سوريا بين حكم جديد وتحديات قديمة

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 101 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
سوريا بين حكم جديد وتحديات قديمة

خطوة بعد خطوة وآخرها الإعلان الدستوري المسلوق مثل طبخة مستعجلة، جميعها تدعو السوريين إلى مغادرة حالة الفرح بسقوط النظام القاسي والالتفات إلى الورثة الجدد وبدء مرحلة نضالية مختلفة لا بد منها، بعد أن أكد مضمون الإعلان الدستوري نزعة واضحة من قبل مجموعة بعينها للاستئثار بالسلطة وفرض نمطها على حساب التنوع السوري.

الأكثر إثارة للدهشة هو تجاهل الشرع ومجموعته الاتفاق الذي تم توقيعه حديثاً مع الأكراد، في خطوة تعكس سرعة التحول في المواقف السياسية للإدارة الجديدة وثقتها بخطة عمل يبدو أنها تحظى بالرعاية والتخطيط المسبق لكافة مراحلها، بما فيها التمكين الدستوري والتأصيل المؤسسي لحق تيار أدلب في (أدلبة) المشهد السوري بالكامل.

الإشكالية في المشهد السوري منذ سقوط نظام الأسد أن الحجة التي يرددها المدافعون عن الوضع الجديد تتأسس على إكليشة أن مساوئ النظام الحالي لن تصل أبداً إلى مستوى فظائع النظام السابق، وهنا يطرح سؤال جوهري: هل على السوريين وغيرهم القبول بهذا المنطق وشرعنة أي مستوى من سوء الإدارة والحكم لمجرد أنه “أقل سوءاً” من الأنظمة الساقطة، ولماذا القبول لأي درجة من درجات السوء من الأساس؟

الأخطر من ذلك هو الافتراض بأن المساوئ الحالية لن تتطور وتتفاقم مع مرور الوقت، مع أن الإعلان الدستوري الجديد يمنح الرئيس صلاحيات مطلقة خلال فترة انتقالية تمتد لخمس سنوات، وهي فترة كافية لترسيخ نظام استبدادي أشد ضراوة قد يتجاوز في ممارساته النظام السابق، وهذه المرة ربما يرفع الحكام الجدد المصحف في وجه المعارضين والتحجج بالأغلبية.

يبدو أن رأسمال الإدارة الجديدة في سوريا يتمثل في عاملين رئيسيين: أولهما مساوئ النظام السابق التي تجعل أي بديل يبدو مقبولاً، وثانيهما الرغبة والمساعي الخارجية لحرمان إيران من نفوذها في سوريا ولبنان في وقت واحد. وأمام هذه الرغبة الإقليمية والدولية، يُسمح للإدارة الجديدة بفرض ما تشاء على الداخل السوري، مستعينة بتراث طويل من القهر والقبول الشعبي المضطر بأي مصادرة للحق في المشاركة السياسية مقابل تحسين الوضع الاقتصادي.، وفي هذا المحور نلاحظ أن هناك مراهنة واضحة على تحسين الملف الاقتصادي كوسيلة لدعم الإدارة الجديدة وإضعاف الأصوات المعارضة لها، خاصة بعد أن عانى الشعب السوري من أوضاع معيشية وأمنية صعبة وعنف وتشتت لسنوات طويلة.

تراهن الإدارة السورية الجديدة أيضا على سلسلة من “الهدايا” التي تقدم لها كمنعشات ومغذيات لا تتوقف، من الدعم المفاجئ والمساند لدخول كافة المدن في الانتصار المخطط له الذي انتهى بدخول دمشق، إلى ترتيب المجتمع الدولي والإقليمي حملة علاقات عامة واسعة لتجميل صورة القادمين الجدد لحكم سوريا، ابتداء بمقابلة شبكة سي إن إن مع الشرع وغيرها من وسائل الإعلام التي استمرت في تحسين صورة القائد الجديد، ولم تهدأ هذه الحملة الإعلامية المساندة حتى بعد الانتهاكات والأعمال الوحشية التي حدثت في الساحل السوري بمبرر مواجهة فلول النظام السابق، ومحاولة الإدارة الجديدة التغطية عليها باتفاق مفاجئ مع الأكراد لم يتوقعه أحد وكان بمثابة هدية إضافية للنظام الجديد.

وثمة توجه واضح لتمرير خطوات شكلية سريعة بدأت بتشكيل حكومة أعادت مجموعة إدلب ووضعتها على رأس حكومة لعموم سوريا، إلى إطلاق الحوار الوطني، وصولاً إلى تشكيل لجنة صياغة الإعلان الدستوري، ثم إقرار الإعلان الدستوري في وقت قياسي. كل هذه الخطوات تمت بسرعة فائقة ولم تأخذ حقها من النقاش والدراسة، وتبدو القرارات كأنها جاهزة سلفاً بيد الإدارة الجديدة التي تجلس إلى طاولة لا تقبل النقاش أو الجدال أو الأخذ والرد.

لا نعلم حتى الآن ماذا سيقول الداعمون للإدارة الجديدة للأكراد بعد توقيع الإعلان الدستوري الذي يجعل من سوريا خلال الفترة الانتقالية دولة اللون الواحد والزعيم الأوحد، ولا أحد يضمن ماذا بعد السنوات الخمس، فما أسهل أعذار المستبدين لتجديد الفترات الانتقالية.

على الجانب الآخر يبقى اعتراض الدروز ومن الواضح أنهم ضعفاء وفقدوا أي مشروعية للاعتراض بعد ظهور صوت (إسراعيييل) على الخط عندما لوحت بأنهم “خط أحمر”، وبالتالي فإن تهديدهم باللجوء إلى مسار مختلف يبدو غير محمي وغير مقبول ولا يحظى بتأييد واسع، ومن المرجح أن يعثر داعمو الإدارة الجديدة على من يزاحم شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز بتأييد الإدارة السورية في دمشق وإظهار انقسام درزي يفرز بين “درزية وطنية” و”درزية خائنة”.

ما يدركه المتابع أن الإدارة الحالية في سوريا تتبع منهجية فرض الأمر الواقع في كل خطوة ومرحلة من مراحل تأسيس حكمها، فهي إدارة لا تخشى أي طرف داخلي، فمنذ بداية تحركها نحو دمشق تتصرف بثقة مفرطة في قدرتها على الاستمرار وفق مسار مرسوم سلفاً، لا يقبل إعادة الصياغة ولا تجدي معه الاعتراضات أو الانتقادات من مختلف الأطراف السورية.

لكل ما سبق أعتقد أن أمام السوريين واجب النضال من جديد على جبهات مدنية وحقوقية متعددة، بحيث يركز النضال على تثبيت حضور قوي لصوت المجتمع المدني وانتزاع الحق في الحرية والتعبير والمشاركة الفعلية في ضمان الخروج بدستور لا يؤسس للاستبداد والاقصاء، ورفض أي محاولات لفرض قوانين تتصادم مع تنوع المجتمع السوري وحاجته لدولة مدنية حديثة تحتضن جميع السوريين، بعيداً عن مفاهيم الأغلبية والأقلية التي تكرس الانقسام. وفي النهاية كل المؤشرات تخبرنا أن النضال من أجل سوريا حرة لم ينته بعد، بل ربما يكون قد دخل مرحلة جديدة أكثر تعقيداً.

هامش:

أشكال التدخل في الشأن السوري متنوعة، ولكل متدخل دوافعه وأهدافه الخاصة، لكن بوسع السوريين الحكماء التمييز بين من يسعى لنجاح التجربة السورية الجديدة ومن يعمل على إفشالها، وهذا التمييز ضروري جدا فليس كل من يتناول الشأن السوري حاقد. وحتى لا يتطاول أحد علينا بالقول إن على كل عربي الانشغال بشؤون بلده، أقول إن الشأن السوري يخص السوريين بالدرجة الأولى من حيث المبدأ، لكن التجارب التاريخية تعلمنا أن الخريطة العربية شديدة الترابط، وما يحدث في أي جزء منها ينعكس على باقي أجزائها كالحريق. فعندما تفرض جماعة ما سيطرتها في منطقة معينة فإن ذلك يشكل سابقة تبرر لجماعات أخرى تكرار النموذج نفسه في مناطق مختلفة، أو تثبيت هيمنة جماعات راديكالية موجودة بالفعل كما هو الحال في اليمن الذي اختطفت دولته وعاصمته جماعة تعتقد أنها على طريق الصواب وغيرها على ضلال!

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

المجلس الانتقالي الجنوبي يحسم أهم بنود اتفاق الرياض

صوت العاصمة | 1162 قراءة 

أول محافظ يتمرد ويصدر هذا التعميم لجميع المعسكرات والوحدات الأمنية!

يمن فويس | 1073 قراءة 

اول تحرك عقب رفع اسعار الصرف بعدن

كريتر سكاي | 848 قراءة 

السعودية تكشف اتفاقاً جديداً وتطالب قوات الانتقالي بمغادرة حضرموت والمهرة

نيوز لاين | 793 قراءة 

إطلاق نار كثيف عقب تحليق طيران في سماء عدن

كريتر سكاي | 752 قراءة 

عيدروس الزُبيدي: البيضاء عمق استراتيجي للجنوب ومكتسباتنا غير قابلة للمساومة

بران برس | 692 قراءة 

“سلطان العرادة” يشدد على الاستعداد لمواجهة أي تهديدات أو مخططات تستهدف استقرار البلاد

بران برس | 683 قراءة 

تحرك قوات عسكرية من عدن صوب حضرموت

كريتر سكاي | 675 قراءة 

موسكو تعرض مبادرة للتدخل ورعاية حل شامل في اليمن

عدن حرة | 604 قراءة 

تحول تاريخي في حضرموت.. قبائل المحافظة تعلن قيادة أمنية وعسكرية محلية

المشهد اليمني | 541 قراءة