العرب
لفت تمسّك كبار شركات النقل البحري في العالم بتجنّب الإبحار عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر ومواصلة توجيه سفنهم وناقلاتهم نحو المسار الطويل المكلف ماليا والذي يلتفّ حول القارة الأفريقية، مجدّدا حجم المشكلة التي تسبّب بها الحوثيون من خلال تعرضّهم لخطوط الملاحة تحت عنوان دعمهم لحركة حماس الفلسطينية في صراعها المسلح ضدّ إسرائيل.
ويبدو من خلال ذلك الخيار الذي لخصه قرار شركة “ميرسك” الدنماركية أن هجمات الحوثي على السفن والناقلات قد أوجدت مشكلة أمنية طويلة الأمد لا يمكن حلّها بمجرّد لجوء الجماعة إلى تهدئة لا يُعلم مداها الزمني.
ولا تريد شركات الشحن العالمية الدخول في مقامرة وجعل مصالحها ومصالح حرفائها وكذلك أمن طواقمها رهنا لمزاجية جماعة أيديولوجية غير منضبطة ومعروف عنها أنّها تؤدي دور الذراع الإقليمية لإيران وتصوغ قراراتها ومواقفها وفقا لسياسات الإيرانيين ومصالحهم وصراعاتهم.
وأعلنت “ميرسك” أنها ستواصل الإبحار حول أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح حتى ضمان المرور الآمن عبر البحر الأحمر على المدى الطويل. وأشارت وفقا لوكالة رويترز إلى أن المخاطر الأمنية على السفن التجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب لا تزال مرتفعة.
ويحمل هذا القرار خيبة أمل لدول إقليمية، وتحديدا، مصر التي كانت تأمل أن يقود قرار الحوثيين بالتهدئة نحو عودة نشاط النقل البحري عبر قناة السويس التي تراجعت عائداتها المالية بشكل كبير منذ انخراط الحوثيين في استهداف السفن إثر اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل.
لكن القرار نفسه لا يخلو من تبعات للحوثيين أنفسهم الذين سيظلون تحت مجهر الملاحظة الدولية بفعل المشكلة التي أوجدوها والخسائر التي تسببوا بها لعدّة جهات.
ويستشعر الحوثيون حدوث تغيرات إقليمية ودولية في غير مصلحة المحور الإيراني الذي ينتمون إليه وقد تكون لها تبعات شديدة الوقع عليهم. وعلى هذه الخلفية سارعوا إلى اغتنام فرصة التهدئة بين حركة حماس وإسرائيل ليوجّهوا بدورهم رسالة تهدئة.
وقرروا في وقت سابق إطلاق سراح طاقم السفينة “جالاكسي ليدر” المحتجزين لديهم منذ أكثر من عام وذلك استباقا لما قد يترتّب عن تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتّحدة وما يمكن أن يحمله ذلك من تغييرات محتملة في تعاطي واشنطن مع الملف اليمني، خصوصا وأن سلفه جو بايدن كان متهما بممارسة اللين إزاء الجماعة الموالية لإيران وتهديداتها لخطوط الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن.
وحمل قرار واشنطن إعادة إدراج جماعة الحوثي على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية أولى ملامح التغيير في طريقة التعامل الأميركي مع الحوثيين بعد رحيل الإدارة الديمقراطية بقيادة جو بايدن التي عرفت برخاوة مواقفها من الجماعة ومجيء الإدارة الجمهورية برئاسة دونالد ترامب المعروف بميله إلى الحزم إزاء إيران وأذرعها في المنطقة بما ذلك جماعة أنصارالله الحوثية.
ومؤخّرا قدّر مركز الخبرة الفرنسي المعني بالأمن البحري عدد المقذوفات الحربية التي أطلقها الحوثيون على السفن التجارية بنحو سبعمئة مقذوف بين صواريخ وطائرات مسيرة.
وكان المركز نفسه قد أوصى شركات الشحن بأن تظل حذرة وألا تبحر بكثافة في البحر الأحمر على الرغم من توقّف الحوثيين عمليا على مهاجمة السفن.
وبناء على مثل تلك التوصيات والتقارير غير الواثقة من تحقيق درجة الأمان الكافية في البحر الأحمر ما تزال أكبر شركات الشحن في العالم تفضّل تحمّل أعباء مالية إضافية على المقامرة بسفنها وطواقمها التي من شأن تعرّضها لأي أضرار على أيدي الحوثيين أن يرتبّ على تلك الشركات أعباء التأمين والتعويض الباهظة للمتضررين.
وكان الرئيس التنفيذي لشركة “ميرسك” فينسنت كليرك قد توقع في وقت سابق أنه لن تكون هناك عودة قريبة إلى البحر الأحمر بسبب ما وصفها بـ”حالة عدم يقين كبير”.
وقالت “ميرسك” إنها ستواصل تحويل مسار سفنها حول أفريقيا عبر طريق رأس الرجاء الصالح حتى يتم التأكد من المرور الآمن عبر منطقة البحر الأحمر وخليج عدن على المدى الطويل. ورغم ترحيب الشركة بإعلان الحوثيين عن قرارهم خفض تصعيدهم ضد السفن واصفة إياه بأنه “خطوة في الاتجاه الصحيح نحو الاستقرار والعودة إلى الأوضاع الطبيعية في قطاع الشحن العالمي،” إلا أنّها استدركت بأن المخاطر الأمنية التي تهدد السفن التجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب لا تزال مرتفعة.
وأضافت الشركة في بيان “مع وضع ذلك في الاعتبار وكون سلامة أطقمنا وسفننا وشحناتكم على رأس أولوياتنا، ستواصل ميرسك الإبحار حول أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح”.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news