أعد الحلقة لـ”واي دي” محمد العياشي:
في الحلقة العاشرة من سلسلة “المستشرقين واليمن” يعرض “يمن ديلي نيوز” رحلة استكشافية مثيرة قام بها “هانز هولفريتز”، الرحّالة والمصور الألماني الذي وثق جوانب الحياة في اليمن في أوائل القرن العشرين.
من خلال كتابه الشهير “اليمن من الباب الخلفي” يسرد هولفريتز تفاصيل معاناته وصراعاته أثناء تواجده في اليمن تحت حكم الإمام يحيى، بالإضافة إلى توثيقه للموسيقى الشعبية اليمنية التي كانت مجهولة في ذلك الوقت.
يُعد هانز هولفريتز، الرحّالة والمصور والمؤلف الموسيقي الألماني، أحد أبرز الشخصيات التي خاضت مغامرات استكشافية في اليمن خلال أوائل القرن العشرين.
وُلد هولفريتز في عام 1902، وساهم بشكل كبير في توثيق الثقافة اليمنية، خصوصًا في مجال الموسيقى الشعبية التي كانت غامضة على العالم آنذاك.
ومن خلال كتابه الشهير “اليمن من الباب الخلفي”، قدم هولفريتز رؤية حية وصادقة لواقع الحياة في اليمن خلال فترة حكم الإمام يحيى، مقدمًا الكثير من التفاصيل التي كانت غير معروفة في تلك الفترة.
رحلة هولفريتز إلى اليمن
زار هانز هولفريتز اليمن في عام 1930، حيث وثّق في كتابه المعاناة التي واجهها للوصول إلى هذا المكان المحرم حينها. كما قال.
ففي بداية رحلته، قرر السفر من عدن إلى المكلا عبر الباخرة الساحلية الصغيرة، على أن يتابع رحلته بعد ذلك عبر حضرموت إلى الصحراء، لكن عندما وصل إلى الميناء، اكتشف أن السفينة قد أبحرت في صباح نفس اليوم، والسفينة الأخرى لن تبحر قبل أسبوعين.
حاول مرة أخرى غلا أن السلطات البريطانية رفضت منحه إذن دخول إلى حضرموت، وأخبره البعض أن الوضع في البلاد غير آمن وأن الأوروبيين يُنظر إليهم كمتطفلين.
بعد عدم السماح له بالسفر إلى المكلا قرر الذهاب إلى لحج، ثم بدأ بوصف هذه الرحلة.. فالطريق كانت كلها رمالا، بل حدث أن غرقت السيارة التي تقلهم، لكن مجموعة من البدو ساعدوهم وأخرجوها.
بعدها عاد إلى عدن ولم تكن السلطة البريطانية قد وافقت له بدخول المكلا دون سبب، لكن بعد مدة فإن البريطانيين سمحوا له بدخول المكلا بدون سابق إنذار وهذا هو هدفه.
ضيف على الإمام يحيى
بعد وصوله إلى المكلا وتنقله في رحلة طويلة في حضرموت مرّ خلالها بالعديد من المشكلات، قرر اقتطاع الصحراء للوصول إلى صنعاء مارا ببيحان ومأرب حتى إلى صنعاء، حيث استضافه الإمام يحيى في بيت صوبيري بعد رحلة تعرض خلالها للسجن ومحاولة الاختطاف.
ورغم أن هولفريتز كان ضيفًا، إلا أنه كان مضطراً لدفع نفقات إقامته، بينما كانت الضيافة الرسمية تقتصر على شخصيات ذات أهمية كبيرة.
كما تم تكليف عدد من الجنود بحراسته، حيث كانت القواعد المتبعة في تلك الفترة تنص على بقاء الزوار داخل المنازل وعدم السماح لهم بالخروج إلى الشوارع إلا إذا دُعوا لمقابلة الإمام.
أول سيارة في اليمن
تطرّق هولفريتز في كتابه إلى موضوع السيارات في اليمن، حيث ذكر أول سيارة في البلاد وهي من طراز “سيتروين”.
كانت السيارة قديمة ومتهالكة بعد أن فقدت العديد من أجزائها.
أشار هولفريتز أيضًا إلى أن سيارة أخرى من نفس الطراز كانت تعود إلى التاجر اليمني إسحاق الذي جلبها عبر ميناء عدن، وهي نفس السيارة التي كان الإمام يحيى قد اشتراها حتى لا يُقال إنه لا يمتلك سيارة بينما يمتلكها التاجر اليمني.
توثيق الموسيقى اليمنية
من أبرز إنجازات هولفريتز كانت تسجيلاته الموسيقية. ففي ثلاثينيات القرن العشرين، قام بتسجيل 102 أسطوانة موسيقية من مختلف أنواع الموسيقى اليمنية، بما في ذلك أغاني الجنود والعمل والموسيقى النسائية واليمنية اليهودية.
كانت هذه التسجيلات هي الأولى من نوعها في اليمن، واحتفظ بها أرشيف برلين للتسجيل الصوتي.
كما ركز هولفريتز في أعماله على الموسيقى الشعبية الريفية، في تمييز عن التسجيلات التجارية التي كانت تركز على الموسيقى الحضرية في عدن في تلك الفترة.
اليمن في ظل الإمام يحيى
يقول الأديب “عبدالله العطار” في استعراض نشره “يمن ديلي نيوز” لكتاب “اليمن من الباب الخلفي إن رحلة “هانز هولفريتز” كانت أشبه بالخيال والمستحيل وكان الكتاب صورة حقيقية لوطن مسلوب ومختطف، وشعب مستعبد ومعذب بكل أنواع العذاب.
رحلة اجتازت أشد أنواع المخاطر الصغيرة والكبيرة التي لا يعلم الراحل فيها ماهي نهايته التي ربما يكون حتفه هو أضعف الأشياء المتوقعة فيها.
انطلق في هذا الكتاب بفصله الأول المعنون بالعربية السعيدة، وكأنه يسلبها هذه الصفة التي لم تعد موجودة وهذا واضح من بداية انطلاقته المتمثلة بتعليل لماذا البلاد العربية مجهولة في العالم؟!.
وأرجع ذلك إلى سببين وهما: اختفاء البلاد العربية في البلاد الاوروبية، وكذلك طبيعتها الجبلية الشامخة وماتخفيه خلفها، وكذلك الطبيعة الصحراوية القاحلة.
لكنه يعود ليقول إن اليمن هي المنطقة الوحيدة الأكثر سعادة في شبه الجزيرة العربية، وهي ذات حضارة كبيرة، لكن حضارتها محصورة في النقوش؛ ليقول بعد ذلك بأن اليمن عصية على التسلل والاختراق بسبب طبيعتها.
ويصف الإمام يحيى بأنه كثير الشكوك بالغرب ولذلك لا يسمح لأحد غربي بدخول اليمن إلا بإذن منه شخصيا.
عند وصوله إلى صنعاء تعرض للسجن لكنه نقل صورة غير إيجابية حول وضع الجنود حيث تحدث “ولفريتز” عن وضع وصفه بالقاسي يعيشه جنود الإمام وخصوصا في المرتبات القليلة جدا ويقول إن وزير الخارجية والأمين العام للإمام يتقاضى ٩جنيهات فقط.
يقول مؤلف كتاب “اليمن من الباب الخلفي”: لم يعبر الامام يحيى حدود مملكته إلى دولة أخرى أبدا لكنه أرسى حكمه بالقوى وبنظام الرهائن المتمثل بأخذ رهينة من كل أسرة ليضمن عدم خروجهم عنه.
يعد كتاب هولفريتز “اليمن من الباب الخلفي” مرجعًا هامًا في فهم الوضع السياسي والثقافي في اليمن في فترة حكم الإمام يحيى، حيث قدم هولفريتز صورة حية عن اليمن في مرحلة كان العالم فيها يجهل الكثير عن هذا البلد العريق.
المراجع:
– كتاب: اليمن من الباب الخلفي.
– استعراض سابق لـ”يمن ديلي نيوز”
• تابعونا في الحلقة القادمة من سلسلة “المستشرقون واليمن” لاستكشاف المزيد من القصص المثيرة عن الشخصيات التي شكلت تاريخ اليمن.
سلسلة حلقات “المستشرقون واليمن”:
الحلقة الأولى: الألماني “نيبور” ورحلته إلى البلاد التي تحكمها التوازنات
الحلقة الثانية: “هاليفي” في رحلة استكشاف تاريخ اليمن تحت عباءة التسول
الحلقة الثالثة: رحلة البريطاني “برتون” إلى أرض النقوش والعادات الفريدة
الحلقة الرابعة: “ثيسيجر” الذي وجد أن السعادة الحقيقية في قلب الصحراء
الحلقة الخامسة: فيلبي “الحاج عبدالله” الذي ساهم في رسم ملامح الجزيرة العربية واليمن
الحلقة السادسة: “جلازير” النمساوي الذي ارتدى ثوب “التشيع” لنهب آثار اليمن
الحلقة السابعة: “مانزوني” في رحلة تكشف تطور صنعاء قبل عودة الإمامة إليها
الحلقة الثامنة: “فريا ستارك” في مهمة الاستكشاف والتجسس لصالح بريطانيا
الحلقة التاسعة: “جورج كولان” رحلة دبلوماسية واكتشاف اللهجات اليمنية
مرتبط
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news