‏شراكة سعيد في أرض عامر (قصة حقيقية)

كنتُ عصر الأربعاء في حي العيادات بالمنصورة، حين اقترب مني رجل في العقد السابع من عمره، يسأل عن “عيادة طبيب”. قال إنه يبحث عنها منذ الظهيرة.

أدرتُ نظري في المكان فرأيت اللوحة الخاصة بالعيادة، وأشرت عليها “هذه هي بالقرب”.

شكرني الرجل، وأردف بلكنة بدوية قائلاً: “شعه كان با يحصل لي ذي حصل لرسول أمذري، ذي سرح وما عاد رجع؟”

قصة “رسول أمذري” معروفة في أبين، وقد أصبحت مثلًا شعبيًا يُطلق على الشخص الذي يذهب لقضاء حاجة ثم يتأخر في العودة.

تعود القصة إلى رجل يُدعى “هيثم عوض السعيدي”، من منطقة دثينة. أرسله أهل المنطقة إلى لحج لجلب بذور القطن. حين وصل إلى هناك، انشغل بسهرات غنائية ورقصات تقليدية. ولأنه كان شاعرًا موهوبًا، أُعجب القمندان به وبشعره، مما دفع هيثم للبقاء فترة طويلة في الحوطة، حيث وجد فيها متعةً وسحرًا جعلاه يتأخر عن العودة.

طال غياب هيثم لسنوات، حتى أنه عندما عاد إلى دثينة، وجد أن أهله قد تقاسموا الأرض وحرموه من نصيبه. لم يُبدِ اهتمامًا بذلك، بل عاد إلى الحوطة، المكان الذي استوطن قلبه. وهناك، عبّر عن عدم حاجته إلى الأرض التي صادروها عليه أهله، وانشد “هيثم عوض قال ريت الأرض في ودره، با سَلِّيَ القلب مابا بات شي مغبون،

حتى ولا الناس با تِلْقِي عَلَي سَمْرَهْ، القلب ما طاع يقنع والهوى مسنون “.

قلت له مازحاً: يتضح أن الجنوبيين، وقع لهم مثل رسول أمذري”.

قال : لا يا أبني، نحن وقع معنا مثل قصة أهل عمر؟

كيف قصتهم؟.. سألته

يسترسل:” أهل عمر هؤلاء من قدانا، كانت معهم أرض “حسينة” على مجرى السيل، وكانت زراعتها يا سلام سلم، المهم الشيبة عمر، شاف ان قد العمر أزف، قال باقسم بين أولادي “الأرض”، “عامر وسعيد”، عشان ما يختلفوا بعدين ويتقاتلوا، دعاهم إلى حوش البيت، وجلس وسطهم، وصيح على العجوز حقه وين (الرشبة)، اسرعي علي اتقاطبوك، جابت له العجوز الـ”رشبة”.

وبينما كان يداعب “الجمر” بالملقاط، :”اسمعوا يا أولادي، شعوا الموت ما هوشي بعيد، وأنا ما اباكم تتقاتلون بكرة على هذه الأرض، شعوني قسمتها البارح، شمال الوادي شعوه لسعيد وعياله، وجنوب الوادي، لعامر وعياله، وكل واحد ونصيبه، ولا تزعلوا مني شعوني سويت قرعة والحاجة هي اللي اختارت، انا ما شي حولي.

مرت أربعة سنوات على القسمة، والحاج عمر فوق السوم يُقبل الرشبة، ويضحك مع العجوز حقه، نزل مطر غزير، الكل أوى الدار، نزل سيل كبير جرار ويجرف أرض سعيد وعياله كامل، وأصبحت ولا لها أي اثر”.

المهم يا بوك، راح عامر إلى عند سعيد، وطبطب عليه، ولا يهمك يا خوي، راح الشر، الآن تعال با نتقاسم المحصول حقي انا وانت وبا نزرع في هذه الأرض والله با يبارك لنا فيها.

مرت ثلاث سنوات وعامر وسعيد يحرثوا في الأرض، والا والعجوز “ينقفد” – الله يرحمه-، وقعت به (ورد) وأخذته مع ورور.

الا وسعيد قد معه لعامر مهرا ثاني، يقول له أقسم في الأرض، عشان عيالي وعيالك ما يتقاتلوا.

– وليد ادعن الشيطان يا سعيد، كيف اقسم لك وأرضك شلها امسيل؟

– حرام وطلاق، يا عامر ابنك قسم لي والا با كسر رأسك؟

– وليد اتعوذب من الشيطان، هذه أرضي؟

– عيونوا- عيونوا هذا اللي با يتشعبط في حقي.

ويقوم سعيد يتفرع وأولاده يردوه، خلاص ياعم عامر أدخل بيتك ماشي داعي للمشاكل.

– دخل عامر بيته مسكين وجلس مع أولاده، وقال شعوا عمكم سعيد مع حق أرضه قدر الله عليها وشلها امسيل، والآن رعونا با ننديه “مطلع”، يحرثه هو وأولاده.

– وافقوا أولاده على المقترح، ولكن اشترطوا بانعطيه إلى ان يصلح أرضه، وبعدين يخرج من أرضنا.

– عامر يمسح على رأس ابنه الكبير، الله يبارك فيك يا ابني.

– وفي الصباح يبكر عامر وأولاده با يروحوا الأرض يتفقدوها، الا وسعيد وأولاده قدهم يحرثوا “امجربة امحسينة”.

– عامر يلاطم بين أيديه، إنا لله وانا اليه راجعون، وراك سويت كذا انته وعيالك ما هو شيء عيب عليك.

– سعيد يسحب “الشيكي” المعلق في امعلب، العيب على الذي يريد يشل حقي وانا حي.

– يا وليد ارفع سلاحك، حقك شعه شله امسيل ما هو شي معي.

– هذه الأرض حقي وباموت فيها أنا وأولادي.

– لا حول ولا قوة الا بالله، طيب اسمع، خلنا ندخل فيها شراكة نحرثها مع بعض.

– سعيد يتجه صوب عامر والشكي في يده، ما في شراكة ولا أي شيء، وسوي في بندقك عشر.

– يعني تبا تشلها علينا عيني عينك؟

– أيوه حقي انا بن عمر، ومن قتل دون حقه شهيد؟

واحد من أولاد سعيد “عاقل”، قال خلاص موافقين وبا نقنع الشيبة بالشراكة، ولكن لما نسوي أرضنا ونعيدها من جديد، ولازم تساعدونا في إعادة ارضنا من جديد.

راح عامر وباع كندة قديمة معه، وجاب فلوسها لسعيد “هذه مساهمتي مني معك روح جيب جرافات ورجع ارضك.

ذهب سعيد إلى لودر، وجاب جرافة، وبدأ يجرف في هذه السيلة إلى أن رجع الأرض حقه، كامل.

عامر يتفقد أرض سعيد وقد عادت مرة أخرى، ما شاء الله ما ذلحين أرضك معك.

– ها قل با تطردني من أرضي يا عامر ذي شقيت فيه سنين؟

– يا سعيد، هذه أرضي وقدني اشتركتك فيها تزرع وتحصد، والآن خلاص الله معك أرضك صالحة للزراعة روح اشتغل فيها؟.

– بطل هذا امهرا يا عامر، الأرض هذه حقي وحقك، اما هذه انا رجعتها من لا شيء، وخسرت فيها دم قلبي.

– طيب والكندة ذي بعت لك عشان اساعدك؟

– ها انته قلت مساعدة، يعني بدون مقابل، الآن خلينا نطلب الله والا نعصد ابوها هنا وعلي وعلى اعدائي.

– وبقي الوضع كما هو، أرض سعيد له وحده، وأرض عامر “شراكة والنصيب الأكبر مع سعيد”.

– وسلامتكم.

‎#صالح_أبوعوذل