حفلة الكراهية.. اليمنييون في الفضاء الأزرق (فيسبوك)

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 49 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
حفلة الكراهية.. اليمنييون في الفضاء الأزرق (فيسبوك)

خلافاً لكل الفضاءات والمساحات الإفتراضية للمجتمعات الاخرى، حتى ذات التنوع الديني والثقافي المتمايز إطلاقاً، تبرز المساحة الإفتراضية الأم (فيسبوك) بالنسبة للمجتمع اليمني بوصفها ساحة صراع ومعترك حرب، اجواءها مشحونة بإنفعال هائل طوال الوقت، حيث الجميع يشحذ سيفه، ويعدُّ العدَّةَ لمواجهة الآخر. إن الإنقسام في هذا الفضاء اليمني الخطِر يمتد ليشمل الآف المعسكرات، وبالتالي مختلاف النزاعات والتكتلات العصبوية الناقمة الباحثة عن ثارأتها.

أصبح من المعلوم اليوم أن العديد من اليمنييون يأتون إلى فيسبوك لتصفية حساباتهم، للنيَّل وللتنّكيل العلني _ بغية إلحاق المزيد من العار _ بخصومهم، فالمقصد أن يتحقق ثأرهم على رؤوس أشهاد متحمسين، يقومون بدور المُآزِر المُشجِّع والمُحرِّض. ولقد نجح الجمهور اليمني في هذا ايما نجاح، فهو الوقود التي لطالما تعهدت النار بالنار، وهو قارع الطبول المتمرس، وهو المتلصص المهووس بالفضيحة.

لن نبحث هنا أكثر في تمظهرات هذه القضية، فهي واضحة أساسا، ولكن سنكتفي بالبحث عن دلالاتها.

من المؤكد أن الصراع في وسائل التواصل الاجتماعي ليس حصراً على المجتمع اليمني، بل هو أمرٌ شائع في كل البلدان والمجتمعات التي طالتها الثورة التكنولوجية، وإن بدرجات متفاوتة من مجتمع لآخر. ومن هنا فإن الجدل المجتمعي وتبايين الآراء والإتجاهات حقيقة مُسلَّمٌ بها في كل الفضاءات الإفتراضية لمختلف المجتمعات.

ولكن الفضاء الإفتراضي للمجتمع اليمني وبعض المجتمعات المتخلفة (مجتمعات العالم الثالث)، التي تعيش حالة من الصراع الدائم والازمات الإقتصادية والإجتماعية، تقدم لنا صورة مغايرة لشكل هذا الصراع الإفتراضي السائد في المجتمعات الأكثر استقرارا على مختلف الأصعدة.

ولسوف أكتفي هنا بطرح اختلاف واحد ولكنه جوهري، فيما يتعلق بشكل هذا الصراع : ففي حين يتخذ هذا الصراع شكلاً إنتقاميًّا عدائيا في الفضاء الإفتراضي اليمني على سبيل المثال، فإنه يتوقف في الغالب في الفضاءات الإفتراضية للمجتمعات الأكثر تحضُّرا واستقراراً على مجرد الخلاف في الرأي، وهو خلاف يضمر احترام مسبق وبديهي لذات الآخر ووجهات نظره.

إن الملاحظ لسلوك السواد الاعظم من اليمنيين على ( فيسبوك ) يدرك أن ثمة إستياء واضح ونقمة لاواعية تحتجب خلف هذا السلوك الناقم لهؤلاء اليمنيين. إن نبرة العداء تبرز هنا، كما لو كانت بمثابة حكم مسبق وبديهي، كما لو كانت قاعدة متعارف عليها، سلوك طبيعي لا شك في صوابه.

عندما بدأت بتتبع خيوط هذا الصراع الإفتراضي اليمني، لاحظت منذ البداية أن ثمة الكثير من الجهل في اوساط الجمهور اليمني الإفتراضي فيما يتعلق بمختلف حالات الخصام، حالات الخصام نفسها التي يحمل هذا الجمهور نفسه على عاتقه مهمة ترويجها وإيقاد جذوة نيرانها كلما بدأت تخبو وتنطفئ. وليس الجهل هنا جزئياً، بل هو في الغالب جهل كلي؛ الجهل باسباب الخصام، والجهل كل الجهل بالخصماء، والجهل كذلك بجدوى الخصام والغاية منه.

بمعنى آخر، إن الترندات التي يتبناها الجمهور اليمني، وينغمس في سجالاتها في الكثير من الأحيان لا تكون في حقيقة الأمر مدركة بصورة واضحة بالنسبة لهذا الجمهور، ما يعني أن اهتماماته تجاهها غالباً ما تكون مفتعلة، وغير واعية بماهيتها تماماً، وإنما ينقاد خلفها بإيعاز من لاوعيه المضطرب الباحث عن تلهية وتصريف لإضطراباته.

إذن، هي طريقة مُضلَّلة وغير مباشرة لتصريف الإنفعالات؛ للتلهية، للهرب من الواقع، للإهتمام بشيء ما، بدلاً من هذا الفراغ والكبت الفاجع للوعي.

نعم. وإلا كيف يمكن تعليل الإعتداء اللفظي، والتحريض، والسخرية من شأن أشخاصاً لا نعرفهم، لم يسبق لنا لقاءهم، كل ما نعرفه عنهم، لا يتعدى اسماءهم وربما صورهم الشخصية على الأكثر.

ولكن الرغبة في تصريف الإنفعالات هي نتاج كبت وقهر في المحصلة، وليست ناشئة من اللاشيء. ومن هنا فإن القول بأن الرغبة في تصريف الإنفعالات تفسِّر سلوك اليمنيين الجارح على ( فيسبوك ) هو قول باطل وناقص.

صحيح أن اليمني خلال مختلف مراحله التاريخية، كان يفتقر غالباً إلى القيم المعرفية، لكنه كان في المقابل يحوز على العديد من القيم الروحية (الاخلاقية) التي ظلَّ العُرف والعادة ومن ثم الدِين يغذِّيانها باستمرار، ويمنحاها سلطة واسعة في وأقع حياتهم، وفي علاقتهم بالآخر.

مالذي تغيَّر إذن، وغيَّر قيَّم واخلاق اليمنييون معه ؟ إن الإنهيار القيمي الذي نشهده، يطرح امام الملاحظ العديد من علامات الإستفهام ؟.

يرى عالم الإجتماع الفرنسي دوركايم : أن الإنهيار القيمي مقرونٌ بالضرورة بإنهيار وأقع الحياة الإجتماعي، بتفكُّك النسق، وباضطراب الواقع المعيشي. إن الأمر آنئذٍ يكون اشبه بفقدان او نسيان المعايير الضابطة، بانهيار ملحوظ للمرجعية الاخلاقية التي كانت تحكم سلوكيات المجتمع وتحدد ضوابطه.

من جانب آخر يؤكد علماء النفس على أن ثمة عقد شخصية تظل كامنة، إلى أن تطرأ ظروف معينة (قهرية) حينها تطفو هذه العقد على السطح، وتظهر بجلاء من خلال بعض السلوكيات الشخصية.

كعقدة قايين : والمعروفة بكونها شكل مرضي من أنواع الرَّمي العدواني _ للشيء المزعج أو غير المستحب. فهي نوع من الحسد الأخوي الذي اصبح نوعاً من مبدأ السلوك الإسقاطي او الرفضي أو عدم التقييم أو العدوانية، لكل منافس حقيقي أو مفترض.

وكذلك عقدة الهدم : والمعروفة بكونها رغبة في السيطرة أو الإتلاف أو التلويث بالمعنى المعنوي. وغير هذه من العقد، وخصوصاً العُقد الجنسية.

فمثل هذه العُقد تكون كامنة في حال الوفرة والإكتفاء، وتعاود الظهور عند الشحة والحاجة والعوز، وتترجم من خلال سلوك ناقم، عدائي، وحاقدٍ بلا مبرر.

والآن لنعد إلى موضوعنا. إن الإنفعال حسب هوسرل :” هو الواقع الإنساني الذي يتحمل نفسه ويتجه منفعلاً نحو العالم “. فالإنفعال بهذا المعنى يأتي بصفته ” ردّات فعل الإنسان امام العالم ” .

ومن هنا فإننا لا نستطيع أن نحيل الإنفعال إلى مجرد واقعة نفسية فقط، تصدر عن باطن المرء، إثر اضطرابات عضوية، او ضغوط نفسية.

ويرى بول سارتر كذلك أن :” الإنفعال يدل حسب طريقته على مجمل الوعي، وإذا نظرنا على الصعيد الوجودي، دلّ آئنذ على الواقع الإنساني. بل هو هذا الواقع الإنساني نفسه يتحقق على شكل إنفعال “.

إن من خلال النقاط الثلاث الاخيرة التي طرحناها، نستطيع أن نستنتج بوضوح، أن الإنسان اليمني يعيش مأزقاً وجودياً بما تحمله كلمة مأزق من معنى.

الوجود اليمني مهدد بالفعل، والآفاق كلها لا زالت مظلمة، هذا مأزق اجتماعي، ينعكس أثره على هيئة ضغوط نفسية يتلقاها الإنسان اليمني مرغماً، ويتحملها دفعة واحدة، وهذا مأزق نفسي من شأنه أن يعيد أحياء كل العقد، بل ويخلق عقدة جديدة، وقد بدأت مثل هذه العقد بالظهور بالفعل. ومن ثمَّ حين ينفعل الإنسان اليمني، ويأتي ردات فعل غير سوية، أو مبالغٌ فيها، او ناقمة بلا مبرر، أو ساخرة تضمر كراهية غامضة .. الخ، يكون هذا الأمر، باتفاق العديد من الباحثين في علمي النفس الإجتماع، دلالة مأزق وجودي، اضطراب يوحي بإنعدام الرؤية، واختلال الإرادة، وانمِحاءٌ لمعالم الأفق على الصعيد الشخصي.

إن ما يعوز اليمني اليوم بصورة جليّة هو السلام الباطني؛ التصالح مع الذات، والنضج بما يكفي لفصل واحتواء مكابدات حياته، وتحملها وحده بشجاعة ومسؤولية، بعيداً عن البحث عن تصريف لها لدى الآخر؛ الآخر البريء كل البراءة عن سوء مآله، عن ازماته، وضغوط حياته.

في وأقعٍ كهذا لا وجود لحلولٍ جذرية لهذا المأزق الوجودي، إذ أن الواقع نفسه هو المأزق، وبصلاحه يصلح حال اليمنيين، ولكن لا أحد يدري متى يصلح حال البلاد.

إذن، هل نقف مكتوفي الأيدي ازاء هذه المحرقة، التي لسوف تمتد نيرانها لتطال قيم واخلاق اجيال يمنية باكملها؟. فمن يربو على شيء يشيخ عليه كما يُقال، وفي هذا الوسط المضطرب والناقم كيف يمكن أن ينشئ جيل متصالح مع ذاته وبالتالي مع الآخر ؟.

والاسواء من ذلك أن ثمة اليوم من يبخس من قيمة الخطاب النظري ويقلِّل من شأنه، بوصفه عديم الفائدة والأثر عند مواجهته بواقع الأمر.

ولكن هل بقيَّ لدينا خيار آخر، في ظل غياب الإمكانات المادية والتدهور على مختلف الأصعدة، إن الكلمة، كلمة القلب إلى القلب، هي رهاننا المتبقي، هي قشة الغريق الشهيرة، التي حين يدرك المرء الغرق، تكون هي الأكثر اهمية من كل شيء.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل : بشرى سارة ...الكشف عن تفاصيل اتفاق وشيك بين الحوثيين والشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية "تفاصيل"

جهينة يمن | 1053 قراءة 

رحيل آخر سلاطين زنجبار

جهينة يمن | 681 قراءة 

بعد رفض المجلس الرئاسي لقائه.. المبعوث الأممي يغادر الرياض ويصدر بيان هام

وطن الغد | 624 قراءة 

اتفاق سلام وشيك في اليمن من ثلاث مراحل.. يتضمن صرف المرتبات

مساحة نت | 588 قراءة 

الكويت.. حكمٌ يقضي بحبس وزير الداخلية السابق الشيخ طلال الخالد 14 سنة مع عزله

جهينة يمن | 571 قراءة 

الرئيس العليمي يصدر قرار جمهوريا برقم 25 لسنة 2025م.. نص القرر

نيوز لاين | 545 قراءة 

أمريكا تعلن تدمير الدفاعات الجوية لإيران

وطن الغد | 498 قراءة 

بنفس طريقة إزاحة هادي.. الكشف عن خطة السعودية للتخلص من العليمي

مساحة نت | 471 قراءة 

فارس أنيس' المتهم بقتل' زوجته يتجول بحرية' في عدن 'والخطر يتفاقم

صوت العاصمة | 434 قراءة 

بن لزرق يحذر الأسر اليمنية من استراحات خاصة وينبه إلى قضية مزعجة ستظهر قريبا

عدن حرة | 431 قراءة