عدن
استندت طرق تحري رؤية هلال شهر رمضان المبارك في عدن، قبل إنتشار وسائل الإعلام الحديثة، إلى تقاليد شفوية قديمة .. حيث كان تحري الهلال في مدينة عدن كان يتم بطرق تقليدية مشابهة، تعتمد على شخصيات موثوقة من أهل الدين، حيث كانوا يصعدون إلى أماكن مرتفعة في جبال عدن، أو يخرجون إلى مسافة معينة إلى البحر لضمان رؤية واضحة للأفق.
وكانت "البمبا" في منطقة صيرة موقعاً معروفاً، وكان يتم إختياره نقطة بحرية على بعد مسافة منه إلى البحر لتحري رؤية الهلال، بسبب صفاء الأفق من ذلك الموقع، ومن ثم يتم إبلاغ المسحراتية في المدينة للإعلان عن دخول شهر رمضان المبارك من قبل المشايخ الموثوقية، وتبدأ الأدعية والتواشيح الرمضانية تنطلق في جميع انحاء مساجد عدن، لتضفي روحانية على المشهد العام .. وكان ذلك تقليداً شائعا في المدن الإسلامية ومنها عدن قبل ظهور وسائل الإعلام.
كان المسحراتي في عدن قديمًا قبل ظهور الإذاعة والتلفزيون، يؤدي دوراً مهماً في إيقاض الناس لتناول السحور خلال شهر رمضان الفضيل، حيث كان سكان مدينة عدن حينها يذهبون إلى النوم مبكراً، ولايسهرون كعادتنا في هذه الأيام أمام التلفاز، أو في الأسواق.
وفي عدن، كما هو الحال في العديد من المدن العربية والإسلامية، كانت هناك عادات وتقاليد رمضانية متوارثة، وكان المسحراتي جزءًا من هذا النسيج الثقافي والإجتماعي، حيث كان يتجول في حواري عدن العتيقة مستخدماً الطبل أو الدف، وأحياناً كان يرافقه منشد يردد الأدعية والموشحات الدينية معه .. وكان ينادي بأسماء بعض السكان المعروفين لديه، مما يضفي طابعاً شخصياً على تقاليده.
وخلال فترة الحكم البريطاني لعدن تأثرت العادات المحلية بالحياة المدنية الحديثة, لكن المسحراتي ظل حاضراً في بعض المناطق في الأحياء الشعبية، مثل كريتر والشيخ عثمان .. ولكن بعد ظهور وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، تراجع دور المسحراتي تدريجياً، حيث بدأت الإذاعة العدنية في بث البرامج الدينية، والتواشيح الرمضانية، وبهذا بدأ الناس في عدن يعتمدون أكثر على هذه الوسائل الحديثة، وخصوصاً مع تأسيس (لجنة الأهلة والأعياد) التابعة لبلدية عدن .. وعلى الرغم من تراجع دور المسحراتي، لاتزال ذكرياته عالقة في وجدان كبار السن من سكان مدينة عدن، حيث كان رمزاً للألفة والروح الجماعية في ليالي رمضان..
أما مدفع رمضان في عدن له تاريخ طويل يعود إلى فترة ما قبل الاحتلال البريطاني لعدن، وكان يستخدم للإعلان عن وقت الإفطار والإمساك في شهر رمضان .. وأستمر إستخدامه حتى فترة ما بعد الإستقلال،
وقد تم اعتماد مدفع رمضان في عدن لتنظيم مواقيت الصيام بطريقة مسموعة بحيث يمكن أن يصل صوته إلى جميع المناطق المحيطة، وكان المدفع يُطلق مرتين يومياً:
1. عند الغروب للإفطار.
2. عند الفجر للإمساك.
كانت هناك ثلاثة مدافع نصبت في مناطق مرتفعة في جبل حديد لضمان وصول صوته إلى أرجاء المدينة والمناطق المجاورة، مثل المنصورة والشيخ عثمان، لكن قبل ذلك كان هناك مدفع قديم فوق جبل معاشيق، وآخر في منطقة البنجسار في التواهي وجبل القلوعة.
بعد الاستقلال عام 1967، استمرت عادة إطلاق مدفع رمضان في عدن لفترة وجيزة، لكنها بدأت تتراجع مع مرور الزمن، خاصة مع انتشار وسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة التي ساعدت في تحديد أوقات الصلاة والإفطار.
إعداد وتقديم: بلال غلام حسين
١ مارس ٢٠٢٥م
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news