تعز.. عقد على انطلاق شرارة المقاومة الشعبية في وجه الانقلاب (تقرير خاص)
المجهر - عابد محمد
الخميس 17/أبريل/2025
-
الساعة:
5:16 م
في صباح يوم 22 مارس/ آذار 2015، بدأت أولى ملامح المواجهة عندما اجتاح الحوثيون مدينة تعز، وتمركزت عناصر الجماعة في منطقة الحوبان ومعسكر الأمن المركزي، ما أثار موجة رفض شعبي واسع، تُوجت بمظاهرة سلمية أمام المعسكر، عبّرت عن رفض السكان القاطع للمظاهر المسلحة داخل مدينتهم.
ولم تمضِ أيام حتى أعلن ضباط وأفراد من اللواء 35 مدرع تأييدهم للشرعية، في موقف وطني شجاع مثّل أولى بوادر الاصطفاف العسكري ضد الحوثيين، لكن تحركات جماعة الحوثيين تسارعت، حيث سيطرت على باب المندب والمخا ومعسكر خالد التابع للواء 35، ما دفع مختلف القوى المجتمعية والسياسية في تعز إلى إعادة ترتيب صفوفها استعدادًا لمواجهة هذا الزحف.
في ظل هذا الواقع، بدأت مواجهات متقطعة في معركة غير متكافئة بين الانقلابيين الذين قدموا رفقة ترسانة عسكرية ضخمة وبين مقاومين قرروا التصدي لهذا التمدد المسلح رغم أن قدراتهم في بداياتها لم تكن تتعدى الأسلحة الشخصية (الخفيفة والمتوسطة)، ليستمر ذلك حتى انطلقت المقاومة الشعبية رسميًا في 16 أبريل/نيسان 2015، عبر بيان أصدره الشيخ حمود سعيد المخلافي، داعيًا فيه أبناء تعز إلى الانضمام والقتال دفاعًا عن المدينة.
توزعت المجاميع الأولى التي تشكّلت من مدنيين وطلاب ومعلمين وضباط سابقين في عدد من المواقع الحاكمة على أطراف المدينة، متجنبة خوض المعارك داخل الأحياء السكنية، حيث جاء هذا التمركز بالتنسيق مع قيادات عسكرية محلية وتشكيل غرفة عمليات مشتركة، لتكون نواة تنظيمية للمقاومة.
شرارة الانطلاقة
شهد أبريل/ نيسان 2015 أولى المواجهات المباشرة وبه بدأت ملامح المقاومة الشعبية في التشكل تدريجيا، وفي 26 منه استعادت المقاومة مواقع وشوارع مهمة داخل المدينة، تلته عمليات إنزال جوية للدعم العسكري من دول تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات في 29 و30 أبريل/ نيسان من العام ذاته، مما زاد من ثقة السكان بالمقاومة، كما أن قيام التحالف العربي بشن ضربات جوية مركزة استهدفت مواقع تابعة للحوثيين والحرس الجمهوري في أطراف المدينة، منح المقاومة زخمًا ميدانيًا ومعنويًا.
وقد تضمنت غرفة العمليات المشتركة، حينها تكليف قيادات ميدانية محلية، في خطة منظمة نسّقت بين الجبهات الأربعة : الشرقية، الغربية، الشمالية، والجنوبية، وتلا ذلك تأسيس مجلس تنسيق المقاومة، كإطار شامل لتوحيد الجبهات وضمان انسيابية الدعم، حيث توزعت خارطة الانتشار كالآتي:
- الجبهة الغربية (المناخ، الضباب، الريف الغربي): قادها عبده حمود الصغير، وشارك فيها ضباط بارزون مثل يوسف الشراجي، خالد فاضل، عدنان الحمادي، إضافة إلى شخصيات اجتماعية أبرزهم فارس المليكي، الذي بدوره أصبح قائدا للمقاومة الشعبية في جبهة الضباب.
- الجبهة الشرقية (تبة الإخوة، جبل الإخوة): ضمت قيادات ميدانية مثل يحيى الريمي، نبيل الأديمي، توفيق عبدالملك، وتولت مجاميع "أبو الصدوق" ثم "أبو العباس" مهام التحرير شرق المدينة.
- الجبهة الشمالية (جبل جرة، الروضة، تبة الدرن): شكلت موقعًا استراتيجيًا هامًا بقيادة عبده فرحان سالم، ماجد مهيوب عبر لواء الصعاليك، إلى جانب دور بارز لقائد المقاومة الشعبية الشيخ حمود المخلافي.
- الجبهة الجنوبية (صبر، هيجة العبد): شملت مديريات (صبر، المسراخ، الشمايتين، حيفان، المقاطرة، بقيادة يحيى إسماعيل وآخرون في مديريات صبر، وعبدالله علي حسن الشيباني، عبده المقطري، نعمان الزريقي، عبدالواسع المقرمي في ريف تعز الغربي.
يرى مراقبون، أن أبرز ما ميّز مقاومة تعز في عامها الأول هو الزخم الشعبي الكبير، إذ لم تكن المقاومة مجرد تشكيلات مسلحة، بل تحولت إلى حركة مجتمعية شاملة، ارتبط فيها المدني بالمقاتل، والمعلم بالقائد الميداني، والمحتج بالمناصر على الخطوط الأمامية.
ومع انطلاقة المقاومة، سقط أول شهيد عسكري في صفوف الجيش المنحاز للشرعية، وهو النقيب أحمد نعمان مقبل، فيما كان محمد الصهيبي أول شهيد مدني من أبناء المقاومة الشعبية، ليسطرا معًا بداية طريق طويل من التضحيات والفداء، في معركة تحوّلت لاحقًا إلى ملحمة وطنية في وجه الانقلاب.
قرار المواجهة
يؤكد يحيى الريمي القائد السابق للمقاومة الشعبية في الجبهة الشرقية بمدينة تعز، أن جماعة الحوثيين كانت قد خططت مسبقًا لإسقاط الدولة والاستيلاء على المحافظات، مشيرًا إلى أنها استغلت المطالب الشعبية والثورية في تلك الفترة كغطاء لتنفيذ مشروعها التوسعي، مستفيدةً من "ثغرات وتواطؤ" داخل المؤسسة العسكرية الرسمية.
وأوضح الريمي في حديثه لـ"المجهر" أن الحوثيين تمكنوا خلال فترة وجيزة من إسقاط دماج، وعمران، وصنعاء، تلتها محافظات أخرى، في ظل صمت رسمي، في حين اختارت ثلاث مناطق رئيسية في اليمن –هي **تعز، ومأرب، وأجزاء من شبوة (عتق تحديدًا)– اتخاذ قرار مستقل برفض الخضوع، استنادًا إلى إرادة شعبية ومجتمعية قوية.
وأشار القائد الميداني السابق إلى أن تعز شهدت في تلك الفترة هبة شعبية من مختلف فئات المجتمع، ضمت معلمين، طلابًا، مدنيين، وعسكريين، حيث بدأت عمليات تشكيل المجاميع الأولى للمقاومة الشعبية، والتي تمركزت في أحياء محدودة، خاصة في محيط شارع جمال، ووادي القاضي، والتحرير، والروضة.
وأكد أن تلك الخطوة جاءت في ظل تسارع سيطرة الحوثيين على المواقع العسكرية والتباب المحيطة بالمدينة، مضيفًا: "كنا نسابق الحوثي في التمركز داخل المدينة، ونجحنا رغم الإمكانيات المحدودة، في تأمين شريط حيوي صغير، انطلقت منه عملية تحرير أوسع داخل تعز".
غربا، شكّل سقوط اللواء 35 مدرع لحظة مفصلية دفعت أبناء تعز إلى التحرك الميداني الفوري، لتأسيس النواة الأولى للمقاومة المسلحة في المناطق الغربية، وتحديدًا في جبهة الضباب، حيث بدأت تحركات أولية لتنفيذ عمليات ميدانية متزامنة تستهدف نقاط تمركز الحوثيين في الهنجر وحدائق الصالح ونقطة الثلاثين، بالتوازي مع تحرك المقاومة في المدينة باتجاه المطار القديم.
وبحسب مصادر ميدانية في المقاومة آنذاك، فإن قيادات المقاومة قامت بتجميع المجاميع القتالية حينها في مفرق جبل حبشي، بمشاركة ضباط وقادة عسكريين، وتم تقسيم المجاميع إلى 12 مجموعة، لكل منها مهمة محددة، شملت التمركز، الاستطلاع، تأمين الخطوط، وتنفيذ الكمائن في حال تسرب أي معلومات عن العملية.
زخم المقاومة
يؤكد عبده حمود الصغير، قائد المقاومة الشعبية في الجبهة الغربية بتعز سابقا، أن المقاومة، بعد مرور عشر سنوات على انطلاقتها، ما تزال تمثل الرافد الأساسي في المعادلتين العسكرية والسياسية، في سبيل دحر الانقلاب والخلاص من الميليشيات الحوثية التي وصفها بـ"الإجرامية".
وأضاف في حديثه لـ"المجهر" أن المقاومة منذ انطلاقتها الأولى عام 2014، حققت نجاحات بارزة على مختلف الساحات اليمنية وجبهات القتال، مشيرًا إلى أن الحاضنة الشعبية لعبت دورًا محوريًا في تشكيل جدار صد منيع أمام محاولات الحوثيين لنشر الموت والفوضى في المحافظات.
وأوضح الصغير أن مقاومة تعز، على غرار مجالس المقاومة في عموم الوطن، كان لها دور أساسي في التصدي للمليشيات، مؤكدًا أن مجلس تنسيق المقاومة الشعبية تأسس في تعز منذ عام 2014، وظهر للعلن رسميًا منتصف أبريل/ نيسان 2015، بقيادة شخصيات بارزة من أبناء المحافظة.
ولم ينسَ القيادي في المقاومة الشعبية عبده حمود الصغير الإشادة بدور الحاضنة الشعبية، التي قال إنها "كانت الحاملة الأولى للمشروع الوطني والمقاوم منذ اللحظة الأولى"، مؤكدًا أنها وقفت خلف المقاتلين، ووفّرت لهم الغذاء والدواء، ورفعت من معنوياتهم، "لأن من في الجبهات هم أبناءهم وأقاربهم وأهلهم".
من جهته، يوضح يحيى الريمي قائد المقاومة الشعبية في الجبهة الشرقية بتعز سابقا أن المجاميع المسلحة التي شكلت المقاومة كانت صغيرة العدد ومتواضعة العتاد، لكنها اعتمدت على قيادات ميدانية فاعلة وغرفة عمليات مشتركة، كان هدفها الأساسي هو توحيد الجبهات وتعزيز التنسيق بين مختلف المحاور.
وأضاف: "كانت كل جبهة تُسند الأخرى، وتُنقل التعزيزات من منطقة إلى أخرى عند الحاجة، مما عزز تماسك الجبهات ومرونتها في مواجهة الحوثيين". لافتا إلى أن الأيام الأولى للمقاومة فرضت ضرورة تشكيل مجلس لتنسيق المقاومة، يضم كافة القادة والمكونات الفاعلة في المدينة، بهدف تنظيم العمل المقاوم، ومنع العشوائية والارتباك، وتوحيد الجهود على المستويات العسكرية، والأمنية، والسياسية، والمجتمعية.
جبهة الضباب
يؤكد فارس المليكي القائد السابق للمقاومة الشعبية في جبهة الضباب غربي تعز، أن أول هجوم للمقاوم كان في السابع عشر من أبريل/ نيسان 2015، ونتج عنه السيطرة على عدة مواقع استراتيجية، أبرزها نقطة الهنجر، تبة الخزان، تبة الأحمر، وتبة الشيباني، مشيرًا إلى أن المعركة شهدت سقوط أول شهداء الجبهة، يحيى عبدالوهاب الأهدل ، الذي تم قنصه من اتجاه حدائق الصالح.
وأضاف المليكي في حديثه لـ"المجهر" أن نجاح العملية الأولى للمقاومة شكّل لحظة تحوّل في وعي المجتمع المحلي، حيث بدأت روح المقاومة تتجذر، وأعلنت مناطق واسعة استعدادها للانضمام، ليتم لاحقًا تشكيل قيادة وهيكل تنظيمي لجبهة الضباب، يشمل التسليح، الإمداد، الإسعاف، والدعم الطبي.
وأوضح أن الشيخ حمود سعيد المخلافي لعب دورًا مركزيًا في الإشراف على التنسيق بين مختلف الجبهات، فيما تولى القائد يوسف الشراجي مهمة دمج القيادات العسكرية داخل اللواء 35 مع المجاميع الشعبية، ما أسس لتكامل بين المقاومة والجيش الوطني الناشئ، وسمح بتوسع دائرة المواجهة ليتحول القتال من كرّ وفرّ إلى حرب تمركز وتحرير مواقع.
كما أكد القائد الميداني السابق أن المقاومة في الضباب تولّت تأمين الطريق الرابط بين نقطة الهنجر والتربة، لمنع أي تعزيزات قادمة من الجنوب، لافتا إلى أنه تم قطع خطوط الإمداد ومحاصرة التحركات الحوثية التي حاولت التمدد عبر هيجة العبد، وواصفا جبهة الضباب بأنها كانت "رأس حربة" في المعركة ضد الحوثيين.
حتمية العودة
بعد مرور عشر سنوات، يرى قادة المقاومة أن ما تحقق لم يكن مجرد انتصار ميداني، بل نواة مشروع وطني جامع، حيث تمكنت المقاومة في أول عامين فقط من تحرير ما نسبته 85% من المدينة، وتحرير 13 مديرية بعضها جزئيا من أصل 17 مديرية في المحافظة.
وفي السياق، يؤكد القيادي عبده حمود الصغير إلى أن أبرز التحولات في مسار المقاومة تمثلت في انخراطها ضمن قوام الجيش الوطني، وذوبانها تحت هذا الكيان الجديد، الذي بات اليوم يمثل الدولة ومؤسساتها، ويجسد شخصية اليمن الرسمية في وجه الانقلاب، لكنه أشار إلى أن المقاومة ما تزال حية حتى اليوم وتمثل إسناد مهم للجيش الوطني في رفد الجبهات.
كما وجه رسالة إلى القوى الوطنية والإقليمية والدولية، مؤكدًا أن تعز تمثل "المرتكز الاستراتيجي لليمن، وضمانة وحدته واستقراره"، مشددًا على أن المدينة الواقعة في قلب الجغرافيا اليمنية، باتت اليوم الحامل الأبرز للمشروع الوطني الهادف لاستعادة مؤسسات الدولة وبناء اليمن الاتحادي.
إلى ذلك، يواصل اليمنيون المطالبة بعودة الزخم السابق للمقاومة الشعبية لقيادة معركة تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وذلك بعد الجمود الذي شهده الملف العسكري خلال السنوات الأخيرة ونتج عنه تعدد السياسيات وتصاعد الانقسامات وتعدد التشكيلات العسكرية المنضوية تحت مظلة الحكومة المعترف بها دوليا.
ختاما، قدّمت تعز نموذجًا وطنيًا نادرًا في كيفية بناء مقاومة شعبية شاملة، تجاوزت الظروف الميدانية والحصار، وتحوّلت إلى مشروع تحرري متكامل، وبفضل الإرادة التي يمتلكها أبناؤها، استطاعت أن تؤسس معادلة جديدة في معركة الدفاع عن اليمن، وأثبتت أن روح المقاومة قادرة على صنع الفارق، حتى في أحلك الظروف.
تابع المجهر نت على X
#اليمن
#تعز
#المقاومة الشعبية
#الشيخ حمود المخلافي
#ذكرى الانطلاقة
#جماعة الحوثي
#انتفاضة
#مجلس تنسيق المقاومة
#المجلس الأعلى
#معارك
#مواجهات
#تحرير مناطق
#حرب شوارع
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news