عدن توداي
بقلم الدكتور قاسم الهارش.
في ظل الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها اليمن أصدرت الحكومة تعميما يلزم المسؤولين بالبقاء في العاصمة المؤقتة عدن وعدم مغادرتها إلا بإذن مسبق. هذه الخطوة تعكس محاولة جادة لفرض الانضباط الإداري والسياسي، وتعزيز السيطرة على مؤسسات الدولة خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة. لكن يبقى التساؤل هل يمكن للحكومة فرض هذا القرار بآليات رقابية واضحة أم أنه قد يواجه نفس مصير العديد من القرارات التي بقيت حبرا على ورق؟
مقالات ذات صلة
عاجل: انفجار في كريتر وسقوط ضحايا
حملة أمنية لتنظيم السوق وحركة السير في لودر بأبين
أما من الناحية السياسية يمثل هذا التعميم خطوة لتعزيز مركزية القرار ومنع التراخي الإداري أو التهرب من المسؤوليات. إذ إن غياب المسؤولين عن العاصمة دون إذن قد يعني ضعفا في أداء الحكومة وغياب سلطة القرار الفوري في لحظات حرجة. كما أنه يعكس رغبة الحكومة في الحد من ظاهرة العمل عن بعد أو اتخاذ قرارات غير متصلة بالواقع الفعلي.
هذه السياسة رغم ضرورتها تثير تساؤلات حول مدى مرونة تطبيقها خصوصا في ظل انقسام السلطة وتعدد مراكز القرار في المشهد اليمني. هل سيتم الالتزام بها من قبل جميع المسؤولين؟ أم ستظهر استثناءات قد تضعف فعاليتها؟
من الناحية العسكرية يعكس القرار أهمية تعزيز الاستقرار الأمني في العاصمة المؤقتة عدن حيث إن وجود الوزراء والمسؤولين داخل العاصمة يضمن سرعة اتخاذ القرارات الأمنية والتعامل مع المستجدات بشكل أكثر فاعلية. كما أنه يحد من التحركات الفردية التي قد تؤثر على التوازن السياسي والعسكري القائم.
لكن تبقى هناك تحديات تتعلق بإمكانية تطبيق القرار على الجميع دون استثناءات خصوصا في ظل التباين في النفوذ السياسي والعسكري لمختلف القوى الفاعلة.
الجانب الاقتصادي يتوقع أن يسهم القرار في تحسين كفاءة الإدارة الحكومية حيث يضمن بقاء المسؤولين بالقرب من الواقع الاقتصادي المتدهور ما يجعلهم أكثر قدرة على اتخاذ قرارات مستندة إلى معطيات حقيقية. فمن الصعب معالجة الأزمات المعيشية في بلد يعاني من انهيار العملة وارتفاع الأسعار دون وجود القيادات في موقع المسؤولية لمتابعة التنفيذ بشكل مباشر.
رغم أهمية التعميم نظريا إلا أن نجاحه يعتمد على مدى التزام المسؤولين بتطبيقه ومدى قدرة الحكومة على فرضه بآليات رقابية واضحة. التجارب السابقة أثبتت أن بعض الإجراءات الحكومية تظل حبرا على ورق إذا لم تدعم بآليات تنفيذ صارمة، مثل الرقابة الصارمة والعقوبات الواضحة لمن يخالف القرار.
لذلك، فإن نجاح التعميم لا يكمن فقط في إصداره بل في مدى قدرة الحكومة على إلزام الجميع بتنفيذه دون استثناءات وضمان عدم تحوله إلى مجرد إجراء فقط.
يمثل التعميم الحكومي خطوة في الاتجاه الصحيح نحو ضبط الأداء الحكومي وتعزيز الانضباط داخل مؤسسات الدولة. لكنه يبقى اختبارا لقدرة الحكومة على فرض سياساتها بفعالية. في ظل التعقيدات السياسية والأمنية في البلاد، يبدو أن أي خطوة نحو التنظيم والصرامة في الأداء الحكومي لم تعد مجرد خيار، بل أصبحت ضرورة ملحة.
لكن يبقى التحدي الأهم هل سيكون هذا القرار جزءا من إصلاحات حقيقية وشاملة أم أنه مجرد إجراء مؤقت سرعان ما يتم تجاوزه كما حدث مع العديد من القرارات السابقة؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news