في ظل احتدام التوترات الإقليمية، بات البحر الأحمر ومضيق باب المندب في قلب صراع استراتيجي تتقاطع فيه مصالح الأمن البحري العالمي مع حسابات النفوذ الإقليمي. ومع تكرار هجمات الحوثيين – المدعومين من إيران – على سفن تجارية وعسكرية، تزداد الضغوط على واشنطن لاتخاذ موقف حاسم، بحسب تقرير حديث لمعهد واشنطن أعده العقيد جيمس إي. شيبرد.
تهديد متصاعد ومتعدد الأبعاد
منذ مارس 2023، نفّذ الحوثيون سلسلة هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على السفن، ما تسبب بإرباك في حركة التجارة العالمية عبر ممر تمر به بضائع تفوق قيمتها التريليون دولار سنويًا.
هذه الهجمات، التي تنفذ بدعم وتدريب مباشر من إيران، تستهدف ليس فقط التجارة، بل أيضًا القدرات اللوجستية العسكرية الأمريكية التي تعتمد بشكل كبير على النقل البحري.
استجابة مطلوبة تتجاوز الضربات الجوية
يرى العقيد جيمس إي. شيبرد أن الرد الأمريكي يجب أن يتجاوز الضربات الجوية، ليشمل دعم قوات يمنية موالية للحكومة، وتفعيل شراكات قوية مع السعودية والإمارات، إلى جانب تعزيز المجلس الرئاسي اليمني المعترف به دوليًا مشددا على ضرورة الضغط على إيران ضمن مفاوضات الملف النووي لوقف دعمها للحوثيين.
خيارات الرد: من التعاون الأمني إلى الطرق البديلة
يطرح التقرير حلولًا متعددة التي دعا لها معهد واشنطن من أجل الحفاظ على الوصول اللوجستي إلى المنطقة، يجب على واشنطن وشركائها العسكريين اتباع نهج مزدوج يركز على أولاً، تلبية الاحتياجات الفورية من خلال الحلول العاجلة والضغط على الحوثيين، وثانياً، البحث عن حلول طويلة الأمد عبر استراتيجية قابلة للتطبيق لتحييد التهديد. وفيما يلي التوصيات التي تلبي كلا الاحتياجين:
مواصلة الضغط : يجب جعل الحوثيين غير قادرين أو غير راغبين في تهديد الملاحة. ويستلزم ذلك تصعيد الحملة الحالية بما يتجاوز الضربات الجوية الأمريكية. ومن الضروري وجود تهديد موثوق من قبل القوات البرية اليمنية، بالتنسيق مع شركاء موثوقين مثل السعوديين أو الإماراتيين. وينبغي دعم مجلس القيادة الرئاسي، وهو كيان حكومي معترف به دولياً من قبل الأمم المتحدة، لاستغلال الفرصة التي أوجدتها الضربات الجوية الأمريكية.
تحويل التركيز نحو المنبع: يجب على إدارة ترامب السعي لردع إيران، الداعم الرئيسي للحوثيين، من خلال عرض تعزيز قدرات القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة مؤخراً.
ويمثل النشر الأمامي لقاذفات “بي- 2” ودخول حاملة طائرات أخرى تهديداً كبيراً لكلا الخصمين – وهو تهديد يجب تسليط الضوء عليه في المفاوضات النووية الحالية مع طهران.
فعلى سبيل المثال، يمكن للمسؤولين الأمريكيين مطالبة إيران بوقف جميع أشكال الدعم العسكري للحوثيين كأحد الشروط المسبقة للحصول على تخفيف العقوبات.
توسيع التعاون الأمني: يجب على واشنطن تسريع الجهود الدبلوماسية لحشد تحالف من الدول المستعدة للاستفادة من تأمين البحر الأحمر،. وتُعد قوة “أسبيدس” البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي -على الرغم من نقص الموارد – نقطة انطلاق جيدة لتمكين تقاسم الأعباء الدفاعية مع القوات الأمريكية.
استكشاف طرق بديلة: في حين أن تأمين البحر الأحمر وباب المندب يجب أن يبقى الهدف الرئيسي للولايات المتحدة، يجب على الإدارة الأمريكية أيضاً تسريع الجهود الرامية إلى تعزيز المرونة في الخدمات اللوجستية في ساحة العمليات وتطوير بدائل برية سريعة وفعالة من حيث التكلفة مثل “خط إمداد إقليمي”
عقبات ميدانية وفرص للتحسين
على الرغم من توفر بدائل واعدة، فإن مشاكل مثل ضعف التنسيق الجمركي، وعقبات التعاقد والتكامل اللوجستي، لا تزال تعرقل تفعيلها الكامل. ويؤكد التقرير أن تطوير هذه البدائل يتطلب استثمارًا سياسيًا وميدانيًا لتأمين خطوط الإمداد خلال الأزمات.
واختتم التقرير بخلاصة أن البحر الأحمر ليس مجرد ممر مائي فلم يعد البحر الأحمر مجرد طريق للتجارة، بل أصبح ساحة استراتيجية تُختبر فيها قدرة أمريكا على الحفاظ على نفوذها وردع خصومها.
ومع تزايد تهديدات الحوثيين، فإن تجاهل تنويع قنوات الإمداد وتفعيل الردع الفعّال قد يضعف قدرة واشنطن على التحرك السريع في مناطق النزاع، ويترك الأمن البحري في مهب الخطر.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news