في سبتمبر 2004، نشرت صحيفة "الثورة"، كبرى الصحف الحكومية اليمنية، خبراً في صفحتها الأولى تعلن فيه مقتل حسين بدر الدين الحوثي، زعيم الحركة الحوثية الناشئة، على يد الجيش اليمني في محافظة صعدة شمال غرب البلاد، مشيرة إلى أن التمرد قد انتهى في مهده.
وأوردت الصحيفة أن الرئيس علي عبدالله صالح شكر قواته العسكرية والأمنية على "القضاء التام" على التمرد الحوثي بعد أشهر فقط من اندلاعه.
لكن بعد أكثر من عقدين، يتضح أن تلك التصريحات كانت متسرعة. فالحوثيون باتوا اليوم يسيطرون على مناطق شمالية مأهولة ومركزية يقطنها 70% من سكان اليمن.
وقد تطورت الجماعة من مجموعة صغيرة محصورة في جبال صعدة الوعرة إلى قوة تقاتل ليس فقط اليمنيين ودول الجوار، بل حتى الولايات المتحدة، مستخدمة أسلحة قادرة على ضرب أهداف بعيدة مثل إسرائيل.
قبل وفاته بعقد من الزمن، أسّس الحوثي ووالده مع عدد من الشخصيات الدينية الزيدية حزب "الحق"، كما مثّل الحزب في البرلمان منتصف التسعينيات، وشارك في "منتدى الشباب المؤمن"، وهو تيار دعوي زيدي. لكنه لاحقاً تخلّى عن الحزب والمنتدى، كما ترك دراسته العليا في السودان بسبب خلافاته العقائدية حتى مع أبناء طائفته.
•
كيف كتبنا التقرير؟
غلاف صحيفة "عرب نيوز" في 2004 غطى مقتل حسين بدر الدين الحوثي، وكان يُنظر إليه حينها على أنه نهاية الحركة.
في عام 2002، صاغ الحوثي شعار حركته الشهير: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام"، وحثّ أتباعه على ترديده في مساجد صعدة ومناطق أخرى، مما أثار غضب السلطات اليمنية.
واتهمه الرئيس صالح بمحاولة "إعادة عقارب الساعة إلى الوراء" لإحياء حكم الأئمة الزيديين، وبالاعتداء على الجنود ونهب المال العام.
عندما قُتل الحوثي في 2004، خلفه شقيقه عبدالملك الحوثي، الذي واصل التمرد في صعدة حتى عام 2010، ما تسبب في دمار واسع، ومئات القتلى، وآلاف النازحين.
في 2011، استغل الحوثيون اضطرابات صنعاء عقب احتجاجات "الربيع العربي" للسيطرة على محافظة صعدة بالكامل. ورغم مشاركتهم في مؤتمر الحوار الوطني برعاية الأمم المتحدة، اتسع نفوذهم من صعدة إلى عمران وحجة والجوف، حيث هاجموا منشآت عامة وقواعد عسكرية ونهبوا أسلحة لتعزيز ترسانتهم.
•
تواريخ محورية
18-20 يونيو 2004
: بدأت حكومة صالح باعتقال مئات من عناصر الحوثيين، وأعلنت مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن حسين الحوثي.
10 سبتمبر 2004
: أعلن مقتل حسين بدر الدين الحوثي.
20 يوليو 2024
: لم يُذكر الحدث لكن يبدو أنها إشارة لمرحلة جديدة في الصراع.
في فبراير 2012، تولّى عبد ربه منصور هادي الرئاسة خلفاً لصالح. وفي 21 سبتمبر 2014، اجتاح الحوثيون صنعاء، معرقلين المرحلة الانتقالية ومشعلين جولة جديدة من الحرب أودت بحياة الآلاف وشرّدت الملايين.
وفي مفارقة مثيرة، تحالف صالح الذي قاتل الحوثيين سابقاً معهم، مستخدماً نفوذه العسكري والأمني لتسهيل توسعهم، لكنه دفع الثمن لاحقاً بحياته في ديسمبر 2017، عندما اغتالوه إثر انهيار التحالف بين الطرفين.
وفي مارس 2015، استجاب التحالف العسكري الذي تقوده السعودية لنداء الرئيس هادي، وأطلق "عاصفة الحزم" التي قلبت موازين الحرب لصالح الحكومة اليمنية مؤقتاً.
لكن مع تقلص النفوذ الحوثي عسكرياً ومالياً، تدخلت إيران عبر تهريب طائرات مسيرة وصواريخ متطورة، مما مكّن الحوثيين من مهاجمة السعودية والإمارات مباشرة.
ورغم الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة ودخلت حيز التنفيذ في أبريل 2022، واصلت إيران إرسال السلاح والخبراء للحوثيين الذين استمروا في تنفيذ الهجمات، وتجنيد المقاتلين، وإجراء تدريبات عسكرية.
في نوفمبر 2023، بدأ الحوثيون في استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ، معلنين دعمهم للفلسطينيين في غزة، وهو ما أدى إلى ضربات انتقامية من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، مما زاد من تعقيد الأزمة الإنسانية في اليمن.
ولا تزال الجماعة تسيطر على مناطق حيوية في شمال اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء وأجزاء واسعة من محافظة الحديدة.
في المقابل، تسيطر الحكومة المعترف بها دولياً بقيادة رشاد العليمي على مدينة عدن الجنوبية – العاصمة المؤقتة – إلى جانب محافظات في الجنوب والشرق، ولا تزال في صراع على مناطق مثل الحديدة ومأرب وحجة.
ويتكوّن مجلس القيادة الرئاسي، المشكل في 2022، من ثمانية أعضاء يمثلون قوى سياسية وقبلية وجغرافية رئيسية في البلاد.
ومع توقف القتال في غزة ضمن هدنة بين إسرائيل وحماس، يأمل اليمنيون أن تستأنف محادثات السلام برعاية الأمم المتحدة لإنهاء أكثر من عقد من الصراع والكارثة الإنسانية.
- سعيد البطاطي هو صحفي يمني يقيم في مدينة المكلا، ويغطي اليمن لصالح صحيفة "عرب نيوز".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news