قالت جماعة الحوثي يوم الجمعة إن ضربات جوية أمريكية استهدفت ميناء نفطي خاضع لسيطرتها في اليمن، أسفرت عن مقتل 80 شخصًا وإصابة 150 آخرين، في أكثر الهجمات دموية ضمن الحملة العسكرية الجديدة للرئيس (دونالد ترامب) ضد الفصيل المدعوم من إيران.
وشكّلت الضربة التي استهدفت ميناء رأس عيسى -والتي تسببت في اندلاع كرات نارية هائلة أضاءت السماء ليلاً- تصعيدًا كبيرًا في الجهود الأمريكية، إذ استهدفت منشآت نفطية للمرة الأولى.
وكان من الصعب تقييم حصيلة حملة ترامب، التي بدأت في 15 مارس/ آذار، نظرًا لامتناع القيادة المركزية الأمريكية عن نشر أي معلومات بشأن أهداف الضربات وعدد القتلى. في المقابل، يفرض الحوثيون رقابة صارمة على الوصول إلى المناطق المستهدفة ولا ينشرون بيانات كاملة عن الغارات، والتي يُعتقد أن العديد منها استهدف مواقع عسكرية وأمنية.
وفي بيان لها، قالت القيادة المركزية الأمريكية إن "القوات الأمريكية اتخذت إجراءات للقضاء على مصدر الوقود هذا الذي يستخدمه الإرهابيون الحوثيون المدعومون من إيران، وحرمانهم من الإيرادات غير المشروعة التي تموّل جهودهم في ترويع المنطقة بأسرها منذ أكثر من عشر سنوات."
وأضاف البيان: "لم تكن هذه الضربة تستهدف الإضرار بالشعب اليمني، الذي يتطلع بحق إلى التحرر من الخضوع الحوثي والعيش بسلام." ولم يشر البيان إلى أي خسائر بشرية نتيجة الهجوم، كما لم يتضمن أي تقييم لحجم الأضرار.
وبعد ساعات من الضربة، أطلق الحوثيون صاروخًا باتجاه إسرائيل، تم اعتراضه، بحسب ما أفاد به الجيش الإسرائيلي، حيث دوت صفارات الإنذار في تل أبيب ومناطق أخرى.
وفي الوقت ذاته، ازدادت الحرب الأهلية في اليمن طابعًا دوليًا، حيث اتهمت الولايات المتحدة شركة أقمار صناعية صينية بأنها "تدعم بشكل مباشر" هجمات الحوثيين، وهو ادعاء امتنعت بكين عن التعليق عليه بشكل صريح.
ومن المقرر أن تُعقد جولة ثانية من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة يوم السبت في روما، بشأن برنامج طهران النووي المتسارع، وهو ملف ربطته واشنطن بالحملة العسكرية الجارية في اليمن.
• الضربات الأمريكية تشعل كرة نارية هائلة
يقع ميناء رأس عيسى، وهو عبارة عن مجموعة من خزانات النفط ومعدات التكرير، في محافظة الحُديدة اليمنية على ساحل البحر الأحمر، بالقرب من جزيرة كمران التي تعرّضت في الأيام الأخيرة لسلسلة من الغارات الجوية الأمريكية الكثيفة.
وبثّت قناة "المَسيرة" الفضائية التابعة للحوثيين لقطات مصورة مروّعة تُظهر جُثثًا متناثرة في الموقع، وصهاريج وقود محطّمة تشتعل فيها النيران.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية التي التقطتها شركة "بلانيت لابز" (Planet Labs PBC) وحلّلتها وكالة "أسوشيتد برس"، دمارًا في خزانات النفط والمركبات، كما بدا أن النفط بدأ يتسرّب إلى مياه البحر الأحمر. ووفقًا لما أفاد به المحلل في منظمة السلام الهولندية "باكس"، ويم زويننبورغ، فقد تم تدمير ما لا يقل عن ثلاثة خزانات لتخزين الوقود، كما تسرب النفط من خطوط الربط البحرية.
ويُعدّ الميناء نقطة النهاية لخط أنابيب نفطي يمتد إلى محافظة مأرب الغنية بالطاقة، والخاضعة لسيطرة حلفاء الحكومة اليمنية المنفية، التي أطاح بها الحوثيون من العاصمة صنعاء عام 2014. ومع أن صادرات النفط توقفت بفعل الحرب المستمرة منذ عقد، إلا أن الحوثيين استخدموا ميناء رأس عيسى لاستيراد النفط.
و يستقبل ميناء رأس عيسى البنزين والديزل وغاز البترول المسال لصالح الحوثيين، وقد يتسبب الضرر الناتج عن الضربات الجوية في تأثير بالغ على الحياة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن.
واستنكر الحوثيون الهجوم الأمريكي، واصفين إياه بأنه "عدوان غير مبرر على الإطلاق".
وقالوا في بيان رسمي: "لقد استهدف منشأة مدنية حيوية تخدم الشعب اليمني منذ عقود."
وفي 9 أبريل/ نيسان، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تحذيرًا بشأن شحنات النفط إلى اليمن، مؤكدة أنها "لن تتساهل مع أي دولة أو كيان تجاري يقدّم دعماً للمنظمات الإرهابية الأجنبية، مثل جماعة الحوثي."
ويأتي هذا الهجوم بعد سلسلة ضربات جوية إسرائيلية استهدفت الحوثيين، وطالت مرافق موانئ وبنية تحتية نفطية يستخدمها الحوثيون، من بينها ميناء رأس عيسى، وذلك ردًا على هجماتهم ضد إسرائيل.
• أعنف هجوم معروف ضمن حملة ترامب في اليمن
تُعد الضربة الجوية التي استهدفت الميناء الهجوم الأكثر دموية حتى الآن في إطار حملة الرئيس ترامب ضد الحوثيين. ومع ذلك، فإن تقدير الخسائر البشرية بدقة يظل أمرًا صعبًا، بحسب (لوكا نيڤولا)، كبير محللي شؤون اليمن والخليج في مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح والأحداث (ACLED)، وهو مركز أبحاث متخصص.
وقال نيڤولا: "نظرًا لأن الضربات تستهدف مناطق مدنية، فإن عدد الضحايا يكون أعلى بكثير. لكن يصعب أيضًا تحديد الأعداد بدقة، لأن الحوثيين يصدرون بيانات عامة تشمل جميع الضحايا، أو يركّزون فقط على الضحايا المدنيين."
ويُزيد من تعقيد الموقف، بحسب (محمد الباشا، الخبير في الشأن اليمني في شركة "باشا ريبورت" للاستشارات والمخاطر، أن الضربات الأمريكية تستهدف أيضًا مواقع عسكرية. وأشار إلى هجوم أمريكي سابق كان ترامب قد أبرز لقطات منه عبر الإنترنت، تُظهر ضربات بالأبيض والأسود، ويُرجّح أنه أسفر عن مقتل نحو 70 مقاتلًا.
وقال الباشا: "رغم أن الحوثيين زعموا أنه كان تجمعًا قبليًا، إلا أنهم لم ينشروا أي لقطات أو أسماء للضحايا، ما يُشير بقوة إلى أن القتلى لم يكونوا مدنيين بل من العناصر المقاتلة المرتبطة بالجماعة."
وأضاف: "لكنّ الضربة الليلية على ميناء رأس عيسى لتخزين الوقود تُعدّ أول حادثة كبيرة من حيث عدد الضحايا يعترف بها الحوثيون علنًا ويقومون بتسليط الضوء عليها."
• الولايات المتحدة تتهم شركة أقمار صناعية صينية بدعم هجمات الحوثيين
في سياق متصل، اتهمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية (تامي بروس)، خلال إيجاز صحفي مع عدد من الصحفيين، شركة "تشانغ غوانغ لتكنولوجيا الأقمار الصناعية المحدودة" -وهي مزود تجاري لصور الأقمار الصناعية- بأنها "تدعم بشكل مباشر الهجمات الإرهابية التي يشنها الحوثيون المدعومون من إيران ضد المصالح الأمريكية."
ولم تتوسع بروس في التفاصيل، لكنها أشارت إلى تقرير نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز نقل عن مسؤولين أمريكيين -طلبوا عدم الكشف عن هويتهم- قولهم إن الشركة، المرتبطة بجيش التحرير الشعبي الصيني، زوّدت الحوثيين بصور مكّنتهم من استهداف السفن الحربية والتجارية الأمريكية المارة عبر ممر البحر الأحمر.
وأضافت بروس أن "دعم بكين لهذه الشركة العاملة في مجال الأقمار الصناعية يتناقض مع ادعاءاتها بأنها مؤيدة للسلام."
ورداً على سؤال بشأن هذه الاتهامات، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية (لين جيان)، يوم الجمعة: "لست مطّلعاً على الوضع الذي أشرتم إليه."
لكنه شدد في المقابل على أن الصين تُعتبر طرفًا يحثّ الدول على "بذل المزيد من الجهود التي تسهم في تعزيز السلام والاستقرار الإقليمي."
و قال المتحدث الصيني لين جيان: "منذ تصاعد التوترات في البحر الأحمر، لعبت الصين دورًا إيجابيًا في تهدئة الوضع." وتساءل: "من الذي يدفع نحو الحوار والسلام ويعمل على خفض التصعيد، ومن الذي يفرض العقوبات ويمارس الضغوط؟"
ولم تُصدر شركة "تشانغ غوانغ" أي تعليق ردًا على طلب للإدلاء ببيان. وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد فرضت عقوبات على الشركة في عام 2023، بتهمة تزويد مجموعة "فاغنر" الروسية -وهي قوة مرتزقة- بصور أقمار صناعية خلال مشاركتها في القتال بأوكرانيا.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت "تشانغ غوانغ" ترتبط بشكل مباشر بالحكومة الصينية. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الأمريكية استخدمت في السابق صورًا ملتقطة من قبل شركات أمريكية تجارية للأقمار الصناعية لمشاركتها مع حلفائها، مثل أوكرانيا، تفاديًا لنشر صور استخباراتية مصنّفة بالغة السرية.
• الضربات الأمريكية جزء من حملة مكثفة مستمرة منذ شهر
أظهر تحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس أن العملية العسكرية الأمريكية الجديدة ضد الحوثيين في عهد الرئيس دونالد ترامب تبدو أوسع نطاقًا من تلك التي جرت في عهد الرئيس السابق جو بايدن. وقد بدأت الحملة الجديدة من الضربات الجوية بعد أن هدد الحوثيون باستئناف استهداف السفن "الإسرائيلية"، ردًا على قيام إسرائيل بمنع دخول المساعدات إلى قطاع غزة.
ومنذ نوڤمبر/ تشرين الثاني 2023 وحتى يناير/ كانون الثاني من هذا العام، استهدف الحوثيون أكثر من 100 سفينة تجارية باستخدام الصواريخ والطائرات المُسيّرة، مما أدى إلى إغراق سفينتين ومقتل أربعة بحّارة. وقد أدى ذلك إلى تراجع كبير في حركة التجارة عبر ممر البحر الأحمر، الذي تمرّ عبره عادةً بضائع تُقدَّر قيمتها بتريليون دولار سنويًا.
كما شن الحوثيون هجمات استهدفت سفنًا حربية أمريكية، إلا أنها لم تُصِب أهدافها بنجاح.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news