في مشهد يعكس استمرار حالة التداخل المؤسسي في العاصمة عدن، أثارت كلية الحاسب الآلي التابعة لجامعة عدن جدلاً واسعاً بعد تنصلها من التزاماتها المالية تجاه المعهد التقني الصناعي في المعلا، وادعائها ملكية أجزاء من المبنى الذي تشغله منذ سنوات بموجب اتفاقية إيجار رسمية.
وبحسب وثائق رسمية وموثقة، فإن الكلية أخلّت منذ العام 2015 بدفع الإيجار السنوي المحدد في الاتفاق بـ500 ألف ريال، ولم تسدد أي دفعة على مدى عشر سنوات، ما راكم مديونية مالية لصالح المعهد تقدر بالملايين، في وقتٍ تدّعي فيه الكلية أن المبنى بات من أملاكها.
اتفاق رسمي.. وأداء غير رسمي
تعود جذور القضية إلى محضر اتفاقية موقعة في 10 مارس 2015 بين الطرفين، يقضي بتأجير الدورين الثاني والثالث من مبنى المعهد لصالح كلية الحاسب الآلي مقابل مبالغ مالية تُدفع على قسطين سنويًا، مع التزام الكلية بالصيانة وتحمل فواتير الخدمات.
الوثيقة الموقعة من عميدي المؤسستين حينها، ومصدق عليها من الجهات الرسمية، بما فيها محافظ عدن الأسبق د. عبدالعزيز بن حبتور، حسمت بوضوح الطابع التأجيري للمبنى.
لكن الكلية اليوم تنفي وجود أي التزامات، وتتمسك بادعاء "ملكية" المبنى، دون تقديم ما يثبت ذلك قانونياً، في موقف وصفه مسؤولون في التعليم الفني بأنه "افتئات على الحق العام وتشويه للواقع بوثائق غير موجودة".
الرد الرسمي: الوثائق أولاً.. والعدالة قادمة
رئاسة الوزراء كانت قد وجهت بمذكرات واضحة تطالب بإخلاء المبنى وإعادته إلى التعليم الفني، كما أرسلت وزارة الدولة – ممثلة بمحافظ عدن – توجيهات صريحة إلى رئاسة جامعة عدن بضرورة تسوية المديونية وإخلاء المبنى، بالتوازي مع إجراءات رسمية لإلغاء العقد السابق بسبب الإخلال ببنوده.
مكتب التعليم الفني: استعادة الأصول مستمرة
وقال نائب مدير مكتب التعليم الفني بعدن، مراد هادي، إن الكلية “تمارس تلفيقاً لا سند له”، وإن المكتب يمضي قدماً في استعادة كافة الأصول المغتصبة، مضيفاً: "كما استعدنا مباني خورمكسر والسياحي، سنستعيد المعلا ودار سعد وكل موقع تم التغول عليه باسم التعليم العالي".
بدوره، أشار مدير الشؤون القانونية بالتعليم الفني، مازن جرجره، إلى أن المكتب يحتفظ بكافة الوثائق القانونية التي تثبت ملكيته للمبنى، مؤكداً أن التصريحات التي تطلقها بعض الجهات الأكاديمية "تفتقر للحصافة المهنية وتسيء إلى صورة جامعة عريقة مثل عدن".
عدن... المدينة التي فقدت خارطة المباني
القضية تعكس أزمة أوسع تعاني منها عدن منذ سنوات، وهي غياب الحدود الواضحة بين الممتلكات الحكومية والمؤسسات العامة، وسط فوضى في التخصيص والاستخدام والتوثيق، ما يطرح أسئلة حقيقية: كيف يمكن لمؤسسة أكاديمية أن تتنصل من اتفاق رسمي موقع ومختوم؟ ومن يحاسب الجهات التي تستخدم سلطتها لطمس الوثائق والسطو على أملاك الدولة؟
حتى ذلك الحين، يبدو أن الدور الثالث من مبنى المعهد التقني سيبقى ساحة معركة رمزية، تذكّر الجميع أن النزاهة في المؤسسات تبدأ من احترام العقود، لا من أعمدة المباني.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news