سوريا بين حكم جديد وتحديات قديمة

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 32 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
سوريا بين حكم جديد وتحديات قديمة

خطوة بعد خطوة وآخرها الإعلان الدستوري المسلوق مثل طبخة مستعجلة، جميعها تدعو السوريين إلى مغادرة حالة الفرح بسقوط النظام القاسي والالتفات إلى الورثة الجدد وبدء مرحلة نضالية مختلفة لا بد منها، بعد أن أكد مضمون الإعلان الدستوري نزعة واضحة من قبل مجموعة بعينها للاستئثار بالسلطة وفرض نمطها على حساب التنوع السوري.

الأكثر إثارة للدهشة هو تجاهل الشرع ومجموعته الاتفاق الذي تم توقيعه حديثاً مع الأكراد، في خطوة تعكس سرعة التحول في المواقف السياسية للإدارة الجديدة وثقتها بخطة عمل يبدو أنها تحظى بالرعاية والتخطيط المسبق لكافة مراحلها، بما فيها التمكين الدستوري والتأصيل المؤسسي لحق تيار أدلب في (أدلبة) المشهد السوري بالكامل.

الإشكالية في المشهد السوري منذ سقوط نظام الأسد أن الحجة التي يرددها المدافعون عن الوضع الجديد تتأسس على إكليشة أن مساوئ النظام الحالي لن تصل أبداً إلى مستوى فظائع النظام السابق، وهنا يطرح سؤال جوهري: هل على السوريين وغيرهم القبول بهذا المنطق وشرعنة أي مستوى من سوء الإدارة والحكم لمجرد أنه “أقل سوءاً” من الأنظمة الساقطة، ولماذا القبول لأي درجة من درجات السوء من الأساس؟

الأخطر من ذلك هو الافتراض بأن المساوئ الحالية لن تتطور وتتفاقم مع مرور الوقت، مع أن الإعلان الدستوري الجديد يمنح الرئيس صلاحيات مطلقة خلال فترة انتقالية تمتد لخمس سنوات، وهي فترة كافية لترسيخ نظام استبدادي أشد ضراوة قد يتجاوز في ممارساته النظام السابق، وهذه المرة ربما يرفع الحكام الجدد المصحف في وجه المعارضين والتحجج بالأغلبية.

يبدو أن رأسمال الإدارة الجديدة في سوريا يتمثل في عاملين رئيسيين: أولهما مساوئ النظام السابق التي تجعل أي بديل يبدو مقبولاً، وثانيهما الرغبة والمساعي الخارجية لحرمان إيران من نفوذها في سوريا ولبنان في وقت واحد. وأمام هذه الرغبة الإقليمية والدولية، يُسمح للإدارة الجديدة بفرض ما تشاء على الداخل السوري، مستعينة بتراث طويل من القهر والقبول الشعبي المضطر بأي مصادرة للحق في المشاركة السياسية مقابل تحسين الوضع الاقتصادي.، وفي هذا المحور نلاحظ أن هناك مراهنة واضحة على تحسين الملف الاقتصادي كوسيلة لدعم الإدارة الجديدة وإضعاف الأصوات المعارضة لها، خاصة بعد أن عانى الشعب السوري من أوضاع معيشية وأمنية صعبة وعنف وتشتت لسنوات طويلة.

تراهن الإدارة السورية الجديدة أيضا على سلسلة من “الهدايا” التي تقدم لها كمنعشات ومغذيات لا تتوقف، من الدعم المفاجئ والمساند لدخول كافة المدن في الانتصار المخطط له الذي انتهى بدخول دمشق، إلى ترتيب المجتمع الدولي والإقليمي حملة علاقات عامة واسعة لتجميل صورة القادمين الجدد لحكم سوريا، ابتداء بمقابلة شبكة سي إن إن مع الشرع وغيرها من وسائل الإعلام التي استمرت في تحسين صورة القائد الجديد، ولم تهدأ هذه الحملة الإعلامية المساندة حتى بعد الانتهاكات والأعمال الوحشية التي حدثت في الساحل السوري بمبرر مواجهة فلول النظام السابق، ومحاولة الإدارة الجديدة التغطية عليها باتفاق مفاجئ مع الأكراد لم يتوقعه أحد وكان بمثابة هدية إضافية للنظام الجديد.

وثمة توجه واضح لتمرير خطوات شكلية سريعة بدأت بتشكيل حكومة أعادت مجموعة إدلب ووضعتها على رأس حكومة لعموم سوريا، إلى إطلاق الحوار الوطني، وصولاً إلى تشكيل لجنة صياغة الإعلان الدستوري، ثم إقرار الإعلان الدستوري في وقت قياسي. كل هذه الخطوات تمت بسرعة فائقة ولم تأخذ حقها من النقاش والدراسة، وتبدو القرارات كأنها جاهزة سلفاً بيد الإدارة الجديدة التي تجلس إلى طاولة لا تقبل النقاش أو الجدال أو الأخذ والرد.

لا نعلم حتى الآن ماذا سيقول الداعمون للإدارة الجديدة للأكراد بعد توقيع الإعلان الدستوري الذي يجعل من سوريا خلال الفترة الانتقالية دولة اللون الواحد والزعيم الأوحد، ولا أحد يضمن ماذا بعد السنوات الخمس، فما أسهل أعذار المستبدين لتجديد الفترات الانتقالية.

على الجانب الآخر يبقى اعتراض الدروز ومن الواضح أنهم ضعفاء وفقدوا أي مشروعية للاعتراض بعد ظهور صوت (إسراعيييل) على الخط عندما لوحت بأنهم “خط أحمر”، وبالتالي فإن تهديدهم باللجوء إلى مسار مختلف يبدو غير محمي وغير مقبول ولا يحظى بتأييد واسع، ومن المرجح أن يعثر داعمو الإدارة الجديدة على من يزاحم شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز بتأييد الإدارة السورية في دمشق وإظهار انقسام درزي يفرز بين “درزية وطنية” و”درزية خائنة”.

ما يدركه المتابع أن الإدارة الحالية في سوريا تتبع منهجية فرض الأمر الواقع في كل خطوة ومرحلة من مراحل تأسيس حكمها، فهي إدارة لا تخشى أي طرف داخلي، فمنذ بداية تحركها نحو دمشق تتصرف بثقة مفرطة في قدرتها على الاستمرار وفق مسار مرسوم سلفاً، لا يقبل إعادة الصياغة ولا تجدي معه الاعتراضات أو الانتقادات من مختلف الأطراف السورية.

لكل ما سبق أعتقد أن أمام السوريين واجب النضال من جديد على جبهات مدنية وحقوقية متعددة، بحيث يركز النضال على تثبيت حضور قوي لصوت المجتمع المدني وانتزاع الحق في الحرية والتعبير والمشاركة الفعلية في ضمان الخروج بدستور لا يؤسس للاستبداد والاقصاء، ورفض أي محاولات لفرض قوانين تتصادم مع تنوع المجتمع السوري وحاجته لدولة مدنية حديثة تحتضن جميع السوريين، بعيداً عن مفاهيم الأغلبية والأقلية التي تكرس الانقسام. وفي النهاية كل المؤشرات تخبرنا أن النضال من أجل سوريا حرة لم ينته بعد، بل ربما يكون قد دخل مرحلة جديدة أكثر تعقيداً.

هامش:

أشكال التدخل في الشأن السوري متنوعة، ولكل متدخل دوافعه وأهدافه الخاصة، لكن بوسع السوريين الحكماء التمييز بين من يسعى لنجاح التجربة السورية الجديدة ومن يعمل على إفشالها، وهذا التمييز ضروري جدا فليس كل من يتناول الشأن السوري حاقد. وحتى لا يتطاول أحد علينا بالقول إن على كل عربي الانشغال بشؤون بلده، أقول إن الشأن السوري يخص السوريين بالدرجة الأولى من حيث المبدأ، لكن التجارب التاريخية تعلمنا أن الخريطة العربية شديدة الترابط، وما يحدث في أي جزء منها ينعكس على باقي أجزائها كالحريق. فعندما تفرض جماعة ما سيطرتها في منطقة معينة فإن ذلك يشكل سابقة تبرر لجماعات أخرى تكرار النموذج نفسه في مناطق مختلفة، أو تثبيت هيمنة جماعات راديكالية موجودة بالفعل كما هو الحال في اليمن الذي اختطفت دولته وعاصمته جماعة تعتقد أنها على طريق الصواب وغيرها على ضلال!


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

صنعاء تحقق إنجازاً: أول نظام دفاع جوي عربي رابع عالمياً

المرصد برس | 857 قراءة 

في لقاء موسع.. طارق صالح: مأرب قلعة الجمهورية وستظل عصية على الانكسار

حشد نت | 697 قراءة 

طارق صالح يكرّم كتيبة المهام الخاصة ويؤكد: معركتنا مستمرة حتى دفن خرافة الولاية

حشد نت | 531 قراءة 

قرار سعودي جديد: إلزام الأجانب بزي موحد ومنع ارتداء الثوب التقليدي

المرصد برس | 505 قراءة 

سيغير مشهد المعركة .. امريكا تكشف عن تمكن الحو ثيين من تهريب هذا الأمر الخطير !

جهينة يمن | 491 قراءة 

تحركات غامضة تحت الأرض تثير الرعب.. ماذا يحدث في اليمن؟

جهينة يمن | 418 قراءة 

السعودية تعلن عن مشروع جديد يهدف إلى حل مشكلة الكهرباء في اليمن

المرصد برس | 386 قراءة 

عاجل : هذا ماحدث قبل قليل في المنطقة الفاصلة بين مناطق سيطرة الحوثي والشرعية بتعز "شاهد"

جهينة يمن | 356 قراءة 

قيادي ح وثي يهاجم حزب الإصلاح ويكشف عن سر خطير

كريتر سكاي | 339 قراءة 

ما هي أبرز الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة القادمة في اليمن؟

عدن حرة | 311 قراءة