الجنوب اليمني | القدس العربي
رمضان اليمن… هل تغيّر حاله بعد عشر سنوات حرب؟
لرمضان في اليمن طقوسه وعاداته وأوقاته الخاصة، التي تميزه ككل البلدان العربية والإسلامية الأخرى، إلا أن الحرب على مدى أكثر من عشر سنوات فعلت فعلها في علاقة اليمنيين بمناسباتهم، وخاصة تلك التي ترتبط بالبهجة. لكن على الرغم من أثر الحرب الواضح في كل مجالات الحياة، إلا أن اليمنيين يحرصون على إحياء طقوس هذا الشهر التعبدية منها والاجتماعية بأوسع إنفاق متاح؛ فرمضان في وعي الآباء في اليمن، هو موسم التوسيع على الأسرة، وإن كانت الأسرة تأثرت بفعل الحرب؛ فثقافة التوسيع الرمضاني ما زالت حاضرة في ثقافة العائلة اليمنية كل في حدود إمكاناته.
وللإشارة إلى خصوصية هذا الشهر، فالجامعات والمدارس توقف برامجها خلال شهر رمضان؛ لما يعطيه اليمنيون من اهتمام لهذا الشهر، بمن فيهم الأطفال والشباب كمناسبة لها خصوصيتها، على الرغم من تأثر الظروف المعيشية كثيرا بالحرب.
ابتداءً من تأثير سنوات الحرب هناك على طقوس رمضان يتوقف أستاذ علم الاجتماع السياسي بمركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء، عبدالكريم غانم، أمام وضع الشهر كمناسبة دينية في علاقتها بالمجتمع كمناسبة اجتماعية في آن، مشيرًا في حديثه لـ«القدس العربي» إلى ما اعتبره «التداخل بين ما هو ديني واجتماعي في شهر رمضان، ففريضة الصوم رغم كونها طقسًا دينيًا إلا إنها في بعض جوانبها تأخذ بعدًا اجتماعيًا، إذ لا يقتصر الصيام في اليمن على الأشخاص المكلفين بأداء هذه الفريضة، فقلما تجد طفلًا بعد سن السابعة من العمر يفطر في نهار رمضان، لما لهذه العبادة من أهمية اجتماعية في اليمن، فعدم الالتزام بطقس الصيام قد يعرض صاحبه للنبذ من قبل المجتمع، وإن لم يكن مكلفًا».
ويعتقد غانم أن رمضان مناسبة اجتماعية أيضًا ينتظرها الأطفال والنساء وكبار السن لكسر الروتين اليومي المعتاد لوجبات الطعام ورفد المائدة بالكثير من أنواع الغذاء. وقال: «مع أن شهر رمضان هو في الأساس مناسبة دينية، إلا إنه في عُرف المجتمع اليمني، وغيره من المجتمعات العربية المسلمة، مناسبة اجتماعية اتخذت الكثير من الطقوس، كتغيير نمط الغذاء وروتين الحياة اليومية، فإذا كان الاكتفاء بشراء الضروريات من المواد الغذائية في مختلف أوقات السنة ممكنًا لدى الكثير من الأسر، لا مجال للتقشف في رمضان، المناسبة التي ينتظرها الأطفال والنساء وكبار السن وغيرهم، لكسر الروتين اليومي المعتاد لوجبات الطعام، ورفد المائدة بما لذ وطاب من أنواع الغذاء، وتوفير الطاقة الكهربائية اللازمة لتحسين الإضاءة داخل المنزل وفي محيطه، وما يلزم لمتابعة المسلسلات، وتبادل الزيارات، التي صارت جزءًا من طقوس الشهر، فمتطلبات الانفاق في رمضان لا تقتصر على إدخال البهجة والسرور في نفوس أفراد الأسرة وحسب، بل تتجاوز ذلك إلى تقديم موائد الطعام للمحتاجين بقدر المستطاع، وتبادل الزيارات مع الأهل والأصدقاء، للتشارك في تناول وجبات الفطور والعشاء، وغيرها، وقضاء الأمسيات الرمضانية، كما عُرف شهر رمضان بكونه موسم إغداق العطاء من قبل الأغنياء والميسورين على الفقراء والمحتاجين».
وأضاف: «وفي سياق تداخل الديني بالاجتماعي والسياسي في رمضان، تجدر الإشارة إلى أن الكثير من الأثرياء في اليمن كانوا يحرصون على تقديم الزكاة للمحتاجين بشكل مباشر، كل في محيطه الاجتماعي، بدءًا بالأطر الاجتماعية الأكثر قربًا منهم، إلا إن هذه الطقوس تراجعت بعد الحرب، حيث فرضت سلطات الأمر الواقع في صنعاء منع تسليم الزكاة للفقراء بشكل مباشر، وحصرت استلام وتسليم الزكاة على الأجهزة الرسمية للدولة في مناطق سيطرتها».
ويضيف: «بتغير الاتجاهات السياسية للسلطات الحاكمة في شمال اليمن وجنوبه إبان الحرب، تغيرت بعض الطقوس الدينية، فصار بالإمكان استقبال رمضان أو عيد الفطر في المحافظات الجنوبية والشرقية قبل أو بعد الجزء الآخر من اليمن، بيوم، وبفعل صعود الجماعات الدينية المتشددة في الشمال والجنوب على حدٍ سواء، كادت بعض الطقوس الدينية التي كانت مرتبطة برمضان أن تختفي».
ويرى غانم أن ظروف الحرب قد تسببت في انقطاع مصادر الدخل، وبالتالي تحول قطاع واسع من المجتمع من حالة اليسر إلى حد الكفاف؛ «فتراجعت القدرة الشرائية للمواطن وتغير ترتيب الأولويات لدى الكثير من الأسر اليمنية، حيث بات الحصول على بعض أصناف الطعام التي ارتبطت برمضان غير ممكن لدى الكثير من الأسر، ومنها على سبيل المثال: المحلبية، الشعيرية، السنبوسة، والكنافة، ناهيك عن اللحوم والأسماك والدواجن، التي بات من الصعب على غالبية الأسر في البلاد توفيرها في رمضان. بل إن توفير الأساسيات، كالقمح وزيت الطعام والغاز المنزلي، أصبح أقصى ما تتمنى توفيره الكثير من الأسر اليمنية في رمضان حاليًا».
وهنا لابد من السؤال والبحث في طقوس رمضانية يمنية اختفت أو تأثرت كثيرًا بالحرب. يقول عبدالكريم غانم: «إن هناك طقوسا اجتماعية ودينية رمضانية في اليمن في طريقها إلى الاختفاء، جراء تغير الاتجاهات الدينية والسياسية من جهة، والأزمات الاقتصادية من جهة أخرى، فمن الطقوس التعبدية التي تكاد أن تختفي صلاة التراويح، التي تراجعت بشكل ملفت في المحافظات الشمالية والغربية، إلى جانب طقوس الموالد التي يتم خلاها ترديد الأناشيد الدينية لأتباع الطرق الصوفية، وهذه الطقوس كانت سائدة حتى وقت قريب في بعض المناطق الريفية من اليمن، وأدت الحرب إلى تراجعها بشكل أكبر، بفعل عوامل مختلفة منها تأثير الاتجاهات الدينية السلفية».
لكن في المقابل وعلى الرغم من تأثير الحرب على طقوس اليمنيين في رمضان إلا أنه يمكن القول بالموازاة إن ثمة إصرارا عجيبا لدى الكثير لإحياء هذه المناسبة ولو بالحد الأدنى. يقول غانم: «يتجلى إصرار اليمنيين على ممارسة الطقوس الدينية والاجتماعية للشهر من خلال عودة الكثير من المغتربين إلى ذويهم خلال رمضان، باعتباره من المناسبات الاجتماعية الأبرز، كما يتجلى هذا الإصرار على الاحتفاء بالشهر وممارسة طقوسه في الاستعداد للطقوس الدينية في توزيع التمور على المحتاجين، وتكفل بعض الميسورين بتقديم السلل الغذائية لذويهم، وحرص الأمهات والآباء على توفير ما أمكن من أطعمة مرتبطة بطقوس وجبات الطعام في شهر رمضان، رغم ضيق ذات اليد، حيث يلاحظ كسر حالة الركود في الأسواق اليمنية، فشهر رمضان ما يزال، رغم تردي الأوضاع الاقتصادية، مثاليًا من حيث تحسن نمط الغذاء في المطبخ اليمني، فإلى جانب المكانة الراسخة للدين في وجدان اليمنيين، والتي تعطي هذه المناسبة الأولوية على الكثير من متطلبات الحياة لديهم، هناك اعتقاد راسخ بالمقولة التالية (رمضان يجي هو ورزقه)، وهو ما يحدث إلى حد كبير، لاسيما في أوساط الفئات الأشد فقرًا، فبمجرد انتهاء رمضان وطقوسه الاجتماعية والتعبدية تجد الأسر الفقيرة نفسها أمام واقعها البائس من جديد».
بصرف النظر عن كل ذلك؛ ففي المجمل لقد صارت المناسبات الدينية الاحتفالية مصدرا للحزن لدى أرباب العائلات الفقيرة.. فهل ثمة انعكاس لذلك في المستقبل على الوجدان الجمعي اليمني؟
يقول عبدالكريم غانم: «على الرغم من الأفضلية النسبية لأوضاع الأسرة اليمنية في شهر رمضان مقارنة بغيره من شهور السنة، التي تكاد أن تكون شهورًا عجاف، إلا إن هذا التحسن الطفيف في نمط الغذاء للكثير من الأسر في شهر رمضان لا يرتبط في معظمه، بدخل الأسرة بقدر ما يرتبط بأدوار منظمات وجهات خيرية ونظام كفالة الأقارب، الأمر الذي يكرس الإحباط لدى الأجيال القادمة، فالطفل الذي يلاحظ عجز والده عن توفير مستلزمات طقوس رمضان دون الحاجة للاقتراض أو بيع ما تبقى من المدخرات ستبدو في نظره هذه الطقوس عبئا على أسرته أكثر من كونها مبعثا للسعادة، والطفل الذي تضطر أسرته لتلقي الإعانات والمساعدات لإحياء هذه الطقوس لن تخلو طفولته من الشعور بالنقص والحرمان وفقدان الكرامة».
مرتبط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news