في ظل غموض يخيّم على مسار الملف اليمني، يستعد مجلس القيادة الرئاسي لعقد اجتماع حاسم في العاصمة السعودية الرياض، وسط مؤشرات متباينة بين اتجاهين متوازيين: خيار التسوية السياسية تحت مظلة إقليمية ودولية، أو العودة إلى خيار الحسم العسكري، في مواجهة جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
هذه التطورات تأتي بعد أيام من زيارة مفصلية أجراها وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، إلى العاصمة الإيرانية طهران، حيث التقى المرشد الأعلى علي خامنئي، وسلمه رسالة رسمية من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز.. الزيارة، غير المسبوقة في توقيتها، تكشف عن تنسيق دبلوماسي رفيع المستوى يحمل رسائل معقدة تتجاوز حدود العلاقات الثنائية، وتُلامس ملفات الصراع في اليمن والمنطقة بأكملها.
تحالف دولي... وتصعيد أمريكي مستمر
عضو مجلس القيادة الرئاسي، العميد طارق صالح، كان قد كشف في خطاب له السبت الماضي عن الاجتماع المرتقب للمجلس الرئاسي، مشيرًا إلى أن الاجتماع يهدف إلى اتخاذ موقف واضح من المبادرات الدولية المتعلقة بإنهاء سيطرة الحوثيين.
كما دعا طارق إلى تشكيل تحالف دولي للتصدي للمليشيات الحوثية، في وقت تتكثف فيه التقارير الأمريكية حول دعم محتمل لتحرك بري ضد الجماعة، مستفيدين من الحملة الجوية الأمريكية التي تتواصل منذ أسابيع على أهداف حوثية، لا سيما في صنعاء والحديدة.
السعودية بين القلق من النوايا الأمريكية... ومخاوف التصعيد
ورغم تزايد الضغوط الغربية، لا يبدو أن الرياض متحمسة للعودة إلى مسار الحرب، خاصة في ظل الهدنة غير المعلنة التي سادت خلال السنوات الثلاث الماضية، فالتجربة القاسية التي خاضتها السعودية خلال سنوات الحرب (2015-2022) جعلتها أكثر حذرًا من الانجرار مجددًا إلى معارك مفتوحة دون رؤية استراتيجية واضحة أو ضمانات دولية جدية.
وترى الرياض أن التحركات الأمريكية في اليمن تُستخدم ورقة ضغط في مفاوضاتها غير المباشرة مع طهران بشأن برنامجها النووي، الأمر الذي يضع السعودية في موقع حساس بين دعم حلفائها في اليمن، والحفاظ على التوازنات الإقليمية الدقيقة.
زيارة مزدوجة: من واشنطن إلى طهران
اللافت أن الأمير خالد بن سلمان كان قد زار واشنطن مؤخرًا، حيث التقى وزير الدفاع الأمريكي وعددًا من كبار المسؤولين، برفقة السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، ما يعكس زخمًا عاليًا للملف اليمني في أجندة السعودية الدبلوماسية.
الاصطحاب نفسه تكرر في زيارته إلى طهران، ما يرجّح فرضية وجود وساطة سعودية تهدف إلى احتواء التصعيد بين واشنطن وطهران، وفتح نافذة تفاهمات تشمل اليمن كأحد الملفات الإقليمية المتفجرة.
ماذا تريد الرياض؟
من الواضح أن السعودية لا تبحث فقط عن تسوية داخلية في اليمن، بل تسعى لإعادة صياغة التوازنات الإقليمية التي ضُربت بشدة بفعل تدخلات طهران عبر مليشياتها المسلحة.
وفي هذا السياق، فإن فك الارتباط بين الحوثيين والحرس الثوري الإيراني، إن تحقق، سيُعتبر تحولًا استراتيجيًا يُمكّن الرياض من حسم الصراع مع الحوثيين دون كلفة الحرب الشاملة.
خياران لا ثالث لهما
المشهد، إذًا، يتجه نحو مفترق طرق حاد: إما مسار تفاهمات إقليمية تُفرز تسوية تُقصي الحوثيين سياسيًا، أو الدفع نحو معركة برية واسعة النطاق، خاصة في الساحل الغربي وميناء الحديدة، لتقويض نفوذ الجماعة وقطع شريانها البحري.
ويبقى اجتماع الرياض المرتقب لمجلس القيادة الرئاسي نقطة محورية، قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة، ليس فقط في اليمن، بل في خارطة النفوذ في المنطقة بأسرها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news