيقه في جامعة شبوة. مضيفًا: "كسر الإضراب في بعض كليات العاصمة كان بدافع الحاجة للإيرادات، وقد تم استقطاب المعيدين للتدريس بعد العيد في الكليات التي كسرت الإضراب."

على الطرف الآخر من الأزمة، برز موقف طلابي معارض للإضراب، عبّر عنه رئيس اتحاد طلاب جامعة عدن، يحيى الطبقي، الذي أبدى قلقه من استمرار تعطيل الدراسة.

وقال الطبقي لمركز سوث24: "نتفهم مشروعية مطالب النقابة في ظل التدهور الاقتصادي، لكن الطلاب يدفعون ثمن هذه الإضرابات المتكررة، خاصة أن إضرابين سابقين لا تزال تداعياتهما تؤثر على المسار الأكاديمي."

وأشار الطبقي إلى أن غياب معالجات حقيقية من قبل الجهات الرسمية فاقم من آثار الإضراب: "لا توجد إجراءات تحد من الأضرار، خصوصًا في ما يتعلق بالمستوى التعليمي وتراكم المقررات."

ورغم التوقعات بأن التعليم الجامعي كانت من المفترض أن يستأنف عقب إجازة عيد الفطر [أبريل]، فوجئ الطلاب بتمديد الإضراب دون سقف زمني. ويقول الطبقي إن هذا الواقع جعل جامعة عدن تتحمّل العبء الأكبر، مقارنة بجامعات المحافظات المجاورة.

ووجه الطبقي دعوته: "ندعو مجلس القيادة الرئاسي ومجلس الوزراء إلى سرعة التدخل لإنقاذ ما تبقى من مستقبل الطلاب. كما نطالب النقابة بتعليق الإضراب والبحث عن أدوات نضال بديلة لا تجعل من الطلاب ضحية لصراع ليسوا طرفًا فيه."

حكومة غائبة وحلول مؤجلة

رغم اتساع رقعة الإضراب وتوقف العملية التعليمية على نحو شبه كلي في مناطق الجنوب، لم تنجح الحكومة في احتواء الأزمة أو طرح حلول عملية تضمن الحد الأدنى من الاستقرار للمعلمين والأكاديميين. وتفاوتت التصريحات الرسمية بين التبرير والوعود غير المقرونة بإجراءات ملموسة.

نائب وزير التربية والتعليم، الدكتور علي بن علي العباب، أقر في حديثه لمركز سوث24 بخطورة الوضع القائم، مشيرًا إلى أن الحرب في اليمن تسببت في أزمة تعليمية حادة. ولفت العباب إلى أن توقف تصدير النفط وتدهور الاقتصاد انعكسا سلبًا على التعليم، وأدّيا إلى انقطاع رواتب المعلمين ونقص شديد في موازنات تشغيل القطاع.

وأضاف: "الكتب الدراسية وحدها تتطلب 28 مليار ريال، لكن المتوفر لا يتجاوز 2 مليار فقط."

وفي محاولة لطمأنة المعلمين، كشف الدكتور العباب عن لقاء جمع وزير التربية والتعليم طارق العكبري برئيس الوزراء السابق أحمد بن مبارك وعدد من الوزراء، تم خلاله الاتفاق على عدة إجراءات.

وكشف أن الاتفاق "تضمّن إنشاء صندوق دعم التعليم، وصرف رواتب المعلمين شهريًا، وتسوية المستحقات المالية المتأخرة ابتداءً من يناير 2025 الماضي، والعمل على إصدار الفتاوى اللازمة من قبل وزارة الخدمة المدنية."

لكنه اعترف في الوقت ذاته أن هذه الأوضاع ألقت بظلالها الثقيلة على جودة العملية التعليمية، مؤكدًا أن الوزارة تحاول قدر الإمكان تحسين المخرجات رغم التحديات الهائلة.

من جهته، قال وكيل محافظ عدن لقطاع التعليم، محمد لملس، إن السلطات المحلية وقيادة الوزارة لم تقفا مكتوفتَي الأيدي، بل تواصلتا بشكل مباشر مع نقابة المعلمين وممثليهم، وعبر الإعلام التربوي ومنصات الوزارة الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي.

مضيفًا: "بادرنا بصرف حوافز مالية للمعلمين لتخفيف معاناتهم، وسعينا بالتنسيق مع وزارتي الخدمة المدنية والمالية إلى إطلاق العلاوات السنوية المتأخرة، وإنجاز التسويات، وصرف المستحقات المالية المرتبطة."

وأكد لملس أن السلطة المحلية تقف إلى جانب المطالب المشروعة للمعلمين، لكنه في الوقت نفسه ناشدهم مراعاة حق الطلاب في التعليم، باعتبارهم مستقبل البلاد.

وقال: "ندعو المعلمين إلى مراعاة حق التلاميذ والطلاب في تلقي العلم والمعرفة تحت أي ظرف. كما نحث أولياء الأمور على دفع أبنائهم للالتحاق بالمدارس، ودعم العملية التعليمية من خلال المشاركة الفاعلة في مجالس الآباء والأمهات."

لكن النقابات التدريسية لم تعد تثق بهذه الوعود والرسائل من السلطات. رئيس نقابة المعلمين الجنوبيين، عبدالله القميري، قال إن "هذه الحلول الترقيعية التي يتحدث عنها المسؤولون لا تُغني ولا تُسمن من جوع. هي مرفوضة ما لم تتضمن كافة المطالب التي وضعتها النقابة."

ورأى المتحدث الرسمي باسم نقابة الجامعات، بلعيد صالح، أن غياب التفاعل الحكومي يعبّر عن موقف غير مبالٍ، إن لم يكن مريبًا. "هذا الصمت يوحي بوجود توجه غير معلن لتدمير التعليم وإقصاء المعلم والأكاديمي من أي مستقبل تنموي أو حضاري."

وفي ظل هذا الجمود، قررت السلطات التعليمية، رغم الإضراب، المضي قدمًا في تنفيذ الامتحانات الوزارية الانتقالية. ففي الرابع من مايو، توجه الطلاب والطالبات في العاصمة عدن وباقي المحافظات لأداء الامتحانات رغم أن أغلبهم لم يستكمل المنهج الدراسي المقرر.

وفي تصريح لمركز سوث24 قالت بسمة محمد، مديرة المدرسة النموذجية للبنات في مديرية المنصورة: "استُؤنفت العملية التعليمية في مارس، وتمكن المعلمون والمعلمات في المرحلة الأخيرة من الثانوية العامة من استكمال منهج الفصل الدراسي الأول، بالإضافة إلى نحو 10% فقط من منهج الفصل الثاني."

ماهي الحلول؟

أكد وكيل قطاع التعليم بعدن، د. محمد لملس، أن معالجة الفاقد التعليمي تُعد أحد التحديات الكبرى التي تواجه وزارة التر بية والتعليم حاليًا. مضيفًا: "الوزارة تسعى إلى تعويض الطلاب عن الوحدات الدراسية التي لم يتمكنوا من دراستها، وذلك بربطها بالمناهج الدراسية للعام الدراسي القادم."

كما دعا الحكومة إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه قطاع التعليم، مشددًا على ضرورة منح المعلم امتيازات تضمن له حياة كريمة. 

وتابع: "نطالب بوضع هيكل خاص للأجور والمرتبات يضمن للمعلم حياة كريمة تؤهله للعطاء بصدق وأمانة، مع ضمان صرف الرواتب بشكل منتظم، وفتح باب التعيينات الجديدة سنويًا، إضافة إلى منحه امتيازات خاصة تشمل الضمان الصحي وتحسين أوضاعه الاجتماعية والمهنية."

من جانبه، قال د. العباب إن وزارة التربية والتعليم، رغم ضعف إمكانياتها المالية، تواصل السعي لتنفيذ خططها من خلال التعاون مع الجهات الدولية.

"نحاول جاهدين تنفيذ خططنا بالتعاون مع المنظمات الدولية مثل اليونيسيف، واليونسكو، والبنك الدولي، ومجموعة الشراكة العالمية، وغيرها، لتنفيذ مشاريع تتعلق ببناء المدارس، وتوفير الحوافز، وتدريب الكوادر التعليمية، وإنشاء أنظمة معلوماتية حديثة."

لكنه أكد أن تنفيذ هذه الاستراتيجية يتطلب دعمًا ماليًا كبيرًا واعتماد موازنات خاصة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

وسط هذا الواقع المعقد، تبدو العملية التعليمية في جنوب اليمن على مفترق طرق خطير. فالمدارس والجامعات التي كانت تمثل بارقة أمل لجيل يتوق إلى التغيير، أصبحت اليوم عنوانًا لأزمة مزمنة، تطحن فيها المطالب المشروعة للمعلمين، وتتقاطع مع عجز حكومي واضح، فيما يدفع الطلاب الثمن الأكبر من مستقبلهم.

ريم الفضلي

صحفية بمركز سوث24 للأخبار والدراسات


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

الكشف عن بُشرى سارة يستعد رئيس الوزراء لإعلانها وتسببت بتأخر عودته إلى اليمن

وطن نيوز | 577 قراءة 

الكشف عن المسؤول الذي اتخذ قرار بفتح طريق الضالع صنعاء عقب اغلاق لسنوات

كريتر سكاي | 515 قراءة 

بعد الاتفاق الأمريكي معهم...دولة عظمى تتوعد الحوثيين وسفينة حربية تقترب من باب المندب..."تفاصيل"

جهينة يمن | 391 قراءة 

إسرائيل توجه إنذارا أخيرا قبل الضربات العنيفة.. تفاصيل

جهينة يمن | 386 قراءة 

قرار للمليشيا يستهدف جميع المواطنين (اعلان)

جهينة يمن | 360 قراءة 

رئيس الحكومة اليمنية يحدد شرطًا للعودة إلى عدن.. ماذا وراء القرار؟

المرصد برس | 349 قراءة 

قمة بغداد تنتصر للجنوب ضد وحدة اليمن

اليوم السابع اليمني | 346 قراءة 

أخيرا...الكشف عن حل جذريا لازمة اليمن

جهينة يمن | 338 قراءة 

العمالقة يتقدمون نحو الحسم.. مسير عسكري يختبر الصمود ويكشف الجاهزية القتالية

المرصد برس | 294 قراءة 

الحو ثيون يعلنون عن عمليات عسكرية وشيكة خلال ساعات

جهينة يمن | 266 قراءة