منذ اندلاع الحرب في اليمن في مارس/آذار 2015، تكبّد الاقتصاد اليمني خسائر فادحة أثّرت على جميع القطاعات الحيوية في البلاد، وألقت بظلالها على الحياة اليومية لملايين السكان.
وبعد مرور عشر سنوات، لا تزال الخسائر تتعمّق في اليمن، وسط غياب أفق حقيقي لحل شامل بين طرفي الصراع.
وفيما يلي أبرز الخسائر التي شهدها اليمن منذ 2015 في عدد من القطاعات الاقتصادية والحيوية، وفقاً لإحصائيات محلية ودولية.
*خسائر الناتج القومي*
في 25 نوفمبر 2021، أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن اليمن خسر نحو 126 مليار دولار خلال سنوات الحرب، مشيراً إلى أن البلاد أصبحت من بين أفقر دول العالم، وأن 15.6 مليون يمني يعانون من الفقر المدقع.
ووفق تقرير صادر عن المركز العربي للأبحاث، بلغت خسارة الاقتصاد اليمني من الناتج المحلي الإجمالي ما بين 170 إلى 200 مليار دولار خلال الفترة من 2015 إلى 2022.
وأفاد البنك الدولي في تقريره الصادر في يونيو 2024 بأن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في اليمن انخفض بنسبة 54% مقارنة بما كان عليه قبل الحرب، وهو ما انعكس على اتساع رقعة الفقر وتقلص فرص العمل.
وفي 26 فبراير 2025، أعلنت الحكومة اليمنية أن البلاد خسرت نحو 250 مليار دولار من دخلها القومي، أي أكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي.
وقال وزير التخطيط والتعاون الدولي، الدكتور واعد باذيب، خلال منتدى الرياض الإنساني الدولي الرابع، إن الحرب تسببت في خسائر تجاوزت 250 مليار دولار، وسط أزمة اقتصادية حادة، تجلّت في ارتفاع التضخم إلى 183%، وتفاقم البطالة إلى 80%.
وأكد باذيب على أهمية تعزيز التنسيق بين الحكومة والشركاء الدوليين لتوجيه المساعدات نحو أولويات التنمية والاستقرار الاقتصادي.
*خسائر قطاع النفط والغاز*
في أكتوبر 2022، توقفت صادرات النفط الخام نتيجة هجمات الحوثيين على موانئ التصدير في شبوة وحضرموت.
ورغم أن اليمن ليس من كبار المنتجين، إلا أن عائدات النفط كانت تمثل نحو 70% من موازنة الدولة، ما جعل توقف التصدير ضربة قاسية للاقتصاد.
وفي 25 أكتوبر 2024، أعلن محافظ البنك المركزي، أحمد غالب المعبقي، أن اليمن خسر أكثر من 6 مليارات دولار من موارده الذاتية نتيجة لتوقف صادرات النفط والغاز، بسبب هجمات مليشيا الحوثي على مرافئ وناقلات النفط في البلاد، تبعها استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر".
وأضاف المعبقي أن:" هذه الظروف أدت إلى زيادة معاناة الشعب وتدهور متسارع في الأوضاع وانعدام الأمن الغذائي، وانعدام القدرة على توفير الخدمات الأساسية، وزيادة معدلات الفقر لتتجاوز أكثر من 80 بالمئة".
وفي مارس 2025، كشف تقرير أممي أن الحكومة اليمنية خسرت 6 مليارات دولار جراء الهجمات على منشآت النفط منذ أكتوبر 2022.
*خسائر القطاع السمكي*
قبل الحرب، كانت صادرات الأسماك تمثل ثاني أكبر مصدر دخل للبلاد بعد النفط والغاز، بنسبة 15% من إجمالي الصادرات.
ورغم أن المخزون السمكي يُقدّر بـ850 ألف طن، إلا أن الإنتاج الفعلي كان حوالي 290 ألف طن فقط، وقد انخفض بنسبة تزيد عن 65% جراء استمرار الحرب.
كما قلّصت الحرب والقيود الأمنية على السواحل النشاط السمكي بشكل حاد.
وفي 9 يناير 2023، كشفت هيئة المصائد السمكية التابعة للحوثيين أن خسائر القطاع في البحر الأحمر تجاوزت 12.6 مليار دولار، شملت تدمير البنية التحتية، القوارب، وتضرر المخزون السمكي جراء الصيد الأجنبي غير المشروع.
ومؤخراً، توقفت الصادرات إلى عدة دول، وتراجع الإنتاج المحلي بسبب صعوبة الوصول إلى مناطق الاصطياد، وتدمير موانئ ومصانع التعليب.
*خسائر القطاع الزراعي*
في مارس 2021، أعلنت وزارة الزراعة التابعة للحوثيين أن خسائر القطاع الزراعي تجاوزت 111 مليار دولار، شملت تدمير مبانٍ ومنشآت وسدود وخزانات ومخازن.
وقال الوزير عبد الملك الثور إن أكثر من 56% من العاملين في الزراعة تأثروا سلباً، وإن تداعيات الحرب ستستمر لسنوات قادمة.
وأشار تقرير لبرنامج الغذاء العالمي في سبتمبر 2023 إلى أن الإنتاج الزراعي انخفض بنسبة تفوق 38% بسبب نقص الوقود، وصعوبة النقل، والنزوح القسري للمزارعين.
كما دُمّرت مساحات واسعة من الأراضي أو زُرعت بالألغام، خصوصاً في الحديدة وتعز ومأرب، ما جعل الوصول إليها محفوفاً بالمخاطر.
وفي سبتمبر 2024، قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن القطاع الزراعي يوظف شريحة واسعة من السكان، لكنه تأثر بشدة بالصراع وتغير المناخ، مشيراً إلى أن اليمن يستورد نحو 85% من غذائه، بما في ذلك 90٪ من القمح.
*خسائر الريال اليمني*
منذ بداية الحرب، تدهور سعر صرف الريال اليمني من 215 ريالاً للدولار في مارس 2015 إلى ما يقارب 2600 ريال حالياً في مناطق الحكومة الشرعية.
بعد نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، في 2016م وتلقي أول دفعة من العملة المطبوعة في روسيا، وصل سعر الدولار إلى 370 ريالاً.
وفي ديسمبر 2019، منعت جماعة الحوثي تداول الطبعة الجديدة في مناطق سيطرتها، ما خلق فجوة بين الطبعتين وأدى إلى تداعيات اقتصادية صعبة.
وبلغ في سبتمبر 2020، سعر الدولار 837 ريالاً في مناطق الحكومة الشرعية، و599 ريالاً في مناطق الحوثيين.
وفي مارس 2025، قال برنامج الغذاء العالمي إن الريال اليمني في مناطق الحكومة الشرعية وصل إلى أدنى مستوى له عند 2187 ريالاً للدولار، وخسر ما يقارب نصف قيمته منذ حظر صادرات النفط في أكتوبر 2022.
وفي منتصف فبراير الماضي، قال الدكتور واعد باذيب إن الريال اليمني خسر نحو 700% من قيمته بسبب الحرب.
ويوم الخميس 8 مايو 2025، بلغ سعر الدولار في مناطق الحكومة الشرعية 2556 ريالاً بالطبعة الجديدة، وفي مناطق الحوثيين 537 ريالاً بالطبعة القديمة.
*خسائر الضربات الإسرائيلية والأمريكية
*
منذ نوفمبر 2023، بدأت جماعة الحوثي تنفذ هجمات ضد السفن المرتبطة بإسرائيل بسبب حرب الأخيرة على غزة، وتوسعت لاحقا لتشمل السفن الأمريكية والبريطانية، وأثرت على حركة الملاحة من الموانئ اليمنية.
بالمقابل شنت أمريكا وبريطانيا وإسرائيل ضربات عسكرية على اليمن، واستهدفت مواقع للحوثيين، ومنشآت اقتصادية حيوية، تحت إطار إيقاف الحوثيين وتأمين الملاحة الدولية.
وفي 22 ديسمبر 2024، أعلنت جماعة الحوثي أن الغارات الإسرائيلية على الحديدة، منذ يوليو وحتى ديسمبر، تسببت في خسائر تقدّر بـ313 مليون دولار، وفقاً لوزير النقل محمد قحيم.
وخلال الأيام الماضية، قصفت إسرائيل بالتنسيق مع أميركا منشآت حيوية، بينها ميناء الحديدة، ومصنعا أسمنت في باجل وعمران، ومحطات كهرباء في حزيز وذهبان، بالإضافة إلى مطار صنعاء، ردا على استهداف جماعة الحوثي لمطار بن غوريون التابع لإسرائيل.
وأعلن مدير مطار صنعاء الدولي خالد الشايف أن خسائر القصف الإسرائيلي على المطار تقدّر بنحو 500 مليون دولار.
فيما لم تُعلن الجماعة عن حجم الخسائر الإجمالية التي لحقت بالمنشآت الاقتصادي الواقعة تحت سيطرتها جراء هذه الهجمات.
*رؤية خبير اقتصادي*
يقول الباحث والمحلل الاقتصادي وحيد الفودعي: "خسر الاقتصاد اليمني خلال عقد من الحرب والانقسام ما يمكن اعتباره أساس بقاء الدولة اقتصادياً".
وأضاف في حديثه لـ"المهرية نت" أن: "العملة انهارت بأكثر من 1000%، خصوصاً في مناطق الحكومة الشرعية، وتوقفت صادرات النفط والغاز التي كانت تشكل 70% من الإيرادات العامة بعد هجمات الحوثيين على موانئ وحقول النفط".
وتابع "تراجع الناتج المحلي بنسبة تتجاوز 50%، بحسب آخر دراسة أعددتها لمتطلبات رسالتي في الماجستير".
وأردف "فقدت المؤسسات المالية فعاليتها، وانكمش الاستثمار، وتدهورت البنية التحتية، وارتفعت معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة".
وواصل " كما انهار القطاع الصحي والتعليمي والزراعي، وأصبح أكثر من 80% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة".
وعن الضربات الأمريكية الإسرائيلية على مناطق سيطرة الحوثيين على المنشآت الاقتصادية يقول الفودعي:" حاليا لا توجد تقارير دقيقة حول ذلك، وهناك تكتم شديد من قبل الجماعة منذ بداية الضربات".
الحلول والتوقعات
وشدد الفودعي على ضرورة وقف الحرب وتوحيد المؤسسات الاقتصادية، وعلى رأسها البنك المركزي، ووضع خطة استراتيجية عاجلة لاستعادة تصدير النفط والغاز وتوجيه الإيرادات إلى الموازنة العامة بشفافية.
وأكد على أهمية الإصلاحات الهيكلية في المالية العامة، وضبط الإنفاق، ووقف الفساد، وتنشيط الاستثمار المحلي والخارجي، إلى جانب إطلاق برامج تعافٍ اقتصادي ترتكز على الإنتاج لا الإعانات.
وحول التوقعات، يفترض الفودعي سيناريوهين:
الأول، أنه بدون وجود حلول سياسية جذرية الاقتصاد سيظل في حالة تدهور مستمر.
والثاني، في حال حدوث تسوية سياسية شاملة وتوحيد المؤسسات، فإن اليمن قادر على استعادة عافيته تدريجياً خلال 5 إلى 10 سنوات، خاصة إذا استُغلت موارده الطبيعية وتم تحفيز القطاع الخاص ضمن رؤية اقتصادية وطنية واضحة.
واختتم الفودعي حديثه قائلاً:" من يعجز عن حماية صادرات النفط التي كانت تمثل 70% من الموازنة وهي تحت سيطرته، لن يكون قادرًا على تحرير شبرٍ واحد واقع تحت سيطرة الحوثيين".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news