الجنوب ڤويس |
تقريرخاص
في وقتٍ تشتد فيه التهديدات الإقليمية وتتسارع التحولات في ساحة البحر الأحمر، وبينما يقف الجنوب غارقًا في أزماته الأمنية والخدمية، تفتح عدن أبوابها من جديد لوفود أجنبية باسم “الدعم الأمني” و”مكافحة الجريمة”.
زيارةٌ دولية لوفد الإنتربول، تبدو في ظاهرها تدريبًا وتقييمًا، لكنها في عمقها تحمل تساؤلات ملحّة حول التوقيت، والأهداف الخفية، والجهات التي تصوغ سيناريوهات المرحلة القادمة.
فهل باتت عدن ميدانًا لتصفية الحسابات الدولية، وممرًا استخباراتيًا في ظل صراع النفوذ بين صنعاء وتل أبيب؟
في هذا التقرير، نسلّط الضوء على الزيارة، ونفكك رموزها وسط دخان الموانئ وأصوات السفن والخيبة.
الإنتربول في عدن: هل هو دعم أمني أم رصد استخباراتي؟
وصل وفد منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) إلى العاصمة المؤقتة عدن، في زيارة رسمية تحمل على سطحها عناوين “تعزيز التعاون الأمني” و”دعم برنامج الأمن البحري”، بينما في العمق تتعالى الشكوك حول دوافعها وتوقيتها المريب، خصوصًا في ظل تصاعد العمليات العسكرية والتهديدات البحرية من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) في البحر الأحمر، وتنامي التوتر بين صنعاء وتل أبيب.
الوفد الذي ضم ضباطًا من جنسيات مختلفة، استُقبل في مطار عدن بترحاب رسمي، وعُقدت له أجندة متكاملة تشمل لقاءات رفيعة المستوى ودورات تدريبية تستهدف أمن الموانئ والمنافذ.
خطوة اعتبرها مراقبون بمثابة “إعادة تدوير للنفوذ الدولي” في عدن، ضمن ترتيبات لا تخلو من البعد الاستخباراتي، خاصة مع تنامي دور الأجهزة الغربية في إعادة تشكيل خريطة النفوذ البحري.
البحر الأحمر تحت المجهر.. وعدن بوابة الدخول
لا يمكن فصل هذه الزيارة عن سياق التصعيد في البحر الأحمر، حيث فرضت جماعة أنصار الله سيطرة شبه كاملة على الممرات المائية الحيوية، وأطلقت تهديدات متكررة باستهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، ما أدى إلى ارتفاع كلفة التأمين البحري.
اللافت أن زيارة الإنتربول تزامنت مع تحركات بريطانية موازية، بينها زيارة السفيرة البريطانية “عبدة شريف” إلى عدن، ما يعكس تقاطعات بريطانية-أوروبية تسعى لرصد الوضع الأمني من الأرض، في محاولة لبناء تفاهمات مع قوى الأمر الواقع في الجنوب.
التدريب الأمني.. أم تهيئة ميدان للمراقبة؟
رغم الخطاب الرسمي حول “رفع الكفاءة” و”مكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات”، إلا أن توقيت الزيارة، وارتباطها بجهات كمنظمة الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، والمنظمة البحرية الدولية، يفتح الباب أمام فرضيات تتجاوز الدعم اللوجستي، لتصل حد التهيئة لتواجد استخباراتي دائم في عدن تحت غطاء أمني.
البرنامج الذي تنفذه المنظمة يتقاطع مع مشاريع التمويل الأوروبي لرقابة الموانئ وخطوط الملاحة في مناطق النزاع، ما يضع هذه التحركات في خانة “الوصاية الأمنية”، لا الدعم المؤسسي.
بين غياب الدولة وتآكل السيادة
يطرح هذا الواقع سؤالًا جوهريًا: من يدير الملف الأمني البحري في عدن؟ وهل ما تزال هناك سيادة فعلية تُمكن السلطات المحلية من رسم حدود للتدخل الخارجي، أم أن المدينة أصبحت ساحة مفتوحة للقوى الدولية تبحث فيها كل جهة عن موطئ قدم؟
الجنوب بين فكيّ الخطر – الداخل المتآكل والخارج المتربص
في ظل انفلات القرار الأمني وغياب الدولة واحتكار الخدمات من قبل أطراف فاشلة، تبقى الوفود الدولية مجرد مظاهر تجميلية تخفي خلفها خرائط تقاسم النفوذ والموارد.
والجنوب، وهو يترنح بين سلطة عاجزة وتحالف لا يعنيه إلا موقع عدن الجغرافي، يجد نفسه اليوم مجرد رقم في معادلة كبرى، لا أحد يسأل فيها عن معاناة الناس، ولا عن السيادة المنهوبة.
ويبقى السؤال الأهم: متى تتحول عدن من مدينة تراقَب، إلى مدينة ترقُب مصيرها بيدها؟
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news