الحلقة الثاني والعشرون: المستشرقون واليمن.. القنصل الفرنسي “أرنو” الذي أصبح باحث آثار في مأرب

     
يمن ديلي نيوز             عدد المشاهدات : 42 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
الحلقة الثاني والعشرون: المستشرقون واليمن.. القنصل الفرنسي “أرنو” الذي أصبح باحث آثار في مأرب

أعد الحلقة لـ”يمن ديلي نيوز” محمد العياشي:

في عام 1843م، قام الصيدلي الفرنسي توماس جوزيف أرنو، أحد أبرز الرحالة الفرنسيين في القرن التاسع عشر، برحلة استكشافية إلى اليمن.

كانت الرحلة من بين أوائل الرحلات التي كشفت عن أسرار حضارات قديمة ضاعت تحت الرمال، وبداية لفصل جديد في فهم تاريخ وآثار اليمن القديم، إضافة إلى تأثيرها الكبير في الدراسات الغربية حول المنطقة.

بين العلم والسياسة

في ذلك الوقت، كان أرنو يشغل منصب قنصل فرنسا في جدة، وهو موقع سمح له بالاقتراب من منطقة شبه الجزيرة العربية، ما أتاح له بدء التخطيط لرحلته التي حملت في طياتها أهدافًا علمية وسياسية.

وكان من بين أهدافه اكتشاف النقوش القديمة في مناطق نائية من اليمن، وخصوصًا في مأرب، عاصمة مملكة سبأ الشهيرة.

برفقة الضابط الفرنسي ألكسندر فايسيير، بدأ أرنو رحلتهما عبر أراضٍ شاسعة وصعبة، ليصلا إلى سد مأرب الذي ورد ذكره في القرآن الكريم.

لم يكن هذا الاكتشاف مجرد زيارة سياحية، بل كان لحظة فارقة في علم الآثار، حيث تم اكتشاف العديد من النقوش الحميرية التي لم تكن معروفة من قبل في الغرب.

اكتشاف النقوش الحميرية

من أبرز ما حققته رحلة أرنو إلى اليمن هو اكتشافه لمجموعة من النقوش الحميرية القديمة.

ورغم أن النقوش كانت محفوظة على الصخور في مناطق بعيدة من مأرب وصرواح، إلا أن أرنو تمكن من نسخ أكثر من 56 نقشًا، سعت لاحقًا الفرق الأثرية الأوروبية إلى فك رموزها.

هذه النقوش ساعدت في الكشف عن تطور الكتابة القديمة في جنوب شبه الجزيرة العربية، كما قدمت رؤية جديدة حول الثقافة اليمنية القديمة، من حيث نظام الحكم، والديانات، والاقتصاد.

كانت النقوش الحميرية بمثابة مفاتيح لفهم أعمق للغة والثقافة السائدة في مملكة سبأ، وأسهمت بشكل مباشر في تطوير دراسات اللغات السامية القديمة في الغرب.

ما يميز هذه الرحلة هو تأثيرها الكبير على الدراسات الأوروبية، إذ أسهمت في دفع المستشرقين للتوجه إلى دراسات أعمق حول النقوش اليمنية القديمة، مما أدى إلى إدراك وجود ثلاث خطوط رئيسية للكتابة في جنوب شبه الجزيرة العربية: الخط الحميري، والخط المعيني، والخط السبئي.

كما أن الخريطة التفصيلية التي أعدها أرنو لمواقع الآثار في اليمن كان لها دور كبير في تسهيل الدراسات الأثرية التي تلت رحلته.

أهداف أرنو في اليمن

لم تكن أهداف توماس أرنو مقتصرة على اكتشاف الآثار فقط. بل كان يسعى أيضًا إلى تحقيق أهداف علمية وسياسية تتعلق بالهيمنة الثقافية والعلمية الفرنسية في المنطقة.

أرنو، الذي كان يتمتع بعلاقات جيدة مع مشايخ القبائل اليمنية بفضل معرفته بالطب والعقاقير، تمكن من الحصول على إذن للتنقل في المناطق التي كانت مغلقة أمام الأجانب في ذلك الوقت، ما جعله يحصل على معلومات ومواد قيمة عن تاريخ وحضارة اليمن.

كانت مهمة أرنو تمثل أيضًا جزءًا من المشروع الاستعماري الفرنسي في المنطقة، حيث كان هدف فرنسا تعزيز نفوذها في البحر الأحمر والجزيرة العربية، من خلال جمع المعلومات التاريخية والثقافية عن الأراضي العربية.

سحر الماضي العريق

على الرغم من الطابع الاستعماري لرحلته، فإن انطباعات توماس جوزيف أرنو عن اليمن كانت مليئة بالإعجاب.

في كتابه “حكاية رحلة إلى مأرب (سبأ)”، وصف أرنو المكان باعتباره معقلًا للحضارة القديمة التي كانت مظلومة بالزمن.

يقول: “عندما وصلنا إلى السد في الوقت الذي بدأت فيه حرارة الجو بإنهاكنا، اندهشت من المباني القديمة الواقعة على أرض لم تتمكن أي قدم أوروبية من وطئها من قبل”.

كما تحدث عن الدقة الهندسية لبناء السد والمعابد القديمة، مشيراً إلى أن هذه المعالم كانت “شهادة حية” على عظمة الحضارة اليمنية.

أثر الرحلة على الفهم الغربي

رحلة أرنو لم تكن مجرد حدث علمي عابر، بل كانت نقطة تحول في فهم التاريخ اليمني القديم.

فقد ساعدت النقوش التي اكتشفها في فتح آفاق جديدة لدراسة حضارة اليمن القديم، ومن خلال تفسير هذه النقوش، بدأ الغربيون في فهم أعمق لثقافة اليمن القديمة وموقعها ضمن السياق التاريخي الإقليمي.

ختاما: يظل إرث توماس جوزيف أرنو حيًا حتى اليوم في مجال الدراسات الأثرية. فبفضل جهوده، أصبح لدينا اليوم تصوراً أكثر وضوحاً عن تاريخ اليمن القديم ونظام الكتابة الحميرية.

وبينما كانت هذه الرحلة جزءاً من النشاط الاستعماري الفرنسي في المنطقة، إلا أنها أسهمت في الحفاظ على بعض من أروع آثار العالم العربي التي كانت مهددة بالزوال.

رحلة أرنو إلى اليمن تبقى شاهدًا على الرغبة البشرية في استكشاف الماضي وتوثيقه، وتذكيرًا دائمًا بأهمية الحفظ والبحث في الآثار التي تشهد على ماضي الشعوب وحضاراتها العريقة.

المراجع:

– صحيفة الجزيرة “السعودية”

– موقع: كتب التعليم

– مصادر عبر الانترنت

 

 سلسلة حلقات “المستشرقون واليمن”:

الحلقة الأولى: الألماني “نيبور” ورحلته إلى البلاد التي تحكمها التوازنات

الحلقة الثانية: “هاليفي” في رحلة استكشاف تاريخ اليمن تحت عباءة التسول

الحلقة الثالثة: رحلة البريطاني “برتون” إلى أرض النقوش والعادات الفريدة

الحلقة الرابعة: “ثيسيجر” الذي وجد أن السعادة الحقيقية في قلب الصحراء

الحلقة الخامسة: فيلبي “الحاج عبدالله” الذي ساهم في رسم ملامح الجزيرة العربية واليمن

الحلقة السادسة: “جلازير” النمساوي الذي ارتدى ثوب “التشيع” لنهب آثار اليمن

الحلقة السابعة: “مانزوني” في رحلة تكشف تطور صنعاء قبل عودة الإمامة إليها

الحلقة الثامنة: “فريا ستارك” في مهمة الاستكشاف والتجسس لصالح بريطانيا

الحلقة التاسعة: “جورج كولان” رحلة دبلوماسية واكتشاف اللهجات اليمنية

الحلقة العاشرة: الألماني “هولفريتز” في رحلة إلى اليمن من الباب الخلفي

الحلقة الحادية عشرة: الفرنسي “نيزان” والوجه المظلم للاحتلال البريطاني في عدن

الحلقة الثانية عشرة: “فيليبس” على رأس بعثة أمريكية إلى جوهرة الصحراء “مأرب

الحلقة الثالثة عشرة: رحلة ماكنتوش لتعلم “العربية” في البلد الأقرب للفصحى

الحلقة الرابعة عشرة: الألماني “بورخارت” الذي قاده شغفه باليمن إلى مقتله

الحلقة الخامسة عشرة: الألماني “هيرش” أول غربي يزور شبام حضرموت

الحلقة السادسة عشرة: “روبرت سرجنت” في مهمة دراسة الثقافة اليمنية

الحلقة

السابعة عشرة: جورج وايمان بري “جاسوس” بريطاني بعباءة مستكشف

الحلقة الثامنة عشر: رحلة الفرنسي “جان جاك بيربي” في البلاد المعزولة

الحلقة التاسعة عشرة: الألماني “سيتزن”: اكتشف اليمن ولم تُكتشف وفاته الغامضة في تعز

الحلقة العشرون: “لانجر”: مهمة علمية انتهت بترحيل 22 نقشاً حميرياً إلى فيينا

الحلقة

الحادي والعشرون:“فارتيما”.. أقدم قصة تجسس لصالح البرتغال في اليمن

مرتبط

الوسوم

المستشرقون واليمن

نسخ الرابط

تم نسخ الرابط


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل: ترمب يفاجئ الجميع ويعلن قبل قليل مقتل "أسوأ الأشخاص" في جماعة الحوثي ويوجه رسالة حادة لإيران "شاهد"

جهينة يمن | 2556 قراءة 

عاجل : الرئيس العليمي يفاجئ الجميع ويعلن رسمياً عن خارطة الطريق لليمن

جهينة يمن | 1456 قراءة 

شاهد صور جثة عبدالملك الحوثي بعد غارات هزت صعدة بانفجارات عنيفة

المرصد برس | 1043 قراءة 

معركة السعودية الجديدة مع الحوثيين

الناقد برس | 1037 قراءة 

رسمياً .. مليـ.ـشيا الحـ.ـوثي تقر بمصـ.ـرع كبار قيـ.ـاداتها العسـ.ـكرية في قصف أمريكي "أسماء"

صوت العاصمة | 977 قراءة 

صور تحت الأرض.. كشف أسرار مخابئ الحوثيين السرية التي تحمي قادتهم وأسلحتهم في صعدة

نافذة اليمن | 957 قراءة 

الصواريخ تدك أماكن اختباء عبدالملك الحوثي في صعدة.. مستجدات

نافذة اليمن | 815 قراءة 

عاجل: ترمب يعلن مقتل ”أسوأ الأشخاص” في جماعة الحوثي ويوجه رسالة حادة لإيران

المشهد اليمني | 776 قراءة 

بينهم الرزامي وحميد الدين.. جماعة الحوثي تعترف بمقتل قيادات عليا بالغارات الأمريكية .. الأسماء

العاصفة نيوز | 728 قراءة 

واشنطن: الحوثيون يحكمون بالاستبداد.. وعملياتنا تستهدف قدراتهم العسكرية

حشد نت | 724 قراءة