سألهم واحدا واحدا كل سوؤال مختلف، وعندما حان دوري سألني: ما هو أطول شارع غامرت بالسير فيه وكم استغرق منك من الوقت؟.
الإجابة يا عزيزي: أطول شارع غامرت بالسير فيه هو الشارع الممتد ما بين ذاكرتين، ذاكرة الريف وذاكرة المدينة وما بينهما من محطات.
وبالنسبة للوقت المستغرق لم ينتهٍ بعد ولكنه يمتد إلى ما قبل 40 عاما وما زالت أحث الخُطىء في سفر لا أعلم متى نهايته.
ورغم عدم معرفتي كم يحتاج مثلي في هكذا سفر على شارع يمتد بين ذاكرتين، لكن ينتابني شعور بأن فقدان ذاكرة واختزال السير على ذات الشارع على امتداد ذاكرة واحدة لن يكلفه كل هذا الزمن، لأنه لم ينزع من قدميه الحافيتين المدمأتين الحصى التي نشبت لحم القدمين وهو يحث السير مدركا عدم نهاية رحلته، فهو خليط من الأمل والآسى دون أن يعرف لماذا.
يا عزيزي الرحلة بين ذاكرتين لا يمكنك اختزالها في قفزة بحطوة واحدة وتنتهي مع الوقوف على ركام روحك.. الرحلة بين ذاكرتين حتى وإن كانت رحلة بين كحل يزين مقلتين لانثيين مختلفتين أنثى وأنثى وخلال زمن لا يزيد عن رفة جفن ينسحب داخلا وخارجا وكأن بحر يبتلع جغرافيتين مختلفتين.
وسادت لحظات صمت لبضع دقائق.. قطع الصمت سائلا: هل بقي شيء لتقوله؟ أجبته هل تعتقد أنه بقي شيء، فأجاب لا.. نهض ووضع سجائره وقنينة الماء والهاتف في كيس وطلب مني الوقوف ليعانقي.. ابتسم في قلبي وقال سأبدأ رحلة سير بين ذاكرتين فإني اشتهي الغرق في بحور الأمل والأسى والكحل والكحل بين مقلتي الأمل والآسى. لتكن بخير يا صديقي فربما لن نلتقي أو ربما نلتقي على تضاريس تشبهنا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news