في اعقاب ما جري في سوريا من قتل مروع و اعدامات لبعض المدينين السورين في الساحل تذكرت لقاء جمعني مع مجموعة من الشباب السوريين المعارضين لنظام الاسد كانوا ضمن فريق صحفي كنت اقوم بتدريبهم في مدينة غازي عنتاب بعد ان تعرضوا للتعذيب واستطاعوا الوصول الي تركيا في خريف عام 2014
جزء من مهامي التدريبة كان عن كيفية بقاء الصحفي علي الحياد حتي عندما تقترب الحرب منه و من عائلته و تصبح كتابة الخبر اصعب من ان يتحمله اي انسان خصوصا وهو يكتب عن أسرته و أصدقائه و رفقاء المدرسة الذين قتلوا و عذبوا و هجروا و حتي دفنوا احياء .
كان الحوار بينا صادقا وسرياليا في نفس الوقت . سألني احد الشباب وقتها ماذا لو كنت انت التي فقدت اخواتك او ابناك في سجون الاسد وشاهدت بأم عينك شبيحة النظام يعذبون اباك او امك حتي الموت , اليس من المنطق و العدل و الحق ان تريدي الانتقام ؟
جوابي كان لا, قلت له لن اسامح القتلة , لن اسامح المجرم و لن اتعايش معه فهذا يتطلب جهاد نفسي لن نستطيع كأناس عاديين تحمله فنحن لسنا بالقديسين, لكن ماذا سيفيدك الثأر من طفل او امرأة او رجل يقتلون لانهم ينتمون الي الطائفة العلوية , لماذا تحمل الاشخاص وزر نظام دموي قتل و عذب باسمهم . لم يقتنع بكلامي كثيرا و ظن ان الامر نظري بالنسبة لي و من السهل المحاضرة فيه و الحديث عن المثالية و الترفع من امان المقهى الذي كنا فيه في بلد لا حرب فيه ولا قتل و لا تعذيب .
النفس الانسانية بطبيعتها تريد الانتقام لكل من قام بأذيتها لذا التدرب علي كبح هذه العاطفة ليس بالسهل .
عشر سنوات مرت علي هذا الحديث, في حرب غزة عاد هذا الحوار ليختبرني شخصيا ,فقد فقدت اثني عشر فردا من افراد عائلتي و دمر منزل طفولتي و لم يبقي منه سوي اكوام من الاحجار تجلس صامتة علي شواطئ المتوسط , في الواقع لم يخطر ببالي ابدأ ان الانتقام او قتل اسرائيليين سيساعدني علي اجتياز هذا الالم اللانهائي .
عندما قرأت منشورا لاحد الاصدقاء السوريين و هو يرد علي شخص لا يريده انتقاد ما جري من عمليات القتل في جبلة و بنياس شعرت بالأسي و اكتشفت ان هذا الشخص الذي يروج للعنف الطائفي ضد الاقليات و بأبشع العبارات كان ضمن المجموعة التي كنت ادربها لكي يصبح في ذلك الوقت صحفي مهني يلتزم بمبادئ الصحافة و بالحياد قدر الامكان لان خدمة المجتمع تكون عبر نشر الحقيقة و الابتعاد عن الاخبار المزيفة و المضللة و بدون شك عدم الانخراط بالتحريض او حتى اغداء المدح علي القائد , اي قائد .
كنت سأقول له ماذا كان سيفيدني لو قتل الجندي الاسرائيلي الذي دمر بيتي و حرمتني من استعادة ذكريات طفولتي , هل قتله سيعيد بيتي او ابناء عمتي الابرياء الذين قتلوا بقصف علي بيوتهم في مناطق صنفت بالأمنة ؟ الجواب واضح عندي : لا
نظام الاسد حكم سوريا بقضبة حديدية و كان من اكثر الانظمة دموية , هل نحمل كل الاقليات التي لم تثور او بقيت صامتة ذنوب النظام ؟ هل عمليات القتل المروعة للمدنيين و لخيرة ابناء الطوائف غير السنية من اطباء و مدرسين و حتي معارضين سيبني سوريا الجديدة.؟
العنف لا يولد الا العنف و القتل لا يولد الا القتل والانتقام غريزة و كبح الغزيرة هو ترفع و نضوج و اخلاق . اذا كان العرف السائد هو العين بالعين فعالمنا سيبقي اعمي و ما احوجنا جمعيا الي النور .
فليحاكم الاسد و اركان نظامه و شبيحتة في محكمة العدل الدولية كمجرمي حرب فالمجرم يجب الا يفلت من العقاب و لكن ليست علي طريقة هولاكو و الا ما الفرق بينك و بين النظام وجهان دمويان لنفس العملة التي ستقودنا جميعا للهلاك ..
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news