"منفى بلا أمان".. اليمنيون في الخارج بين التجاهل والانتهاك
قبل 3 دقيقة
في الوقت الذي كان يُفترض فيه أن تكون الهجرة أو اللجوء أو المنفى ممرًا نحو الأمان، ووجهة أخيرة لمن ضاقت بهم السبل مع ويلات الحرب وانعدام الفرص أمام الشباب الطموح، تحوّلت بالنسبة لليمنيين إلى فصل جديد من المعاناة الشديدة والموجعة. فصلٌ يحمل ملامح الظلم والخذلان، ويكشف وجهًا آخرًا أشدّ ألمًا، حتى بات الخارج امتدادًا لجراح الداخل، وربما أشدّ قسوة ومرارة.
لم تعد القصص المؤلمة حالات فردية معزولة، بل أصبحت مشهدًا متكررًا يدمينا مع كل نبضة قهر تقتلنا من الوريد إلى الوريد.
فكل أسبوع تحمل الأخبار نبأً موجعًا: يمني قُتل غدرًا في ولاية ما، أو مات غرقًا أو متجمّدًا في رحلة اجتياز الحدود، وآخر اختفى فجأة في مدينة أوروبية وهو في طريقه لتقديم طلب لجوء. لا أسماء تُذكر، ولا تحقيقات تُنجز، وكأن دمه لا يعني شيئًا لمدّعي الحقوق والحريات.
في أوروبا، حيث حلم آلاف اليمنيين بحياة هادئة، وجدوا أنفسهم في دوامة البيروقراطية والتمييز والعنصرية. نساء هربن من الجحيم ليواجهن قسوة الحياة بلا حماية، وشباب يفترشون الأرصفة لأن المخيمات ضاقت بهم أو لأن القوانين شددت الخناق، ولم تعد تعترف حتى بحقهم في النجاة كلاجئين من بطش الحروب.
تُروى القصص فتدمع لها العين وينزف لها الفؤاد المكلوم.
شاب يمني قُتل في ظروف غامضة في تركيا، وآخر تم ترحيله من دولة عربية رغم إقامته القانونية، وثالث في السويد فُقد أثره منذ شهور، وأبٌ أُصيب بجلطة حينما بلغه نبأ وفاة ابنه الذي مات متجمّدًا وهو في طريقه إلى السويد. كل تلك المآسي يقابلها صمت دولي وتجاهل رسمي، وكأن لا أحد يعنيه أمر هذا الإنسان اليمني، الذي خرج من وطنه هربًا من الحرب فوجد في الغربة حربًا أخرى، أشرس وأقبح وأبرد.
حتى الطلاب اليمنيون في دول الابتعاث يعيشون مأساة حقيقية. لا تنتهي عند تأخُّر مستحقاتهم المالية لأشهر، وربما لسنوات، بل تمتد إلى صمت مطبق من قبل الملحقيات الثقافية والسفارات التي يُفترض أن تكون سندًا لهم، لكنها تحوّلت إلى عبء إضافي، تكتفي بالمراسلات الباردة أو التجاهل التام، وكأن مناشداتهم لا تتجاوز جدران البريد الإلكتروني أو الاحتجاجات التي لا تُسمع.
لكن ما يعانيه الطلاب ليس سوى وجه واحد من وجوه المعاناة. صورة مؤلمة تعكس واقع شعب تشتّت في أصقاع الأرض بحثًا عن الحياة، فإذا به يواجه الموت المعنوي والانكسارات المتوالية.
في المطارات والموانئ، في الشوارع والمخيمات، يُعامل اليمني كأنه عبء ثقيل. يُفتَّش بمهانة، يُسجن بشبهة، يُهان بصمت، وكأن انتماءه الجغرافي أو انحداره من بلدٍ ممزق كافٍ لجعله هدفًا مباحًا.
إنها مأساة أمة بأكملها، منزوعة الحماية، مشطوبة من قوائم الكرامة.
لا يشفع لليمني دينه المشترك مع بعض الدول، ولا عروبته، ولا لغته. يُعامل في كثير من البلدان العربية والإسلامية كأنه غريب الدار، دخيل اللحظة، عابر لا يُستحق أن يُنصت لشكواه.
ما يحدث لليمنيين في أصقاع الأرض من انتهاكات وعذابات لا حصر لها، جعلهم كالناجين من رمضاء وطنهم إلى نار الغربة وجحيمها.
يتحمل المسؤولية أولًا الحوثي، الذي دمّر وقتل وشرد وجعل اليمنيين وقودًا لحربه.
كما تتحمل الشرعية نصيبًا كبيرًا من التقصير، إذ لم تقم بواجبها في حماية مواطنيها أو الدفاع عن حقوقهم المسلوبة، وتركتهم عرضة للمهانة والذل وفقدان الكرامة.
وفي ظل هذا السواد، تبقى الأسئلة معلقة:
من يحمي اليمنيين في المنافي؟
من يدافع عن حقهم في العيش بكرامة؟
من يداوي هذا الوجع الممتد من صنعاء حتى برلين، ومن عدن حتى واشنطن؟
الجميع يتحمّل المسؤولية دون استثناء: من امتلك القرار، أو ضيّعه، أو سلبه.
هي دعوة أخيرة لكل ضمير حي:
لا تتركوا اليمنيين وحدهم في هذا العالم القاسي.
يكفي حربًا، يكفي تشردًا، يكفي ضياع الدولة وهيبتها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news