قال وزير الدفاع (بيت هيغسيث) لقناة فوكس نيوز في عطلة نهاية الأسبوع الماضية إن الجيش الأمريكي شن عملياتٍ ضد الحوثيين في اليمن لأن "السفن لم تتمكن من العبور لأكثر من عام دون أن تتعرض لإطلاق النار." وأضاف أنه في ديسمبر/ كانون الأول تقريبًا (دون تحديد تاريخ دقيق)، "أرسلنا سفينة عبرت، و تعرّضت لإطلاق النار 17 مرة."
لكن مصادر عسكرية تحدثت لموقع Military.com أعربت عن استغرابها، حيث إنها على علم بهجومين فقط في ديسمبر/ كانون الأول استهدفا سفينة تجارية وسُفنًا حربية أمريكية، لكن "الذخائر المستخدمة لا يبدو أنها تصل إلى 17 قذيفة." ولم تحدث أي هجمات أخرى بعد ذلك، حتى 16 مارس/ آذار، عندما أطلق الحوثيون صواريخ وطائرة مُسيّرة على حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس هاري ترومان في البحر الأحمر ردًا على الغارات الجوية الأمريكية في 15 مارس/ آذار، لكن تم اعتراضها.
وأشار الصحفي (كونستانتين توروبين) إلى أنه، حتى يوم الخميس، "لم يقدم البنتاغون وإدارة ترامب بعد تفسيرًا واضحًا لما دفع إلى استئناف العمليات ضد الجماعة المتمردة المدعومة من إيران بعد شهور من الهدوء النسبي في البحر الأحمر." وعندما طلب توضيحًا، تم توجيهه إلى التصريحات العلنية التي أدلى بها ترامب ومسؤولون آخرون، لكنها لم تكن واضحة بما يكفي.
وذكر مسؤولون في وزارة الدفاع لموقع Military.com أن الحملة الجوية قد تستمر "لمدة شهر أو نحو ذلك"، وأن هناك "ترددًا أقل في الامتناع عن ضرب الأهداف بناءً على الخسائر البشرية المحتملة." كما أكدوا أن هناك "نهاية واضحة لهذه العمليات." لكن، كما أشار توروبين، لم يفصح المسؤولون الذين تحدث معهم عن "الأهداف المحددة التي يسعون إلى تحقيقها."
بدأت الغارات الجوية الأمريكية باستهداف البنية التحتية للحوثيين في اليمن خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، لكنها الآن تدخل يومها السادس، حيث تضرب العاصمة صنعاء والمناطق السكنية، وفقًا للتقارير. وأسفرت الضربات الأولية عن مقتل "عشرات الأشخاص"، كما وردت أنباء عن سقوط ضحايا مدنيين، لكن وسائل الإعلام الرئيسية تبدو وكأنها تفتقر إلى أي معلومات حول ذلك.
وكان الحوثيون قد تعهدوا باستئناف هجماتهم على السفن المرتبطة بإسرائيل بعد أن قامت الأخيرة بكسر وقف إطلاق النار مع حماس الأسبوع الماضي، واستأنفت عملياتها العسكرية وقصفها لقطاع غزة، مشددة على أنها لن توقف عملياتها إلا إذا سلمت حماس رهائنها. وخلال الأيام القليلة الماضية، قُتل نحو 500 فلسطيني في غزة.
وفي غضون ذلك، أفادت التقارير بأن صاروخًا واحدًا أطلقه الحوثيون تم اعتراضه أمس أثناء توجهه نحو إسرائيل.
من جانبه، تعهد ترامب بـ"إبادة" الحوثيين وربط كل تحركاتهم بإيران. أما البنتاغون، فقد صرح بأن "إرهابيي الحوثي أطلقوا منذ عام 2023 أكثر من 170 صاروخًا ومُسيّرة هجومية باتجاه السفن الحربية الأمريكية، و145 صاروخًا ومُسيّرة أخرى ضد السفن التجارية." لكن المتحدث لم يذكر أن الغالبية العظمى من هذه الهجمات تم إحباطها قبل أن تتسبب بأي أضرار، كما لم يسفر أي من هذه الهجمات عن إصابة أو مقتل أمريكيين أو غيرهم. (مع الإشارة إلى أن الحوثيين احتجزوا طاقم سفينة تجارية استولوا عليها لمدة 14 شهرًا، لكنهم أفرجوا عنهم في يناير/ كانون الثاني. ولا يقلل أحد من معاناتهم).
علاوة على ذلك، تسببت هجمات الحوثيين في اضطرابات اقتصادية، حيث تعرضت بعض السفن التجارية لأضرار في حالات محدودة، وتم إعادة توجيه مسارات الشحن العالمية، التي ترتبط في الغالب بالتجارة الأوروبية، بعيدًا عن المنطقة. وتقول واشنطن بوست إن صناعة الشحن لا تخطط للعودة إلى طرق البحر الأحمر في أي وقتٍ قريب، لكنها "تكيفت إلى حد كبير مع الاضطرابات، بل وحققت أرباحًا من ارتفاع أسعار الشحن."
وترى المحللة العسكرية في Defense Priorities )جينيفر كافاناغ)، أن "حرية الملاحة" تمثل مصلحة أساسية للولايات المتحدة عندما تؤثر الاضطرابات على أمنها الاقتصادي، لكن في هذه الحالة، الأمر ليس كذلك.
وتوضح قائلة: "أولًا، المصالح الحيوية والأمن الاقتصادي للولايات المتحدة ليسا في خطر في البحر الأحمر، حتى لو استمرت هجمات الحوثيين. ثانيًا، لم تنجح العمليات العسكرية الأمريكية في ردع الحوثيين أو إضعافهم بشكل ملموس، ومن غير المرجح أن تفعل ذلك مستقبلًا، حتى لو وسّع ترامب قائمة الأهداف."
ومع ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة مصممة على خوض هذه الحرب بمفردها، وتنفق موارد ليست بلا حدود (أكثر من مليار دولار على العمليات ضد الحوثيين منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023) دون تفويض من الكونغرس أو أي رقابة واضحة على الإطلاق، في وقت تبدو فيه واشنطن منشغلة تمامًا.
واللافت أن ترامب يكاد يتعهد بـ"صبّ الجحيم" على دولة أخرى (اليمن) لتدمير جماعة مسلحة (الحوثيين)، على غرار تعهد الحكومة الإسرائيلية بقصف غزة بلا هوادة للقضاء على حماس. وكتب ترامب على Truth Social: "لقد ألحقنا دمارًا هائلًا ببرابرة الحوثيين، وشاهدوا كيف سيصبح الوضع أسوأ تدريجيًا—إنها ليست معركة متكافئة، ولن تكون كذلك أبدًا، سيتم القضاء عليهم تمامًا!"
لطالما شكك المحللون، نظرًا لقدرات وتكتيكات حرب العصابات التي تتبعها كل من حماس والحوثيين، في إمكانية تحقيق أهداف "التدمير" دون الإضرار الشديد بالسكان المدنيين في كل من غزة واليمن، واستنزاف موارد ومصداقية الدول الأكثر قوة.
و في يونيو/ حزيران 2024، قال المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، الأدميرال (دانيال هغاري)، "الفكرة القائلة بإمكانية تدمير حماس، بجعلها تتلاشى، هذا مجرد تضليل للرأي العام." لاحقًا، قامت الحكومة "بتوضيح" تصريحاته، لكن ما قاله ثبتت صحته إلى حد بعيد.
مهما كان السبب وراء تصعيد وزارة الدفاع الأمريكية بقيادة هيغسيث، فمن الأفضل أن تأخذ في الاعتبار العواقب قصيرة وطويلة الأمد، بما في ذلك الضغط على الجيش الأمريكي المنهك بالفعل، والأزمة الإنسانية وعدم الاستقرار الذي ستخلفه الضربات الجوية على اليمن بعد "شهر أو نحو ذلك." وإذا لم يكن ذلك سببًا كافيًا، فماذا عن الخطر الدائم الذي تتعرض له البحرية الأمريكية؟ ولأجل ماذا؟ من أجل تكاليف الشحن؟ من أجل إسرائيل؟ لإرسال "رسالة" إلى إيران، التي ربما لم يعد لها سيطرة فعلية على الحوثيين أصلًا؟
ربما يكون هذا الثمن باهظًا للغاية، ومن الأفضل الاحتفاظ بالقدرات العسكرية للمخاطر الحقيقية التي تهدد الأمن القومي والمصالح الأمريكية في المستقبل.
لقراءة المادة من موقعها الاصلي:
https://responsiblestatecraft.org/us-airstrikes-yemen/
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news