تقرير خاص أعده لـ”يمن ديلي نيوز” وليد الجبر:
تظهر التقارير الحقوقية في اليمن إحصائيات “مفزعة” لحجم الوفيات تحت التعذيب في معتقلات الأطراف اليمنية خاصة جماعة الحوثي المصنفة إرهابية، تفوق 300 وفاة لمختطفين مدنيين 99 في المائة منها وقعت في سجون جماعة الحوثي.
ومع أن حالات الوفاة بالتعذيب ظلت إلى حد كبير بين المختطفين المدنيين، إلا أنه وخلال السنوات القليلة الماضية ظهرت حالات وفاة أسرى حرب (عسكريين) جميعها وقعت في سجون جماعة الحوثي المصنفة إرهابية.
آخر تلك الوفيات كان لأسير الجيش اليمني “محمد علي النسيم” الذي توفي بعد أيام من إطلاق جماعة الحوثي له نتيجة مضاعفات تعذيب تعرض لها خلال فترة أسره التي استمرت خمس سنوات، حيث أظهرت صورا تعرضه آثار التعذيب على جسده.
في هذا التقرير يسلط “يمن ديلي نيوز” الضوء على ملف تعذيب الأسرى والمخفيين بشكل معمق في محاولة لفهم هذه الظاهرة المتنامية، وخلفياتها الفكرية والتاريخية، وكيف تتعامل التشريعات المحلية والإقليمية والدولية والأديان مع الأسرى.
كما يسلط التقرير الضوء على موقف التشريعات اليمنية والإقليمية والدولية، والأديان السماوية تجاه التعامل مع الأسرى الذين يقعون في الأسر خلال الحروب.
3 حالات في 2024
خلال العام 2024 رصد “يمن ديلي نيوز” وفاة 3 أسرى من قوات الجيش اليمني الذين أسرتهم جماعة الحوثي خلال المواجهات المسلحة، فضلا عن وفاة العديد من المختطفين المدنيين الذي رصدت منظمات حقوقية وفاتهم خلال ذات العام.
ففي 9 نوفمبر/تشرين قالت منظمة “مساواة للحقوق والحريات” إنها أبلغت من أسرة الجندي الأسير محمد محمد عبدالله حسن سليمان (36 عامًا) من أبناء مديرية جبل الشرق بمحافظة ذمار، بوفاة نجلها تحت التعذيب في سجن الأمن المركزي بصنعاء، التابع لجماعة الحوثي.
وأوضحت المنظمة أن الجندي محمد سليمان، تم أسره في جبهة صرواح في 4 يونيو 2020، حيث تحدثت عن تعرضه لأبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي في معتقله، مما أدى إلى تدهور حالته الصحية والنفسية وفقدانه للوعي عدة مرات، حتى أبلغت أسرته بوفاته اليوم السبت، تاركًا خلفه زوجة وأربعة أطفال.
وفي 29 يوليو/تموز قالت مصادر حقوقية لموقع “الموقع بوست” إن الأسير “عبيد بن ناصر بن مساعد الذوي” من أبناء قبيلة دهم محافظة الجوف، توفي في سجون جماعة الحوثي بصنعاء، جراء التعذيب الذي تعرض له داخل السجن.
وحسب المصادر، فإن جماعة الحوثي أسرت “عبيد” قبل أشهر أثناء مواجهات مع قوات الجيش والمقاومة في الجوف، وأعلنت عن وفاته أمس الأول.
وفي 27 مايو/أيار أفادت مصادر حقوقية، أن جماعة الحوثي أبلغت أسرة الأسير في الجيش اليمني “ماجد محمد عبادي” بوفاته بعد مضي 5 سنوات من الأسر، حيث قالت المصادر إنه توفي جراء التعذيب.
يقول أمين عام منظمة مساواة “نجيب الشغدري” إن هذا العدد من أسرى الجيش اليمني الذين تأكد وفاتهم بالتعذيب لدى جماعة الحوثي يظهر تناقضا بين ماترفعه جماعة الحوثي من خطاب عن احترامها حقوق الأسرى الذين يقعون تحت الأسر في الجبهات، وأنهم يحظون بمعاملة خاصة.
وأضاف متحدثا لـ”يمن ديلي نيوز” هذه النماذج التي وثقتها مساواة ومنظمات حقوقية أخرى تظهر أن الأسرى في سجون الحوثيين يعانون من أوضاع لا إنسانية ما يتطلب من منظمة الصليب الأحمر تكثيف جهودها للاطلاع على الأوضاع التي يعيشها الأسرى.
تقارير حقوقية
وفضلا عن وفيات أسرى الجيش اليمني بالتعذيب وثقت العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية وفاة العشرات من المختفين قسريا معظمها إن لم تكن جميعها في معتقلات جماعة الحوثي.
آخر الوفيات كانت لموظف برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة “أحمد باعلوي” الذي توفي بعد أقل من 3 أسابيع على اختطاف جماعة الحوثي و7 آخرين من محافظة صعدة في 23 يناير/كانون الثاني 2025.
في هذا المحور نستعرض أبرز ما نشرته المنظمات الحقوقية من إحصائيات وأرقام توثق حالات التعذيب في المعتقلات والسجون في اليمن عمومًا، وفي معتقلات وسجون جماعة الحوثي بشكل خاص، وفق تسلسلها الزمني الآتي:
– البداية مع عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان القاضية إشراق المقطري، التي أكدت في تصريح سابق لـ”يمن ديلي نيوز” أن اللجنة وثقت خلال الفترة من 2014 حتى 2025 نحو 140 حالة وفاة لمعتقلين مدنيين وغير مدنيين نتيجة تعرضهم للتعذيب في سجون الحوثيين في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، شملت محافظات تعز، والبيضاء، والحديدة، وأمانة العاصمة، وذمار، وحجة، والجوف، وإب.
– وفي 26 يونيو/حزيران 2024، نشرت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان بيانًا تزامن مع اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، ذكرت فيه أنها وثقت ما لا يقل عن 657 واقعة تعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة من قبل جميع أطراف النزاع المسلحة في مختلف المحافظات اليمنية.
– وفي 26 يونيو/حزيران 2023، أصدرت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات تقريرًا بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، حيث وثقت 1716 حالة تعذيب لمختطفين داخل معتقلات وسجون الحوثيين، منهم 421 شخصًا قضوا تحت التعذيب الذي تعرضوا له أثناء فترة احتجازهم.
– وفي 26 يونيو/حزيران 2023 أيضًا، أشارت منظمة سام للحقوق والحريات في بيانها الصادر بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب إلى إحصائية سابقة لها كانت قد وثقت وفاة أكثر من 200 شخص قضوا تحت التعذيب في سجون أطراف الصراع في اليمن خلال الأعوام (2016 و2017 و2018).
– وفي 26 يونيو/حزيران 2022م، أكدت منظمة مساواة للحقوق والحريات أنها وثقت وفاة 293 معتقلًا مدنيًا قضوا تحت التعذيب في سجون ومعتقلات الحوثيين في كل المحافظات الخاضعة لسلطتهم، وذلك خلال الفترة من سبتمبر/أيلول 2014 وحتى نهاية يونيو/حزيران 2022.
من منظور قانوني
تجرم دساتير معظم الدول وقوانينها النافذة والاتفاقيات والمعاهدات الإقليمية والدولية جريمة التعذيب وتمنع ممارستها بكل أشكالها وصورها، وتدين مرتكبيها أفرادًا كانوا أو جماعات جنائية، وتعاقبهم بعقوبات متفاوتة من قانون لآخر، وهو ما سنستعرضه في هذا المحور ونركز عليه لتوضيح الموقف القانوني من جريمة التعذيب ومرتكبيها محليًا وإقليميًا ودوليًا.
على الصعيد المحلي:
يحظر الدستور اليمني في المادة (48) الفقرة (ب) التعذيب جسديًا أو نفسيًا أو معنويًا، ويحظر القسر على الاعتراف أثناء التحقيقات. وللإنسان الذي تقيد حريته الحق في الامتناع عن الإدلاء بأية أقوال إلا بحضور محاميه، ويحظر حبس أو حجز أي إنسان في غير الأماكن الخاضعة لقانون تنظيم السجون، ويحرم التعذيب.
كما يحظر قانون الإجراءات الجزائية رقم (13) لسنة 1994م في مادته (6) الفقرة (أ) تعذيب المتهم أو معاملته بطريقة غير إنسانية أو إيذائه بدنياً أو معنوياً لقسره على الاعتراف. ويعتبر كل قول يثبت أنه صدر من أحد المتهمين أو الشهود تحت وطأة شيء مما ذكر يهدر ولا يعول عليه. ويؤكد القانون نفسه في مادته رقم (16) عدم انقضاء الدعوى الجزائية في جريمة التعذيب بمضي المدة.
وبشأن العقوبات، يعاقب قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لسنة 1994م في مادته رقم (166) بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات كل موظف عام كذب أثناء تأدية وظيفته أو استعمل القوة أو التهديد بنفسه أو بواسطة غيره مع متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو على الإدلاء بأقوال أو معلومات في شأنها، وذلك دون إخلال بحق المجني عليه في القصاص أو الدية أو الأرش.
كما يعاقب ذات القانون في مادته رقم (168) بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة كل موظف عام استعمل القسوة مع الناس اعتمادًا على سلطة وظيفته بغير حق بحيث أخل بشرفهم أو أحدث الأذى بأبدانهم دون إخلال بحق المجني عليه في القصاص والدية والأرش، ويحكم في جميع الأحوال بعزل الموظف من منصبه.
أما على الصعيد الإقليمي:
فيحظر الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته القمة العربية الـ16 المنعقدة في تونس في 23 مايو/أيار 2004 في مادته رقم (8) تعذيب أي شخص بدنياً أو نفسياً أو معاملته معاملة قاسية أو مهينة أو حاطة بالكرامة أو غير إنسانية.
ويلزم هذا الميثاق كل الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية، من ضمنها اليمن، بأن تحمي كل دولة طرف كل شخص خاضع لولايتها من هذه الممارسات، وتتخذ التدابير الفعالة لمنع ذلك. وتعد ممارسة هذه التصرفات أو الإسهام فيها جريمة يعاقب عليها لا تسقط بالتقادم، وأن تضمن كل دولة طرف في نظامها القانوني إنصاف من يتعرض للتعذيب وتمتعه بحق رد الاعتبار والتعويض.
على المستوى الدولي:
يشدد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المعتمد في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948، في مادته (5) أنه “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة من الكرامة”. ويؤكد الإعلان في مادته (10) على أن “يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصلية في الشخص الإنساني”.
بينما يشدد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، في مادته (7)، على أنه “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، وعلى وجه الخصوص لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو عملية على أحد دون رضاه الحر”.
في حين تعرف اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، لعام 1984م، التي دخلت حيز النفاذ في 26 حزيران/ يونيو 1987 وصادقت عليها اليمن، التعذيب بأنه “أي فعل يؤدي إلى التسبب في ألم أو معاناة شديدة جسديًا أو عقليًا”، ويُحظر من قبل المحكمة الجنائية الدولية باعتباره جريمة ضد الإنسانية.
وكذلك حظرت اتفاقيات جنيف الأربع التعذيب بجميع أشكاله، أو الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل والتشويه، والمعاملة القاسية، على كل الأفراد المشمولين في تلك الاتفاقيات.
وألزمت اتفاقية جنيف الأولى في المادة (12) أطراف النزاع الذي يكون تحت سلطتهم جرحى أو مرضى من أفراد القوات المسلحة أو من غيرهم من الأشخاص المشار إليهم أن يعاملهم معاملة إنسانية، ويجب على الأخص عدم تعريضهم للتعذيب.
كما تلزم المادة (49) والمادة (50) من ذات الاتفاقية الدول المتعاقدة باتخاذ الإجراءات التشريعية اللازمة لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة لهذه الاتفاقية، والتي تشمل أفعال التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية التي تحدث آلامًا شديدة أو أضرارًا خطيرة بالسلامة البدنية أو بالصحة.
أما اتفاقية جنيف الثانية المتعلق بتحسين حال الجرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار، ففرضت بموجب المادة (50) عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة لهذه الاتفاقية، والتي منها التعذيب.
وكذلك حظرت اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بمعاملة أسرى الحرب التعذيب والمعاملة القاسية وأفعال التشويه البدني للأسرى، أو ممارسة أي إكراه بدني عليهم لاستخلاص معلومات منهم من أي نوع، ولا يجوز تهديدهم أو سبهم أو تعريضهم لأي إزعاج أو إجحاف إذا رفضوا الإجابة.
وشمل الحظر بموجب هذه الاتفاقية مجموعة من الأفعال، من ضمنها الإهمال غير المشروع الذي يسبب موت الأسير، أو تعريض الأسير للتجارب الطبية أو العلمية من أي نوع كان، مما لا تبرره المعالجة الطبية للأسير المعني أو يكون في مصلحته.
اتفاقية جنيف الرابعة والمتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين زمن الحرب أيضًا حظرت في المادة (32) من هذه الاتفاقية كافة التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص المحميين الموجودين تحت سلطتها.
ولا يقتصر هذا الحظر بموجب هذه المادة على القتل والتعذيب والعقوبات البدنية والتشويه والتجارب الطبية العلمية التي لا تقتضيها المعالجة الطبية للشخص المحمي وحسب، ولكنه يشمل أيضًا أي أعمال وحشية أخرى، سواء قام بها وكلاء مدنيون أو وكلاء عسكريون.
وحددت المادة (147) من هذه الاتفاقية عددًا من الانتهاكات الخطيرة لهذه الاتفاقية، التعذيب أو سوء المعاملة بما في ذلك التجارب الخاصة بعلم الحياة، وتعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو الصحة.
وأخيرًا، صنفت محكمة الجنائية الدولية في المادة 7 من نظامها الأساسي جريمة التعذيب بأنها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية إذا ارتُكبت بشكل منهجي أو في سياق النزاعات المسلحة.
من منظور ديني
تحرّم جميع الأديان السماوية تعذيب البشر أو إيذائهم أو امتهان كرامتهم بأي شكل من الأشكال، باعتباره عملاً همجياً ينافي الفطرة الإنسانية السليمة، وينتهك المبادئ والقيم الأساسية التي جاءت بها الشرائع السماوية وأكدت عليها جميع الأديان.
ويرى الدين الإسلامي جريمة التعذيب فعلاً محرماً شرعًا، ويضعها في دائرة المحرمات الكبرى، باعتبارها من أبشع الجرائم التي تنتهك المبادئ والقيم التي جاء بها الإسلام لحماية الإنسان وصون كرامته وحفظ حقوقه، مصداقًا لقول الله تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”.
وفي السنة النبوية توعد الرسول صلى الله عليه وسلم من يعذبون الناس في الحديث الذي رواه مسلم “إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا”، مما يشير إلى شدة جرم هذا الفعل من منظور إسلامي.
ولم تجز الشريعة الإسلامية تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو التنكيل بهم بأي شكل من الأشكال، بل أوجبت معاملتهم معاملة حسنة، مصداقًا لقوله تعالى: “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا”.
وفي المسيحية، ترفض الكنيسة الكاثوليكية ممارسات التعذيب، وتعتبرها “إهانة للكرامة الإنسانية”، كما جاء في إنجيل متى (7:12): “فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم”، مما يعزز مبدأ معاملة الآخرين برحمة وإنسانية.
أما في الشريعة اليهودية، يوصي العهد القديم بمعاملة الإنسان بعدل ورحمة، كما جاء في سفر الخروج (22:21): “لا تضطهد الغريب ولا تضايقه، لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر”.
ورغم وجود بعض النصوص التوراتية التي تحمل تأويلات قاسية في معاملة الأعداء، إلا أن الفكر اليهودي في المجمل يجرم التعذيب ويعتبره انتهاكًا للقيم الأخلاقية.
ومما سبق، يتضح موقف جميع الأديان الموحد في تحريم التعذيب ورفضه وعدم تبريره بأي شكل من الأشكال في أي ديانة سماوية، باعتباره يتعارض مع مبدأ الرحمة الإلهية والعدالة الإنسانية.
وبالتالي، فإن محاولة بعض الجماعات المتطرفة تبرير التعذيب باسم الدين ليست سوى توظيف مشوَّه للنصوص الدينية، يخدم أهدافًا سياسية أو سلطوية، لكنه يبتعد تمامًا عن جوهر التعاليم السماوية التي حرّمت الاعتداء على الإنسان ووضعته في أعلى مراتب التكريم.
من منظور شيعي
ومذهبيا تعتبر جماعة الحوثي شيعية المذهب، تأثرت كثيرا بالاثني عشرية ويجيز أبرز مراجعها الدينية قتل الأسرى وفقا للإمام الخوئي في كتاب منهاج الصالحين الفصل الثالث أحكام الأسرى.
وأبو القاسم الخوئي (1899-1992) كان مرجعًا دينيًا شيعيًا إماميًا اثني عشريًا، ويُعد من كبار مراجع التقليد في الحوزة العلمية في النجف الأشرف بالعراق.
تتلخص أحكام الفصل الثالث للخوئي من كتابه منهاج الصالحين أن مصير الأسرى يختلف بحسب ظروف الأسر، ففي الحرب يجوز قتل الأسرى المقاتلين، أما بعد انتهاء الحرب، فيتم تخيير الامام بين العفو أو الفداء أو الاسترقاق.
ويستدل “الخوئي” على ذلك بمعتبرة رفاعة النخاس التي تجيز استرقاق من تم أسرهم حتى في غير حالة الحرب، باعتبارهم نُقلوا من دار الشرك إلى دار الإسلام.
ونقل “الخوئي” عن الطوسي في تفسيره “التبيان” أن الإمام مخير في الأسرى بين القتل والمن والفداء والاسترقاق، لكنه في كتابه “المبسوط” نفى جواز قتل الأسرى بعد انتهاء الحرب.
ويضيف: تدل الروايات، ومنها معتبرة طلحة بن زيد، على أن الأسرى في الحرب القائمة يمكن قتلهم أو قطع أطرافهم كعقوبة، أما بعد انتهاء الحرب، فللإمام الخيار بين الإطلاق أو الفداء أو الاسترقاق.
ومعتبرة رفاعة النخاس التي يستند عليها معظم مرجعيات الشيعة هي إحدى الروايات الفقهية المنقولة عن الإمام جعفر الصادق في المصادر الحديثية الشيعية، وتتناول حكم استرقاق بعض الأسرى والسبايا في ظروف معينة.
خلفية تاريخية
أما تاريخ الأئمة الشيعة في اليمن فتسرد المصادر التاريخية وقائع تعذيب وقتل متعددة بينها واقعة قتل ألفي أسير على يد الإمام شرف الدين بن المطهر من أبناء محافظة البيضاء.
يقول وزير الثقافة اليمني الأسبق خالد الرويشان إن المطهر ابن الإمام شرف الدين الذي وصفه بـ “مؤسس الداعشية الأول” قتل ألفي أسير يمني من أسرى رداع وعنس.
يصف الرويشان في مقال نشره عام 2021 هذه الواقعة بأنها “جريمة كبرى لا سابقة لها في تاريخ العرب ولا لاحقة! لكنها حدثت ذات يوم في اليمن ذات يوم من أيام القرن العاشر الهجري وقد وقعت في عنس في موكل قرب رداع سنة 941 هجرية أي قبل 500 سنة تقريبا هي واقعة تاريخية.
والرويشان دعا الجميع لقراءة هذه الحادثة وخصوصا الأجيال الجديدة التي لم تقرأ تاريخ اليمن، والتي تعيش أحداث اليوم ومآسيه مندهشة مستغربة متسائلة : ماذا يحدث؟ ومن أين جاء هولاء الإماميون القتلة؟ في إشارة إلى جماعة الحوثي.
وأردف: هاهو التاريخ يجيبكم يا شباب اليمن هذا من ذاك.. وهؤلاء من أولئك التاريخ لا يعيد نفسه اليوم فحسب.. بل أنه يخطب ويهدد ويتوعد أيضا التاريخ الأغبر عاد بأيدي الخونة! خونة البلاد أعادوه وفتحوا له الابواب والنوافذ.
وواصل في مقاله الذي نشره في صفحته على فيسبوك: للأمانة التاريخية والدقة العلمية سأنقل ما كتبه مؤرخ اليمن الكبير القاضي محمد يحيى الحداد في كتابه الضخم ” التاريخ العام لليمن ” المجلد الثالث ص 32 طبعة صنعاء عاصمة للثقافة العربية 2004 .. وبالنص : ( وجاء الأمير المطهر بقواته الذين حملهم على ألفي ناقة من بلاد نجران إلى بلاد رداع ، وقامت بينه وبين آل طاهر معركة ” موكل ” في بلاد عنس المجاورة لبلاد رداع، وسجّل المطهر انتصاراً حاسماً على الطاهريين قتل في المعركة من قوّتهم ثلاثمائة رجل ، وأسَرَ منهم ألفين وثلاثمائة مقاتل، ثم أمر المطهر بقتل ألف من الأسرى ، وهو راكبٌ على بغلته حتى غطى الدم حوافرها كما ذكرت المصادر المذكورة ، وأرسل المطهر ببقية الأسرى وعددهم الف وثلاثمائة إلى والده إلى صنعاء.
ويواصل والكلام للمؤرخ “الحداد”: وحَمَلَ كُلّ أسير رأسَ قتيل من الألف ، وذكرت بعض المصادر أنه أمر جنوده الذين أرسلهم مع الأسرى أن يقطعوا رؤوس الأسرى قبل أن يطل والده الإمام من نافذة قصره ، وأنه سقط رأسان مع كل أسير بعد قطع رأسه ، ولاقى قتل الأسرى استنكارا عاما في مختلف الأوساط اليمنية لمخالفته لمقتضيات العرف والشرع ، وأن أباه الإمام استنكر ذلك أيضا وقال” اللهم إني أبرأ إليك مما فعله المطهر”.
واختتم الرويشان مقاله: كهذا المطهر غطّى الدمُ حوافرَ بغلته من دماء اليمنيين! ويسمّي نفسه الإمام المطهر! (ويسمون انفسهم الاطهار والاشراف والساده).
وتتحدث المصادر التاريخية عن وقائع أخرى منسوبة للأئمة الذين حكموا اليمن، ومن بينها قيام الإمام المطهر بن النّاصر بقطع أيدي وأرجل رهائن خولان الطيال في باب اليمن وهم صغار في السن وهجم على خولان صنعاء فهدم حصونها ومساجدها وقتل أسرها، وهم ٣٥٠ أسيراً.
مرتبط
الوسوم
أسرى الجيش اليمني
تعذيب المختطفين
جماعة الحوثي
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news