رمضان بلا روح.. كيف تلاشت مظاهر الشهر الكريم في ظل حكم الحوثيين؟
برّان برس - خاص:
اعتاد اليمنيون على مدى العقود السابقة استقبال رمضان بأجواء وطقوس خاصة ومميزة، تمتلئ خلالها الأسواق بالحركة، وتزدان الشوارع، فيما تزدحم الجولات الرئيسية بالمسافرين العائدين إلى قراهم لقضاء الشهر بين ذويهم، ويحاولون تصفير مشاكلهم أو على الأقل تجميدها كمحاولة للعيش دون صخب، وهي مظاهر كانت تُضفي على رمضان طابعه الفريد والمميز.
لكن هذه العادات والطقوس تلاشت كثيرًا واختفت في مناطق سيطرة الحوثيين بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي خلفتها حروب الجماعة المدعومة من إيران، والتي قضت على هذه الأجواء كما قضت على غيرها من مظاهر الروحانية والفرح والبهجة برمضان، وأحلت محلها صمتًا ثقيلًا يعكس حجم التحولات التي طرأت على هذا الشهر تحت حكم الجماعة.
واعتاد اليمنيون سنويًا في الأسبوع الأخير من شعبان ترديد عبارة مأثورة تسمعها في كل مكان: "يا نفس ما تشتهي"، في إشارة إلى التمتع بمزايا الأكل والشرب قبل القيود التي يفرضها الصوم في رمضان، ودعوة إلى الابتهاج وإكرام النفس والأهل استعدادًا نفسيًا للشهر الكريم.
لكن هذه العادة تلاشت مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، حيث بات شراء التمور أو الاحتياجات الرمضانية عبئًا كبيرًا. يقول محمد مهيوب، وهو أب لأربعة أطفال في صنعاء: "رمضان لم يعد كما كان.. في السابق كانت الاستعدادات تبدأ من شعبان، الناس يخرجون للأسواق، المحلات تتزين، والأناشيد تصدح من المحلات والبيوت.. هذا لم يعد موجودًا".
ووفقًا لتقارير اقتصادية، انخفضت مبيعات الأسواق بنسبة 60% مقارنة بالأعوام السابقة، بينما ارتفعت أسعار بعض السلع بنسبة 70%. ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فإن 3% فقط من السكان في مناطق الحوثيين يتقاضون رواتب منتظمة، بينما يعتمد 54% على العمالة المؤقتة، مما يفسر التدهور الحاد في القدرة الشرائية.
في المقابل، يفرض الحوثيون جبايات على التجار، ما يزيد الأوضاع سوءًا، بينما تعاني المشاريع الصغيرة من ضرائب مرهقة، وتراجع العمل الموسمي، خاصة في بيع المأكولات الرمضانية، نتيجة الأزمة الاقتصادية، فيما تقلصت تحويلات المغتربين بسبب القيود الحوثية على سوق الصرف.
الزيادة الوحيدة إلى جانب زيادة أسعار السلع، بحسب مواطنين، هي في عدد المتسولين الذين تكاثروا "بشكل مخيف"، لا سيما من النساء والأطفال، في ظل غياب الدعم الخيري الذي استهدفته الجماعة عبر مصادرة المؤسسات الخيرية وتقييد الأنشطة الإغاثية، فاختفت مشاهد توزيع السلال الغذائية في الأحياء، وحتى مشهد توزيع التمور والمياه على الصائمين قبيل الإفطار في الشوارع.
أما الضيافات والعزائم التي كانت تجمع العائلات، وضيافات السياسيين والتجار، فقد اختفت تقريبًا، وبات رمضان شهرًا بلا خصوصية اجتماعية، كما تقلصت حركة السفر من المدن إلى الأرياف بسبب تراجع الدخل وانعدام الفرص. يقول ناصر غيثان، معلم تحول إلى عامل بناء بعد انقطاع راتبه: "تمر أعوام على بعض العمال دون أن يعودوا لقراهم".
لم يقتصر تأثير الحوثيين على الاقتصاد، بل امتد إلى الروحانية، حيث أصبحت صلاة التراويح هدفًا للقيود الحوثية. فُرض بث خطابات زعيم الجماعة عبر مكبرات الصوت في المساجد، وفي وقت متداخل مع الصلاة، وأُجبر المصلون على الاستماع إليها، بينما حُوّلت بعض المساجد إلى أماكن لتجمعات القات، وتم منع بعض الأئمة من إلقاء الخطب أو حتى إغلاق مساجدهم.
وفوق ذلك، تحوّل رمضان في مناطق سيطرة الحوثيين إلى مناسبة حزينة، ليس فقط بفعل التدهور الاقتصادي والاجتماعي، بل أيضًا بسبب المجازر التي شهدتها البلاد خلال هذا الشهر، مثل مجزرة حي الحفرة في البيضاء العام الماضي، حين فجرت الميليشيا منازل على رؤوس ساكنيها، وأوقعت العشرات بين قتيل وجريح، ومجزرة تدافع الفقراء أمام بوابة موقع يوزع فيه فاعل خير معونات رمضانية بصنعاء في 2023، حيث سقط أكثر من 200 قتيل وجريح.
بفعل كل ذلك، تحوّل رمضان في مناطق سيطرة الحوثيين إلى شهر بلا روح، فاقدًا لنكهته الروحانية والاجتماعية والاقتصادية، وحلّت الأزمات والقيود والقمع محل الفرح والتكافل، وانطفأ وهج الشهر الكريم، ليصبح رمضان في ظل الحوثيين مجرد انعكاس لمعاناة اليمنيين المتزايدة يومًا بعد يوم.
رمضان
اليمن
انتهاكات الحوثيين
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news