الجنوب اليمني | خاص
أثار عقد إيجار مثير للجدل لأرض تابعة لمؤسسة النقل البري في العاصمة المؤقتة عدن، لصالح مستثمر مقرّب من رئيس مليشيا المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، عاصفة من الانتقادات والاتهامات بالاستيلاء غير القانوني على ممتلكات الدولة.
وتفجرت القضية لتكشف عن نمط مقلق من “عقود الاستثمار” المشبوهة التي يُزعم أنها تُستخدم لتقنين السيطرة على أصول الدولة في مناطق سيطرة المجلس الانتقالي.
كشفت مصادر محلية لـ”الجنوب اليمني” عن حصول “فهد العبادي”، المسؤول المالي في مليشيا المجلس الانتقالي والمقرب من الزبيدي (وتبين لاحقًا أنه صهره)، على عقد إيجار لحوش المؤسسة الواقع في منطقة عبدالقوي بمديرية الشيخ عثمان، لمدة 25 عامًا.
وبحسب المصادر، فإن قيمة الإيجار السنوية زهيدة ولا تتناسب مع القيمة السوقية للموقع الاستراتيجي، حيث تم تحديدها بمليون وخمسمائة ألف ريال يمني فقط سنويًا، وذلك بهدف إقامة مشاريع تجارية من شأنها تحقيق أرباح طائلة للمستثمر على حساب المؤسسة العامة.
وأكدت المصادر أن الموقع يتميز بموقع حيوي يصلح لإقامة عشرات المحلات التجارية، مشيرة إلى بدء عمليات التجهيز والمسح في الأيام الأخيرة، مما يثير مخاوف جدية بشأن فقدان مؤسسة النقل البري لأحد أهم أصولها في ظل الظروف المالية الصعبة التي تمر بها.
وتعزز هذه المخاوف وثيقة رسمية مسربة، مؤرخة في 8 نوفمبر الماضي، تتضمن توجيهًا صريحًا من محافظ عدن أحمد حامد لملس، يلزم مدير عام مؤسسة النقل البري بتأجير الموقع لصالح “مؤسسة فهد بن عبادي”، بناءً على “توجيهات الزبيدي”، مع التشديد على “تنفيذ القرار دون تأخير أو مماطلة”.
في المقابل، أصدرت المؤسسة المحلية للنقل البري – عدن بيانًا رسميًا أقرت فيه بتأجير الأرض، لكنها زعمت أن الإجراءات تمت “وفقًا للقانون” بهدف “استثمار الأصول وتحسين الإيرادات” لمواجهة التزاماتها التشغيلية، نافية بشدة الاتهامات بـ”الاستحواذ” أو “البسط” على ممتلكاتها.
وأكد البيان أن “ما يتم تداوله بشأن نهب أو بسط على الموقع عارٍ عن الصحة، وما جرى هو تأجير قانوني لأحد المستثمرين في قطاع النقل البري، وذلك بموجب التوجيهات الرسمية”.
ودعت المؤسسة إلى “تجنب تسييس القضية أو تحويلها إلى مادة للتجاذبات الإعلامية”، معلنة استعدادها لتقديم “أي توضيحات” للجهات المختصة والرأي العام.
إلا أن هذه القضية فتحت الباب واسعًا أمام تساؤلات حول عمليات مماثلة للسيطرة على أراضي الدولة وتحويلها إلى مشاريع استثمارية خاصة لقيادات مليشيا المجلس الانتقالي، مستغلين نفوذهم في عدن منذ عام 2019 وحالة الفوضى الإدارية التي تعيشها المدينة.
ويشير ناشطون إلى أن مليشيا المجلس الانتقالي، الذي يرفع شعار “استعادة دولة الجنوب”، بات يستخدم سلطته لتعزيز المصالح الشخصية لمقربيه بدلًا من تحسين الخدمات العامة أو إصلاح مؤسسات الدولة المتهالكة.
ويحذر مراقبون من أن استمرار هذه الممارسات قد يؤدي إلى استنزاف الأصول الحكومية بشكل خطير، مما يزيد من ضعف المؤسسات الخدمية في المستقبل، خاصة وأن عقود الإيجار طويلة الأجل تجعل من الصعب استعادة هذه المواقع أو استخدامها لأغراض عامة لاحقًا.
تصاعدت المطالبات بفتح تحقيق مستقل وعاجل في ملابسات عقد الإيجار المثير للجدل، للتأكد من مدى توافقه مع القوانين والإجراءات القانونية، وضرورة نشر تفاصيل العقد للرأي العام تحقيقًا للشفافية.
يُذكر أن فهد العبادي، المستثمر في القضية، هو صهر رئيس مليشيا المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، وسبق أن وُجهت إليه اتهامات في العام 2023 بسرقة سيارات إسعاف، مما يضيف بعدًا إضافيًا للشكوك حول نزاهة الصفقة ويثير تساؤلات حول استغلال النفوذ والمحسوبية في إدارة أصول الدولة.
تُعيد هذه القضية إلى الواجهة ملف استغلال النفوذ والتصرف بأصول الدولة في مناطق سيطرة المجلس الانتقالي، وتطرح تساؤلات جوهرية حول مدى جدية المجلس في الحفاظ على المال العام وممتلكات الدولة، أم أن الأمر لا يعدو كونه غطاءً لتقنين “نهب الأصول” وتوزيعها على المقربين تحت ستار “الاستثمار”؟
ويبقى مصير “حوش النقل” في عدن مجرد مثال واحد على معضلة أوسع تتطلب تحقيقًا جادًا ومحاسبة، حفاظًا على ما تبقى من أصول الدولة ومصالح المواطنين.
مرتبط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news