تكشف معلومات جديدة عن توجه للمملكة العربية السعودية لإنشاء تشكيلات عسكرية مسلحة في محافظة المهرة اليمنية الواقعة في شرق اليمن، والمحاذية لسلطنة عمان.
المعلومات التي حصل عليها "الموقع بوست" من قيادات محلية في مدينة المهرة تتحدث عن ترتيبات متعددة لتدريب وإنشاء معسكرات من عناصر تابعة للتيار السلفي الديني المتشدد الذي يحظى بتمويل ورعاية واهتمام السعودية، ويعمل وفقا لأجنتها في محافظة المهرة.
التيار السلفي المتواجد في المهرة حاليا لم يكن موجودا من قبل، ولكنه وصل المحافظة بعد الأحداث التي شهدتها محافظة صعدة في العام 2013، ودفعت بالسلفيين للتوزع على عدة محافظات يمنية، بعد دفعهم نحو مغادرة صعدة بشكل نهائي، وهي المدينة التي كانت تمثل معقلا لهم، وذلك من خلال مركز دار الحديث الذي أسسه الأب الروحي للحركة السلفية في اليمن مقبل هادي الوادعي، والذي اعتنق الفكر السلفي داخل المملكة العربية السعودية في ثمانينيات القرن الماضي.
وأدت التحولات التي شهدها اليمن منذ ثورة فبراير 2011، وما أعقبها من أحداث إلى تأثر هذا التيار، فقد أعلنت جماعة الحوثي حربها في صعدة مستهدفة هؤلاء، وشنت حربا ضروسا في معقلهم بدماج منذ العام 2012، وأدت تلك الحرب إلى تهجيرهم من مدينة صعدة مطلع العام 2014 تحت نظر وسمع الحكومة اليمنية التي لم تحرك ساكنا، بل إن سياستها الباردة مثلت عاملا مؤثرا في إغراء الحوثيين بشن حربهم، وخذلان السلفيين.
كانت تلك الحادثة سببا من أسباب هجرة السلفيين إلى عدة مدن يمنية، بحثا عن مكان آمن، ومع سقوط العاصمة صنعاء بيد الحوثيين في سبتمبر من العام 2014، تدافع هؤلاء إلى محافظات أبعد علهم يجدون الملاذ الآمن، وكانت المهرة واحدة من تلك المحافظات التي وصلوها.
رفض مجتمعي
وصل أول المنتمين للتيار السلفي إلى محافظة المهرة في العام 2014، وهو العام الذي شهد ذروة التصعيد ضد السلفيين في محافظة صعدة، وانتهى بسقوط العاصمة صنعاء بيدهم، وخلال تلك الحرب التي اشتد لظاها في محافظة صعدة مستهدفا مركز الحديث وصل مجموعة من الطلاب إلى المهرة بصحبة منتمين من التيار ينحدرون من محافظات أخرى، وسعوا لتأسيس مركز سلفي في مديرية حصوين، لكن أبناء المنطقة تصدوا لهم، ومنعوهم من تأسيس المركز، وجرى طردهم، وإرغامهم على مغادرة المنطقة.
في المهرة وجد السلفيون مكانا مريحا وهادئا للبقاء، فالمهرة لم تشهد من قبل أي حراك طائفي، ما ساعدهم في الانتشار على عدة مديريات، ولكن تزايد أعدادهم، ومساعيهم لنشر أفكارهم وسط المجتمع المهري دفع بحراك اجتماعي لمواجهتهم، فخرجت مسيرات ومظاهرات تطالب بإخراجهم، ووقف تمددهم، وهو ما حصل في مدينة قشن التاريخية التي تظاهر السكان فيها مطلع يناير من العام 2018 للمطالبة بإخراج السلفيين، بما في ذلك انخراط النساء في تلك التظاهرات.
ارتبط التوغل السلفي في المهرة مع مجيئء السعودية إلى المهرة نهاية العام 2017م، واتخذت منهم الرياض أحد الوسائل لتمرير أجندتها، ووفرت لهم المساكن، والدعم المالي، وباتوا يمتلكون إذاعات محلية، ومساجد لتوجيه أفكارهم، واستقطاب الطلاب من داخل المهرة، أو خارجها.
أتاح هذا التمكين والتشجيع للتيار السلفي من قبل السعودية إلى تحولهم لمشكلة حقيقية تواجه المجتمع في المهرة، خاصة بعد إطلاق قادة منهم أحكاما تكفيرية بحق شخصيات محلية، والترويج للسياسة السعودية، ومن ذلك ما يتعلق بنظرة الرياض للصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأخير في غزة، ما دفع بشخصيات اجتماعية للتنديد، ورفع القضية للجهات الحكومية، والتي توصلت مؤخرا لاتفاق مع السلفيين لعدم استغلال المساجد، ووقف التحريض الطائفي.
دعم سعودي
لكن هذا الهدوء لم يستمر طويلا، إذ تسربت الأنباء عن توجه سعودي لتشكيل قوات من العناصر السلفية، واطلع "الموقع بوست" على رسائل من أحد القيادات السلفية المشرفة على عمليات التجهيز وهي تتحدث عن حاجتها لأرض داخل المهرة لإنشاء المعسكر، وترتب لعمليات انطلاق حملة التجنيد المنتظرة.
وفقا للمعلومات التي حصل عليها "الموقع بوست" من أطراف محلية في محافظة المهرة، فإن تلك القوات ستحمل اسم "قوات درع الوطن في المهرة"، وهي امتداد لقوات محلية أنشأت حديثا، وتتبع مجلس القيادة الرئاسي، الذي يرأسه رشاد العليمي، وتديرها قيادات أغلبها تنتمي للتيار السلفي، وتنتشر في عدة محافظات أبرزها حضرموت، وشبوة وعدن.
وأكد أحد المنتسبين لهذه التشكيلات، أن مكان التدريب للقوة الجديدة سيكون في محافظة المهرة، وبات الحديث يدور حاليا حول اللقاء بها وتحديد المكان المناسب لتموضعها وإعادة تدريبها، وسيتم تجنيد عناصر من مختلف المديريات في المهرة، والبالغة ثمانية مديريات,
ويذهب إعلام محلي إلى القول إن ضباطا سعوديين في مطار الغيضة أجروا تنسيقات سرية مع شخصيات من التيار السلفي لتشكيل القوات الجديدة، ويبرر السلفيون هذا الأمر بكونه يمثل قوة محلية سيتم تشكيلها لأول مرة من أبناء المهرة الأصليين، وليس كما هو حال القوات الحكومية الموجودة، والتي تتوزع على عدة مدن يمنية.
سبق للسعودية إنشاء معسكرات ونقاط أمنية في مختلف محافظات المهرة منذ وصولها المهرة، وهو ما أثار حفيظة السكان وقتها، ودفعهم لتنظيم الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية، وتحت الضغط الشعبي، اضطرت السعودية للانسحاب التدريجي، ومغادرة المواقع التي أنشأتها كمعسكرات، والاحتفاظ ببقائها داخل مطار الغيضة.
والأمر ذاته سبق للإمارات فعله في المهرة، وهي الدولة الخليجية التي وصلت المهرة قبل السعودية، وعرضت إنشاء وتمويل قوة عسكرية، لكن أبناء المهرة رفضوا تلك الخطوة حينها، ما أعاق أي خطوة للإمام من قبل السعودية والإمارات.
ترفض وزارة الدفاع التابعة للحكومة اليمنية في عدن التعليق لـ "الموقع بوست" حول هذا التوجه، والأمر ذاته مع الحكومة اليمينة التي رفض أحد مسؤوليها التعليق لحساسية الموضوع، لكن المعلومات التي حصلنا عليها تشير إلى وجود توجيهات رئاسية صدرت بتجنيد هذه القوات، وأن السعودية التي تملك سلطة كبيرة على مجلس القيادة الرئاسي تضغط لتشكيلها.
يبدي السكان في محافظة المهرة رفضا لهذه العملية، ويرون أنها تشكل مدخلا لإثارة الطائفية، والنزاع المجتمعي الديني، بينما يعتبر القائمين عليها أنها تمثل فرصة لإيجاد قوات خاصة من أبناء المحافظة، مع الإشارة هنا إلى أن المهرة كانت قبيل استقلالها إمارة مستقلة موالية لبريطاينا يحكمها آل عفرار، وتملك جيشها الخاص، وسقطت في العام 1967م، عندما تمكن الثوار المنتفضين على بريطانيا من الإطاحة بها، وضمها للجمهورية الوليدة، التي كانت تعرف باسم "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية".
مستنقع الصراعات
أبرز الأصوات المحلية التي نددت بعملية التجنيد المزمعة كان من وكيل محافظة المهرة لشؤون الشباب بدر كلشات، والذي تحدث عن محاولات ستجر المهرة لمستنقع الصراعات، وتورطها في تشكيلات عسكرية ومليشيا ذات طابع طائفي ومتشدد دينيا.
ارتفاع الصوت في المهرة للتنديد بهذه المحاولات من قبل التيار المناوئ لتواجد التيار السلفي بدا هذه المرة خجولا، خاصة من لجنة الاعتصام السلمي التي قادت الاحتجاجات لعدة سنوات ضد الوجود السعودي في المحافظة، ولم يسفر عنها أي نشاط ميداني، أو بيان رسمي، في هذا الشأن.
ويقول رئيس الدائرة الأمنية في لجنة اعتصام أبناء المهرة مسلم رعفيت إن اللجنة ترفض بشكل قاطع عملية التجنيد من السلفيين، وكل العمليات التي تتم خارج مؤسسات الدولة الرسمية، متهما تلك القوات بتحقيق مصالح أجنبية، وتقويض أمن المحافظة، وتتبع نهج متطرف، وفقا تعليقه لتلفزيون المهرية المحلي.
واستغل الإعلام الإماراتي معلومات تلمح لدور السعودية في عملية التجنيد المرتقبة، وسعى لتفجير خلاف بينها وبين الشخصيات المحلية، واعتبرت صحيفة العرب الإماراتية الصادرة من لندن التحذير من عملية التجنيد ليست سوى محاولة ممن وصفتهم جماعة الإخوان المسلمين – وهي إشارة لحزب الإصلاح - للنيل من السعودية.
وهذا يخالف حقيقة الوضع في محافظة المهرة، إذ أن حزب الإصلاح من أبرز القوى المحلية المؤيدة للسياسة السعودية في المهرة بشكل خاصة، واليمن بشكل عام، ويتقاطع مع التيار السلفي إلى حد كبير، ما يحول تناول هذا الملف إلى مادة للتراشق الإعلامي.
تعقيدات عملية التجنيد تبدو حساسة جدا، إذ أنها تقع في محافظة حدودية مع سلطنة عمان، التي ترتبط بعلاقات إيجابية راسخة مع السكان في محافظة المهرة، وتتشاطر مع اليمن حدودا برية وبحرية، ولها سمعة ومكانة خاصة، وهناك عملية تداخل بالنسب والتوزع القبلي بين الدولتين، وتصدير هذا التيار السلفي إلى حدود سلطنة عمان من شأنه أن يثير حساسية كبيرة لدى مسقط، وقد يعيد التوتر في المحافظة، والصراع المستتر.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news