في كل عام، ومع بداية موسم رمضان، تكتظ شاشات التلفاز بالمسلسلات اليمنية التي تزايدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، والتي يدَّعي منتجوها أنها تعكس الواقع الاجتماعي اليمني. لكن، بدلاً من أن تحمل هذه الأعمال رسائل توعوية أو تحاول معالجة القضايا الاجتماعية بنظرة نقدية عميقة، نجد أن العديد من هذه المسلسلات تميل إلى معالجة الانحرافات السلوكية والنفسية والاجتماعية بطريقة مبتذلة وسطحية. هؤلاء القائمون على هذه الأعمال يزعمون أنهم يسعون إلى علاج هذه الانحرافات وتوضيح آثارها، إلا أن الواقع يكشف عن نقيض ذلك تمامًا.
تُعرض هذه المسلسلات في وقت يعتبر فيه كثير من المتابعين أن الفن أصبح وسيلة من وسائل الترفيه الساذج الذي يفتقر إلى الرسالة البناءة. فعلى الرغم من ادعاء صناع المسلسلات أنهم يلامسون هموم المجتمع ويُظهرون معاناته، نجد أن جل هذه الأعمال تركز على جوانب هشة وسطحية من الحياة، لا تزيد الواقع إلا تعقيدًا، بل تُساهم في نشر مفاهيم سلبية تؤثر في الوعي الجمعي للمشاهد.
في هذا السياق، يذهب بعض محبي هذه الأعمال إلى المقارنة بينها وبين المسلسلات الأجنبية، معتبرين أن المسلسل اليمني هو الأفضل على الرغم من مستواه المتواضع. ففي نظرهم، فإن “التقدم” يتجسد في مشاهد تظهر فيها المرأة بلباس النوم في غرفة النوم، أو الرجل في صورة هزيلة وملابس متسخة وأسنان سوداء. هذا النوع من “التطور” ليس إلا إهانة للذوق العام وتهديدًا للقيم المجتمعية التي تربينا عليها. أما ما يهم المنتجين والمروجين لهذه الأعمال، فيبقى في النهاية هو عدد المشاهدات وتحقيق الأرباح، دون أدنى اهتمام بالفكرة أو المضمون.
الأمر الأكثر غرابة في هذه الظاهرة هو أن أنصار هذه المسلسلات، ومن بينهم بعض الممثلين أنفسهم، يقومون بالهجوم على كل من ينتقد هذه الأعمال أو يرفضها، متهمين المنتقدين بممارسة “النقد السلبي” بحجة أنهم “لا يتابعون المسلسلات”. في سعيهم لإسكاة الأصوات المعارضة، يكررون أن هذه الأعمال هي مجرد تصوير للواقع ويجب تقبلها على هذا النحو. لكن في الواقع، فإن هذا التبرير هو محاولة للتهرب من المسؤولية الفنية والاجتماعية التي يجب أن يتحملها الفنان والإعلام بشكل عام.
لا بد من طرح سؤال مهم: كيف يشعر الأب أو الأخ أو الزوج أو الابن عندما يرى أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته وهي تتقمص دور عاشقة أو حبيبة أو زوجة، تظهر بملابس المنزل وتتحرك بأسلوب يتنافى مع العادات والتقاليد؟ أليس هذا تطبيعًا لصورة مشوهة للمرأة، ويعكس خللاً في تصور الفن لدوره في بناء القيم؟
وبالحديث عن العاملين في هذا المجال، نجد أن العديد من الممثلات اليمنيات هنَّ من المطلقات، مما يثير تساؤلات حول كيفية اختيارهن لهذا النوع من الأعمال. هل يعكس ذلك حقيقة الحاجة المادية التي تدفعهن للمشاركة في هذه المسلسلات التي تروج لسلوكيات مناقضة للقيم الأسرية والاجتماعية؟ أم أن هذه الظاهرة تندرج ضمن الواقع الذي فرضه الإعلام غير المسؤول، حيث تُعرض الممثلات في أدوار تسيء إليهن وإلى الجمهور على حد سواء؟
إن السبب الرئيس وراء هذا الانحراف في بعض الأعمال الدرامية اليمنية يكمن في غياب المضمون الحقيقي. المسلسلات التي تحاول تسليط الضوء على الانحرافات الاجتماعية أو الأخلاقية، غالبًا ما تكون خالية من الرؤية العميقة أو العلاج الجاد لهذه القضايا. وإنما يقتصر دورها على تصدير صورة مشوهة للواقع، بحيث تضعف الوازع الديني والأخلاقي في المجتمع وتساهم في نشر الفساد الثقافي.
لكن يبقى أن نذكر بعض الأسباب التي تؤدي إلى هذه الانحرافات في الأعمال الفنية: ضعف الوازع الديني، الفقر، الفراغ، فساد البيئة، الإسراف في المال، تأثر الأفراد بالأصدقاء السيئين، والتأثير السلبي للإعلام، إضافة إلى انتشار الأفكار العلمانية التي تُبعد المجتمع عن قيمه الدينية والأخلاقية.
أما العلاج لهذا الوضع المتردي، فيجب أن يبدأ من الأسرة، المدرسة، المسجد، والإعلام الإسلامي. نحن بحاجة إلى صناعة دراما تحمل رسائل إيجابية، تساهم في بناء وعي مجتمعي سليم وتلعب دورًا توعويًا بعيدًا عن الاستغلال التجاري. بدلاً من عرض مسلسلات مبتذلة، ينبغي أن نركز على الأعمال التاريخية والفكرية التي تروج لقيم الانتماء الوطني، وتُحيي تاريخ أبطالنا الذين سطروا ملاحم من النضال والتضحية، كالشديدي والوائلي والذيباني وغيرهم من الشخصيات التي لا بد أن تكون قدوة لأجيالنا المقبلة.
المسلسل هو أداة قوية يمكن أن تبني أو تهدم، وتستطيع أن تقدم للجيل الجديد رسائل تحفزه على الفخر بقيمه وموروثه الثقافي. وفي هذا السياق، نحتاج إلى أعمال تعزز من العقيدة العسكرية، ورفع المعنويات الوطنية، وتسلط الضوء على البطولات التي يستحق أبطالها التقدير والتكريم.
أخيرًا، لا بد من توجيه الشكر والتقدير لبعض القنوات الفضائية اليمنية والفنانين الذين حافظوا على رسالة الفن الهادفة. نخص بالذكر الفنانين محمد الحاوري ومحمد الأضرعي، اللذين حملوا هم الوطن في قلوبهم، ووجّهوا أعمالهم الفنية بشكل فكري وثقافي وسياسي، مشبعين رسالتهم بالوعي الوطني والاهتمام بقضايا المجتمع. لهما ألف تحية، ولأمثالهما من الفنانين الذين يساهمون في بناء الوعي وتعزيز القيم الوطنية.
كما يجب أن نؤكد على أهمية فضح الحقائق المتعلقة بالميليشيات الحوثية وحقدها الدفين وفكرها الظالم، وما تقوم به من انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان في مختلف أنحاء البلاد. لا بد من أن يتم تسليط الضوء على هذه الجرائم بشكل جاد، وأن تواصل وسائل الإعلام والفن دورها في مواجهة هذه الانتهاكات وكشف الحقيقة أمام العالم، من أجل الحفاظ على حقوق الشعب اليمني وحرياته.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news