المقاومة الوطنية في ذكراها السابعة: من رصاصة المعركة إلى لبنة الدولة

     
البلاد الآن             عدد المشاهدات : 73 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
المقاومة الوطنية في ذكراها السابعة: من رصاصة المعركة إلى لبنة الدولة

د. محمد الحميدي

سبعُ سنواتٍ انقضت، وأنا أتأمل كيف تحولت رصاصات الاشتباكات في الساحل الغربي إلى أدوات بناءٍ لا ينهض إلا فوق أنقاض الحروب. لم تكن هذه الحرب مجرد صراع على الجغرافيا، بل امتحانًا صارخًا لروح وطنية رفضت أن تُهزم، لتُعيد تعريف السيادة، أنها ليست حكمًا قسريًا على رقعة من الأرض، بل قدرة على استنبات الأمل وسط الخراب، وتحويل البندقية من أداة قتل إلى رافعة حياة.

استراحة في قلب العاصفة، لحظة تأمل ولادة جديدة، لا هروب من المعركة، فالإنسان وُلد حرًا، ولكنه مكبل بقيوده، كانت تلك اللحظة فرصة لكسر قيد الهزيمة، وصوغ فكرة أسمى، بأن الجمهورية لا تُؤخذ مرتين، بل تُستعاد حين يُغمد السيف ويشحذ الوعي.

حين احتضنت الرمال أطراف صنعاء، شعرت بتمزق العقد الاجتماعي الذي به ولدت الجمهورية. لم يكن خروج العميد طارق محمد عبدالله صالح إلى الساحل الغربي انسحابًا، بل لحظة تأمل في معنى المعركة. هناك، في الخوخة، انبثقت المقاومة الوطنية لا كفصيل عسكري فقط، بل كفكرة جمهورية تستعيد شرف العاصمة المختطفة وتواجه المشروع الإيراني في قلب وكل اليمن.

ولدت المقاومة الوطنية من جراح ديسمبر، لكنها لم تسكن الحزن، بل صاغت من الألم مشروعًا يتجاوز الردود اللحظية نحو تأسيس وعيٍ جديد، يؤمن أن الكرامة لا تُستعاد بالنحيب، بل بصناعة مستقبل يُعيد المعنى للدولة والناس.

في كل بندقية موجهة نحو الإنقلاب القبيح وعيٌ جمهوري، وفي كل رصاصة فكرةٌ خلفها الوطن. لم يكن إطلاق النار على الحوثي مجرد رد عسكري، إنما إعلان عن عودة الدولة من هشيمها، وعن يقظةٍ ترفض تشييع وتشيُع الجمهورية.

لم تكن المعركة في الجبهات فحسب، بل في عمق الوعي؛ ضد مشروعٍ يستهدف الهوية بالتشظي، والإنسان بالاستلاب، والتاريخ بالتحوير. لم تولد المقاومة الوطنية من رحم الهزيمة، بل كانت انبعاثًا للدولة من ركام الارتباك. من ملحمة ديسمبر، خرج مشروع لا يحمل ثأرًا، بل يبني معنى، لا يستنسخ الماضي، إنما يبتكر الغد وأحلامه التي لا تنتهي.

في مشروع حراس الجمهورية، حضرت الدولة فكرة تنهض من الميدان: مؤسسات تُستعاد، ومدارس تُفتح، وثقة تُنسج مع الناس. لم تكن المعركة لتصفية الحسابات، إنما لتهذيب الصراع وتحويل التضحيات إلى طاقة خلّاقة ومسار يتجاوز الثأر نحو البناء.

لقد بدأ لي أن المكتب السياسي للمقاومة يعمل كجسرٍ صامت بين السياسة والمجتمع. لم أسمع عندهم صخب البيروقراطية، بل لمستُ منهجية ترتكز على التفاعل الصادق مع الناس. وبينما انشغل آخرون بالخطابات والشعارات، اختارت المقاومة أن تُعيد بناء الجسور لا أن تحرقها، أن تُضيء الطرقات لا أن تكتفي بإصدار البيانات. هذا الصمت المفعم بالفعل، يقول للمواطن: نحن هنا، نشاركك الأرض والنبض والمصير والتحرير .

ومنذ اللحظة الأولى، لم تكن إستعادة صنعاء مجرد هدف عسكري فقط، اُسميه استعادةٌ لمفهوم الدولة، دولةٍ بمؤسساتٍ تحمي، لا ميليشيا تسلب، بعقد اجتماعي، لا ولايةٍ مذهبية. لقد جسّدت المقاومة الوطنية قُدسية هذه المعركة، فترجمتها إلى عمل يومي عميق في خدمة الناس، في إعادة فتح المدارس وتأهيل المستشفيات، وإحياء المؤسسات المحلية. ليست تلك مشاريع إغاثة وهبة، هيّ إعلان ضمني أن تحرير الإنسان هو جوهر السيادة، وأن العمران بداية الجمهورية لا نهايتها.

أما عسكريًا، فقد أسرتني عقيدة “حراس الجمهورية” تلك التي جمعت بين الانضباط والإنسانية، وبين الشجاعة والمبدأ. لم يكن المقاتل هناك مجرد فرد يحمل السلاح، بل حاملًا لفكرة الدولة الحديثة، جمهورية الناس، لا طغيان النفس العنصري. الجندي الذي يحرس تراب تهامة، هو ذاته من يفتح الطريق لعودة العاصمة، لا باعتبارها مركزًا سياسيًا، بل رمزًا لاستعادة الكرامة اليمنية من براثن الانقلاب والهيمنة الفارسية.

التقيت العميد طارق صالح قبل وبعد مشاورات الرياض، ومرة اثناء خروج رمزين من رموز ديسمبر. وجدته بسيطًا، مرحبًا، نظيفًا من الداخل، مستمعًا جيدًا. كان في ملامحه مزيج أصيل من الثورة والدولة. وفي لحظة وداعٍ قصيرة، همستُ في أذنه ثلاث مسميات كمشاكسة أو اختبار، لكنه حل الواجب سريعًا وقال: “إنها ثوابت… حتى نموت”. لم تكن تلك الكلمات مجرد ردٍّ لبق، بل إيمان راسخ بمسؤولية تاريخية لا تتبدل.

في التجربة السياسية للعميد طارق صالح، بدا أن الصمت لم يكن غيابًا عن الفعل، بل أسلوبًا في هندسة الموقف. غير أن الصمت، مهما كانت حكمته، لا يُغني عن ضرورة التفسير عندما تتراكم الأسئلة، وتتسرب من الفجوات مشاعر الحيرة أو الانتظار الطويل.

لقد أدار ملفات حساسة بكفاءة المقاتل الذي يفهم الخرائط، لكنه أحيانًا يتعامل مع السياسة وكأنها ميدان عسكري، فغابت بعض التفاصيل التي لا يظهر أثرها إلا في المسارات العميقة: هناك تحالفات لم تُختبر، وملفات لم تفتح في وقتها، وفرص للتماس الشعبي لم تُستثمر بواقعية الالتقاط السريع .

ليس كل من اقترب صديق، ولا كل من ابتعد خصم. وهناك ملفات لو أُديرت بقبضة أعمق وعينٍ أكثر اختراقًا، لكان للمشروع الجمهوري ظهير شعبي أوسع، وامتداد وطني أكثر صلابة. فالمعادلات لا تُبنى بالثقة وحدها، بل بالفهم العميق لتقلبات الولاء، وضرورات الانفتاح دون تفريط.

فلتكن هذه الذكرى جرسًا يُنبهنا لا للاحتفال، بل لمواصلة معمار الجمهورية، حتى تستعيد صنعاء موقعها، لا فقط في الجغرافيا، بل في ضمير اليمن كله، “وحتى يولدُ من قلب النار جمهورية جديدة” .

تعليقات الفيس بوك


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل/ صدور قرار جديد من رئيس الوزراء

يافع نيوز | 653 قراءة 

عاجل: رد مفاجئ من النبك المركزي الحوثي بصنعاء على قرارات مركزي عدن وتعميم حازم للبنوك وشركات الصرافة!

المشهد اليمني | 634 قراءة 

خبير اقتصادي يكشف عن تحد خطير قد يهدد بانهيار الإصلاحات الاقتصادية

تهامة 24 | 605 قراءة 

أميركا توجه تحذيراً شديد اللهجة لسلطان العرادة

العاصفة نيوز | 586 قراءة 

مأرب برس يكشف معالم القرارات الأممية الجديدة التي ستصدر عن مجلس الأمن بخصوص اليمن وستكون مكملة للقرار 2216 .. أبرز البنود والمضامين

مأرب برس | 547 قراءة 

حلّ الدولتين أساس أي تسوية سياسية

عدن تايم | 486 قراءة 

الشركة اليمنية للغاز تصدر قائمة جديدة لسعر اسطوانة الغاز المنزلي

الحكمة نت | 483 قراءة 

إعلان أسعار جديدة للنقل الدولي بين اليمن والسعودية بالريال اليمني

كريتر سكاي | 470 قراءة 

حوار خاص | مدير فرع البنك المركزي بمأرب يكشف أسرار تعافي العملة وحقيقة توريد مأرب إلى عدن ويجيب على أسئلة تشغل الشارع اليمني (فيديو)

بران برس | 450 قراءة 

الأمطار في صنعاء تكشف عن قذارة غير مسبوقة في أحد أهم الميادين في صنعاء

يني يمن | 408 قراءة