المستشرقون واليمن.. “فريا ستارك” في مهمة الاستكشاف والتجسس لصالح بريطانيا (الحلقة الثامنة)

     
يمن ديلي نيوز             عدد المشاهدات : 72 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
المستشرقون واليمن.. “فريا ستارك” في مهمة الاستكشاف والتجسس لصالح بريطانيا (الحلقة الثامنة)

أعد الحلقة لـ”واي دي” محمد العياشي:

في حلقة اليوم يسلط “واي دي” الضوء على إحدى أهم الشخصيات الاستشراقية في تاريخ الاستكشاف البريطاني لليمن خلال القرن العشرين، وهي المستشرقة “فريا ستارك”.

تُعد ستارك واحدة من أبرز الذين وثقوا حياة اليمن في فترة هامة من تاريخه، حيث قدمت صورة قريبة للمجتمع اليمني، خصوصًا في أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات من القرن الماضي.

زارت فريا ستارك اليمن في ثلاثينيات القرن العشرين وعادت لها أكثر من مرة، وألفت العديد من الكتب التي وثّقت رحلاتها في الجزيرة العربية.

كانت من أوائل الأوروبيين الذين استكشفوا المناطق النائية في اليمن، وسلطت الضوء على طبيعة البلاد وتاريخها وثقافتها.

توصلت ستارك في كتاباتها إلى أن اليمن يتمتع بتاريخ غني وموقع استراتيجي مهم جعله نقطة التقاء بين الحضارات.

أبرزت التنوع الثقافي والاجتماعي في البلاد، مشيرة إلى أن اليمنيين يتمتعون بروح الاستقلالية والاعتزاز بهويتهم. كما وثّقت الحياة اليومية، والتقاليد، والتحديات الجغرافية التي يواجهها السكان، وخاصة في المناطق الجبلية.

كانت ملاحظاتها ذات قيمة كبيرة لفهم المجتمع اليمني في تلك الحقبة، حيث قدمت وصفًا دقيقًا لمدن مثل صنعاء وشبام والمكلا، وأشارت إلى أهمية القوافل والتجارة في حياة اليمنيين.

يأخذنا الباحث الدكتور “مسعود عمشوش” في كتابه “اليمن في كتابات فريا ستارك من الاستكشاف إلى الاستخبارات” في رحلة فكرية، حيث يشاركنا رؤيته حول أهمية كتابات ستارك التي لا تقتصر على كونها مجرد سرد رحلات، بل تتجاوز ذلك لتحتوي على معلومات استخباراتية هامة، لم تذكرها أي مصادر تاريخية أخرى.

يرى عمشوش أن كتابات المستشرقة البريطانية فريا ستارك حول اليمن تحمل أهمية توثيقية كبيرة، إذ تتضمن معلومات استخباراتية نادرة لا نجدها في أي وثيقة تاريخية أخرى.

هذه الكتابات تكشف عن الجهود التي بذلها البريطانيون في بداية الحرب العالمية الثانية لتحييد الإمام يحيى بن حميد الدين، ومنعه من مساندة دول المحور.

عدن في عين “فريا”

وفي كتاباتها، نجد وصفًا دقيقًا للأحداث اليومية في عدن خلال السنة الأولى من الحرب العالمية الثانية، حيث تعرضت المدينة لقصف عنيف من القواعد الألمانية والإيطالية في القرن الأفريقي.

ستارك عادت إلى عدن مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، في 1939، ولكن هذه المرة بصفة رسمية كمساعدة لضابط الإعلام في عدن.

كانت مهمتها تتعلق بالبروباغندا (الدعاية)، حيث أدركت الدول الكبرى أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي لحسم الصراع، بل يجب الاستعانة بالحرب الدعائية للتأثير في الرأي العام وتوجيه قرارات الناس وسلوكهم بما يخدم أهداف هذه الدول.

عملت في إدارة مكتب الإعلام، بالإضافة إلى تحرير النشرة الدعائية التي كان يصدرها المكتب. كما شاركت في التحقيق مع الأسرى الإيطاليين، وفي مواجهة الغارات الإيطالية على المدينة.

شكلت ستارك ثلاث فرق تطوعية من الشباب العرب، لتدريبهم على السلاح وحراسة الشوارع والمنازل خلال الهجمات الجوية.

تحدثت عن الأوضاع الأمنية والعسكرية في المدينة، حيث عززت بريطانيا وجودها العسكري فيها لمواجهة أي تهديدات من قوى المحور، خاصة بعد سقوط فرنسا وازدياد التوترات في الشرق الأوسط.

كما وصفت تأثير الحرب على السكان المحليين، مشيرة إلى التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت نتيجة لوجود القوات البريطانية والبنية التحتية التي تم تطويرها لدعم المجهود الحربي.

كما سلطت الضوء على التنوع الثقافي في عدن، حيث كانت المدينة ملتقى لتجار ومهاجرين من جنسيات متعددة، ما جعلها مختلفة عن بقية مناطق اليمن من حيث الطابع الاجتماعي والاقتصادي.

أسلوب مبدع

ولم يكن الأسلوب الفريد الذي استخدمته ستارك في تدوين رحلاتها أقل تأثيرًا؛ فقد ترجمت كتاباتها إلى معظم اللغات الأوروبية، ليجعل منها واحدة من أروع ما كُتب في أدب الرحلات باللغة الإنجليزية.

وهذا الأسلوب المبدع في المزج بين السرد والوصف جعل نصوصها مليئة بعناصر الجمال والتشويق والإثارة، مما جذب العديد من القراء وترك فيهم انطباعًا قويًا عن الحياة في اليمن.

“ستارك” لم تقتصر على الكتابة فقط، بل استخدمت أيضًا آلة التصوير لالتقاط اللحظات التي عاشتها في اليمن.

قبل رحلتها الأولى إلى اليمن، اشترت كاميرا Leica III، التي التقطت بها حوالي 6000 صورة، ضمت العديد منها في كتبها الثلاثة الأولى حول اليمن، بينما خصصت كتابها الرابع “مشاهد من حضرموت” لتقديم عدد أكبر من الصور، معظمها التقطت أثناء زيارتها الثانية إلى حضرموت في عامي 1937 و1938.

صنعاء في عين ستارك

في صنعاء، ترددَت ستارك على قصور الإمام وأمراء المدينة، مما ساعدها على الحصول على معلومات استخباراتية حيوية.

وبفضل علاقاتها مع نساء المدينة وأزواجهن، وكذلك مع الإمام يحيى نفسه، تمكنت من إرسال تقارير دقيقة عن الجيش اليمني وحامياته المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد.

ستارك كانت ترى أن صنعاء مدينة مغلقة على نفسها بسبب السياسة التي اتبعها الإمام يحيى، حيث كانت معزولة عن التأثيرات الخارجية، مما جعلها تحتفظ بجمالها العمراني التقليدي لكنها في الوقت ذاته بقيت بعيدة عن الحداثة والتقدم.

ووصفت “ستارك” الإمام يحيى بأنه حاكم صارم يفرض نظامًا استبداديًا يعزل اليمن عن العالم الخارجي، ورأت أن سياساته كانت قائمة على الحفاظ على سلطة الإمامة بأي ثمن، حتى لو كان ذلك يعني تأخير التقدم والانفتاح.

وذكرت أنه كان يتحكم في كل تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية، مستخدمًا شبكة من الجواسيس لضبط الأوضاع الداخلية. كما لاحظت أن حكمه كان يركز على الاستقرار أكثر من التطوير، مما جعل اليمن في وضع متأخر مقارنة بجيرانه.

عيونها على اليمن

يعرض كتاب “عمشوش” كيف رسمت ستارك صورة شاملة لليمن في ستة من مؤلفاتها: البوابات الجنوبية لشبه الجزيرة العربية (1936)، مشاهد من حضرموت (1938)، شتاء في شبه الجزيرة العربية (1940)، ساحل البخور (1953)، الشرق هو الغرب (1945)، وغبار في مخالب الأسد (1961).

كما يعرض في فصوله شخصية ستارك وسبب رحلاتها الاستكشافية، مع التركيز على دورها في رسم صورة المجتمع اليمني، خاصة في تفاعلها مع العادات والتقاليد ومدى تأثرها بالغرب.

وتعتبر ستارك، مقارنة بالرحالة الغربيين مثل فان دن ميولن، أكثر قدرة على تقديم صورة أوسع للحياة الاجتماعية في اليمن، لا سيما من خلال قدرتها على التواصل كامرأة في مجتمع تقليدي.

الشرق هو الغرب

يعتبر كتاب “الغرب هو الشرق” أحد أعمال فريا ستارك التي تسلط فيها الضوء على رحلاتها وتجاربها في الشرق الأوسط واليمن خلال فترة الحرب العالمية الثانية.

وهذا الكتاب جاء على عكس كتبها الأخرى التي تركز على الاستكشاف الجغرافي، حيث حمل طابعًا تأمليًا وتحليليًا حول العلاقات الثقافية والسياسية بين الشرق والغرب، ناقلة مشاهداتها عن المجتمعات العربية، وخاصة خلال زيارتها لمصر والعراق وبلاد فارس.

ناقشت “ستارك” في هذا الكتاب الفروق الثقافية بين الشرق والغرب، لكنها تؤكد أن هذه الفروقات ليست حواجز، بل جسور يمكن من خلالها بناء الفهم والتعاون، كما ترى أن الغرب يسيء فهم الشرق، وتنتقد الصور النمطية التي يروجها الإعلام والسياسة.

ستارك بين الاستخبارات والاستكشاف

على الرغم من أن ستارك بدأت رحلاتها كرحالة استكشافية، إلا أن تطور الأوضاع السياسية في تلك الفترة فرض عليها أن تكون جزءًا من الجهود الاستخباراتية البريطانية في المنطقة.

كانت كتاباتها لا توثق فقط الجغرافيا والحياة اليومية في اليمن، بل كانت تعكس أيضًا جوانب من الحرب العالمية الثانية والصراعات الكبرى في تلك الحقبة.

ستارك لم تكن مجرد رحالة، بل كانت أيضًا شخصية محورية في نقل صور حية ودقيقة عن اليمن في حقبة هامة من تاريخه.

المصادر:

– كتاب اليمن في كتابات فريا ستارك من الاستكشاف إلى الاستخبارات

– كتاب الشرق والغرب لـ”فريا ستارك”

– مصادر على الانترنت

• تابعونا غدًا في حلقة جديدة من سلسلة “المستشرقون واليمن”، حيث نستعرض انطباعات مستشرق آخر عن هذه الأرض العريقة.

مرتبط

الوسوم

المستشرقون واليمن

نسخ الرابط

تم نسخ الرابط


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

بعد سنوات من الغموض... اسم قاتل الرئيس صالح يظهر للعلن.. الاسم والصورة

نيوز لاين | 583 قراءة 

صفعة مدوية للحوثيين من المهرة بشأن مصير الزايدي

جهينة يمن | 543 قراءة 

الكشف رسميًًا عن خطة عسكرية بمشاركة بريطانيا والسعودية والإمارات لاجتثاث الحوثي"طعنة أمريكية غادرة للشرعية"

جهينة يمن | 411 قراءة 

فريزر البنك المركزي يجمد السوق ويصعق هوامير الصرافة.. والريال في طريقه لتحطيم سقف 1500

نافذة اليمن | 407 قراءة 

عن عمر ناهز 103 أعوام...الموت يغيب رجل أعمال يمني

جهينة يمن | 368 قراءة 

الكشف عن جثمان علي عبدالله صالح بعد سنوات من التكتم

المرصد برس | 347 قراءة 

بعد قرارات البنك المركزي: الريال اليمني يفاجئ السوق بقفزة قوية الليلة ويستعيد 120 ريالًا أمام الدولار

نافذة اليمن | 331 قراءة 

غليان بحضرموت لتدهور الخدمات وأبرز المرشحين بمنصب المحافظ الجديد

مراقبون برس | 308 قراءة 

تفاصيل لاول مرة عن لقاء المهدي المنتظر الرئيس صالح في صنعاء

كريتر سكاي | 255 قراءة 

توضيح من صنعاء عن سبب انخفاض سعر الصرف بعدن

جهينة يمن | 237 قراءة