أعد التقرير لـ”يمن ديلي نيوز” إسحاق الحميري:
أثار البيان الصادر عن البنك المركزي اليمني في عدن يوم الأربعاء الماضي وجهات نظر متباينة في الأوساط الاقتصادية، حيث اتهم البنك جهات حكومية بتعطيل موارد سيادية، معتبرًا أن ذلك هو أحد الأسباب الرئيسية وراء انهيار سعر الصرف، الذي تجاوز حاجز 2350 ريالًا للدولار الواحد.
البنك المركزي أكد في بيانه أنه سيواصل العمل لاستعادة استقرار العملة وحماية القطاع المصرفي، لكنه أشار إلى أن ذلك لن يتحقق إلا في حال التزام مجلس القيادة الرئاسي والحكومة بخمسة اشتراطات أساسية، أبرزها وقف الممارسات غير القانونية في تحصيل الموارد، وإعادة توجيه جميع الإيرادات إلى حساب الحكومة العام، إضافة إلى تفعيل المؤسسات الحكومية وإعادة تشغيل المرافق الإيرادية.
البنك في بيان أشار إلى دور الحرب في أسعار الصرف. معتبرًا أن “الانهيار الاقتصادي هو نتيجة طبيعية لهجمات الحوثيين على المنشآت النفطية، والتي أوقفت أهم مورد للخزينة العامة”. وشن الحوثيين “حربًا استخباراتية تستهدف زعزعة استقرار العملة”، عبر الترويج للشائعات والتلاعب بسوق الصرف، مستغلين غياب دور مؤسسات الدولة في مواجهة هذا التحدي.
لكن في المقابل، يرى عدد من الاقتصاديين تحدثوا لـ”يمن ديلي نيوز” أن البيان لم يخرج عن كونه محاولة جديدة من البنك المركزي لتحميل الآخرين المسؤولية عن أزمة انهيار العملة، بدلًا من تقديم حلول حقيقية.
من المفترض
!
يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة حضرموت الدكتور “محمد الكسادي” إن المفترض من البنك أن يتقدم بطلب الاسناد من التحالف العربي وفق الترتيبات السابقة عن طريق التحالف كون اليمن تحت الفصل السابع، إلا أن التحالف نفسه ثبت له أن هناك فساد مالي وإداري، مما أدى إلى تأخر الدعم المطلوب.
من ناحية أخرى – يقول الكسادي – لـ”يمن ديلي نيوز”: هناك غياب واضح لمؤسسات الدولة، فالبنك المركزي يطالب بدعم من حكومة غير موجودة فعليًا على الأرض، مما يجعل هذا الطلب غير منطقي.
وتحدث عن مشاكل أخرى تعرقل تنفيذ قرارات استعادة أسعار الصرف، مثل إغلاق المحاكم بسبب الإضرابات، وضعف الأجهزة الأمنية، مما ينعكس على قدرة الدولة على فرض سلطتها وتنفيذ السياسات المالية والنقدية بشكل فعال.
ووصف “الكسادي” بيان البنك المركزي الأخير بأنه “لم يكن دقيقًا” حيث ألقى بالمسؤولية على الحكومة رغم أنه جزء منها. في النهاية، البنك المركزي هو المسؤول عن إدارة السياسة النقدية بالتوازي مع السياسة المالية، ولا يمكنه التملص من مسؤوليته.
وتابع متسائلا: على سبيل المثال، من المسؤول عن مراقبة محلات الصرافة التي تسيطر على سوق الصرف؟ ومن الذي سمح لها بالتلاعب بالسوق والتسبب في تسرب النقد؟ كذلك، من الذي تسبب في إفراغ البنوك من تمويلها المخصص للمشاريع الصغيرة؟
وأردف: بالتالي، لا يمكن للبنك المركزي أن يتنصل من مسؤوليته الأخلاقية والاقتصادية تجاه المواطنين، حيث أن بيانه الأخير لا يعفه من المسؤولية عن الوضع الحالي.
وواصل: الواقع يؤكد أن مزايدات البنك المركزي وتصريحاته غير المجدية لم تؤدِ إلى أي تحسن، بل كانت سببًا رئيسيًا في استمرار تدهور العملة الوطنية، خاصة وأن البنك لا يتحكم في سوق الصرف، بل تسيطر عليه محلات الصرافة.
تبرئة لنفسه
في السياق يتفق الاقتصادي “عبدالحميد المساجدي”: يبدو أن البنك المركزي اليمني يحاول في بيانه تحميل كامل المسؤولية للأوضاع السياسية والعسكرية، مع تبرئة نفسه من أي قصور، رغم أنه جزء من المنظومة الاقتصادية التي ينبغي أن تتحمل مسؤوليتها كاملة، سواء في إدارة الأزمة أو تقديم الحلول الفاعلة.
وتابع في حديث مع “يمن ديلي نيوز”: البيان يعيد التذكير بالأسباب المعروفة التي أدت إلى الأزمة، وعلى رأسها الهجمات الحوثية على المنشآت النفطية وتعطيل الموارد السيادية، لكنه في الوقت ذاته يشير إلى عدم تجاوب الجهات الحكومية مع مقترحاته، مما يثير التساؤل: هل دور البنك يقتصر على تقديم التحذيرات والمناشدات فقط، أم أن عليه اتخاذ إجراءات عملية تعكس قدرته على التعامل مع الأزمة؟
وقال: إذا كان البنك المركزي يرى أن الحكومة لم تتجاوب مع مقترحاته، فلماذا لم يوضح للرأي العام ماهية هذه المقترحات ومدى واقعيتها وإمكانية تنفيذها؟ ولماذا لم يمارس نفوذه وصلاحياته لمعالجة ما يصفه بـ”سوء إدارة الموارد المتاحة”؟ ثم إذا كانت هناك ممارسات غير قانونية في تحصيل الموارد كما في البيان، فما هي الإجراءات التي اتخذها البنك لكبح هذه التجاوزات؟.
وأردف: الاكتفاء بالتحذيرات المتكررة لا يعفيه من مسؤوليته، بل يجعله شريكًا في هذا التقصير.
وواصل المساجدي: كما أن البيان يتحدث عن ضرورة إسناد الحكومة للبنك المركزي، لكن السؤال هنا: ماذا قدم البنك المركزي ليكون جديرًا بهذا الإسناد؟ هل أدار الموارد المالية المتاحة بطريقة تضمن الحد الأدنى من الاستقرار، أم أن سياساته لم تكن بمستوى التحديات؟ ما الذي فعله للحفاظ على قيمة العملة الوطنية، غير البيانات والتصريحات التي لم تترجم إلى سياسات ملموسة؟
وتابع: الحقيقة أن البنك المركزي، كغيره من المؤسسات، مسؤول عن الوضع الحالي وليس مجرد جهة مراقبة تكتفي برصد الأزمات دون تقديم حلول عملية.
وقال إن الحديث عن الحاجة إلى “إعادة توجيه الإيرادات” و”تفعيل الأجهزة والمؤسسات” كلام عام لا يقدم جديدًا، بل يعكس استمرار التخبط وغياب الرؤية الواضحة لإدارة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.
واختتم حديثه لـ”يمن ديلي نيوز”: في ظل هذا المشهد، فإن المواطن، الذي يعاني من أسوأ الظروف المعيشية، لا يريد بيانات إنشائية تشرح له ما يعرفه مسبقًا، بل يريد إجراءات فاعلة تضمن له الحد الأدنى من الاستقرار الاقتصادي، وهو ما لم يقدمه البنك المركزي حتى الآن.
إعلان استسلام
من جانبه، وصف الصحفي الاقتصادي “ماجد الداعري” بيان البنك المركزي بأنه “إعلان استسلام” و “رفع للراية البيضاء” أمام الواقع المالي المتردي، بعدما أصبح عاجزًا عن التدخل في السوق أو فرض رقابة حقيقية على سوق الصرف.
وأرجع في تعليق لـ”يمن ديلي نيوز” استمرار انهيار العملة سببه الأساسي هو عدم تحصيل موارد الدولة إلى البنك المركزي، واستحواذ جهات متنفذة على الجزء الأكبر من الإيرادات، ما جعل الحكومة عاجزة عن ضبط السوق أو التحكم في سعر الصرف.
وقال الداعري إن إعادة تصدير النفط لم يعد حلًا سحريًا للأزمة، لأن تدهور سعر الريال استمر حتى عندما كانت عائدات النفط لا تزال تصل إلى خزينة الدولة.
وذكر الفجوة الكبيرة بين حاجة السوق المحلية من العملة الأجنبية وما يتوفر فعليًا من موارد يجعل أي محاولات لاستعادة الاستقرار غير ممكنة في ظل الظروف الحالية واستمرار المضاربات وتهريب الأموال إلى الخارج وإلى مناطق الحوثيين.
وفي ظل هذا المشهد، تبقى التساؤلات مطروحة حول قدرة البنك المركزي والحكومة على إيجاد حلول واقعية تنقذ الاقتصاد اليمني من الانهيار التام، في وقت يعاني فيه المواطنون من أسوأ أزمة معيشية في تاريخ البلاد.
فبينما يسجل الريال اليمني أدنى مستوى له يبدو أن المعالجات المطلوبة لا تزال بعيدة عن متناول صناع القرار، وهو الأمر الذي يضع أمام المؤسسات الرسمية اليمنية التحرك الجاد والعاجل لإيجاد حلول تعيد الاستقرار الاقتصادي للبلاد.
مرتبط
الوسوم
البنك المركزي اليمني
انهيار العملة الوطنية
بيان البنك المركزي
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news