بعد سقوط ذراعها في سوريا.. هل حان الوقت لقطع ذراع إيران في اليمن؟ (تقرير خاص)
المجهر - تقرير خاص
الأربعاء 11/ديسمبر/2024
-
الساعة:
4:32 م
اضطرابات سياسية وأمنية تشهدها المنطقة منذ عقود طويلة؛ فيما تبدو اليوم وكأنها في مرحلة تحول جديدة بفعل تداخل العديد من العوامل الإقليمية والدولية المتسارعة؛ سيما الأحداث الأخيرة التي شهدتها بعض الدول العربية وشكلت تحولاً جذريًا في تقلبات السياسة الدولية وصراعات النفوذ، الأمر الذي قد يقود إلى تشكيل "شرق أوسط جديد".
فمع تهاوي الأذرع الإيرانية في المنطقة، بدءًا من القضاء على حزب الله اللبناني في ظرف خمسة أيام، مرورًا بسقوط نظام الأسد وسيطرة المعارضة السورية على البلد خلال أيام قليلة، باتت الآن أنظار الجميع موجهة بشكل كبير نحو جماعة الحوثيين في اليمن، والفصائل الموالية لإيران في العراق، بغية تفكيك ما يسمى "محور المقاومة"، وعزل طهران دوليًا أكثر من أي وقت مضى، ووضع حدًا لتدخلاتها في دول المنطقة.
يستبعد المحلل السياسي علي الذهب، في حديثه لـ "المجهر": إمكانية قيام شرق أوسط جديد بمفهومه الجغرافي (الجغرافيا السياسية)، كما لم يتصور أن تتشكل دولًا جديدة، أو اختفاء دول أخرى، مؤكدًا أنه ممكن من الناحية الجيوسياسية "الجيوبوليتيك".. "ننظر إلى التحول الحاصل كونه يذهب في هذا الاتجاه، بمعنى تغَيُّر الأنظمة ووبالتالي تغير ولاية الدول وانحيازاتها من القوى الكبرى وهي روسيا والولايات المتحدة والصين.. وما حدث في سوريا يتقاطع مع رؤوس هذا المثلث".
ويضيف: "بطبيعة الحال عندما أتحدث عن أمريكا نتحدث عن الغرب وإسرائيل، فيما عندما نتحدث عن روسيا نتحدث عن الكتلة الشرقية أو ما تبقى منها وأيضا إلى جانب ذلك إيران، ونتحدث أيضا عن نفوذ الصين الاقتصادي والسياسي الان".
ويوضح الذهب قائلًا: "نتحدث عن صفقة القرن والتطبيع مع إسرائيل، نتحدث عن ممرات اقتصادية بديلة للممرات البرية.. الممر الاقتصادي الهندي، والأوروبي بدلًا أو كمنافس للحزام والطريق "مبادرة الحزام والطريق" وأيضًا التأثير على قناة السويس.. يعني بالمفهوم هناك تغير شرق أوسطي جيو سياسي".
ويعتقد الذهب أنه "على مستوى الجغرافيا السياسية، فالدول لا تزال كما هي، وقد يحدث تقسيم لبعض الدول، لكنه ليس تقسيمًا عميقًا، في صورة كونفدراليات في صورة فدرالية كما هو حاصل الآن في سوريا والعراق ويمكن أن يتكرر في اليمن.. وقد يتكرر إلى حد ما في سوريا، حتى سوريا إلى الآن ما زال المشهد مُلبّد، إلى أين تتجه الأزمة؟ نظام الأسد هل سيفرز كيانات من تحته تقوم مقامه أو هل سيتشكل من جديد..؟ بمعنى هذا الحاصل في المنطقة مشهد ضبابي بشكل لا يتصوره أحد؛ فالبعض يعتقد أنها النهاية، فيما هي البداية".
تهاوي أذرع إيران
الانهيار السريع لنظام الأسد في سوريا، يوضح حجم الضغوطات الدولية التي شكلت حجر الزاوية في الأحداث الأخيرة، وساهمت في استعادة البلد من حضن المشروع الإيراني، وبحسب مراقبين فإن هذه التجربة تفتح باب التطلّعات أمام اليمنيين لاستعادة الجمهورية والقضاء على جماعة الحوثي المصنفة ضمن قائمة الإرهاب، والمدعومة إيرانيًا واستعادة العاصمة المختطفة صنعاء من أيدي الانقلابيين.
وأكد سياسيون يمنيون أن استمرار الضغوطات الدولية على نظام ولاية الفقيه في إيران الداعم للجماعة الحوثية، قد تُعيد ما حدث في دمشق من انتصار للثورة السورية، ليكون غداً في صنعاء، وذلك كون القرار السياسي والعسكري والاقتصادي لما يسمى بمحور الممانعة ليس بيد الأذرع الإيرانية، بل تُدار من الغرف المغلقة للحرس الثوري.
وفي هذا السياق، يقول رئيس مركز أبعاد للدراسات، عبدالسلام محمد لـ "المجهر"، إن ما يحصل في الشرق الأوسط هو تداعيات تهاوي النفوذ الإيراني في المنطقة، وهذا أدى إلى تفكك بعد تفكك بنية حزب الله اللبناني، وضرب قيادات الحرس الثوري، سقط نظام بشار الأسد الحليف.. وانعكاساته في اليمن مؤكدة كون الحوثيين جزء من النفوذ الإيراني، ورأس حربة لمحور المقاومة، خاصة بعد إضعاف (حزب الله) وسقوط النظام السوري.
فيما يرى الصحفي والباحث عدنان الجبرني، في حديثه لـ "المجهر"، أن تأثير ما يحدث في سوريا على الحوثيين لن يكون مباشرًا وهناك اختلاف في الحالة فيما يتعلق بتقدير القوة العسكرية وأيضًا السياق الإقليمي، وأهم تأثير هو إنعاش الأمل بهزيمة الحوثي خاصة مع الاضعاف المتواصل للمحور وتهاوي الأذرع، إضافة إلى أن هناك عمل جاد ومنسق يلزم القوات الحكومية قبل إطلاق أي عملية وهذا ما يجب أن تتعلمه من الدرس السوري.
حتمية مواجهة الحوثيين
تأتي هذه التحولات الإقليمية والدولية الحاصلة، مع حالة الرفض الشعبي لجماعة الحوثي الإرهابية في مختلف محافظات اليمن، الأمر الذي يزيد حالة القلق والتوجس لدى جماعة الحوثي، باعتبارها جزء من محور المقاومة، خاصة مع تغير موقف الولايات المتحدة الأمريكية المطالبة بوضع حد لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، والتي شكلت خطراً على السفن التجارية، وانتهكت حريات الملاحة البحرية، كما زعزعت استقرار المنطقة وهددت المصالح الاستراتيجية للدول الأجنبية.
وفي هذا الإطار، يتوقع محللون أن اليد الممدودة من أجل السلام اليوم، ربما لن تجدها جماعة الحوثي في المستقبل، خاصة مع تعنت الجماعة وإصرارها على تجاهل كافة جهود التسوية والحلول السياسية التي تقدمت بها دول التحالف العربي والأمم المتحدة، مستمرة في التنصل من العودة إلى طاولة المفاوضات، أو توقيع خارطة الطريق التي جاءت وفق مقترح للتوصل إلى حل شامل للأزمة اليمنية.
وتشير التصريحات الأخيرة للمبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ، إلى أن طريق السلام في اليمن متعثرًا، مع احتمالية تجدد الاشتباكات، وأنه لا خيار أمام الحوثيين سوى تنفيذ القرارات الدولية، وفي مقدمتها القرار 2216، وتوضح هذه التحركات أن المجتمع الدولي بات يعرف خطورة جماعة الحوثي الإرهابية، وأنه لن يتماهى مع ممارسات الحوثيين العدوانية؛ تزامنًا مع الحديث أيضًا عن ترتيبات حكومية لشن عملية عسكرية حاسمة للسيطرة على الحديدة، وخنق الجماعة والقضاء على الانقلاب واستعادة العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة.
وتحدث الصحفي الجبرني، أن ما يخص الانتفاضة الشعبية في اليمن، فهناك مستوى متصاعد من السخط والغضب ضد الحوثيين وهذا يعتبر وقودًا جاهزًا للاشتعال في أية لحظة لكن ولكي يكون هذا مجديًا أعتقد أنه يجب أن يكون هناك مستوى تنظيم أكبر للقوة المسلحة التي ستتلاقى مع الانتفاضة الداخلية المتوقعة.
ويؤكد رئيس مركز أبعاد للدراسات بقوله إن جماعة الحوثيين ستسقط عسكريًا سواء انطلقت الحكومة من خلال مشروع جيش منفرد، أو مع التحالف والمجتمع الدولي، وهذا يُعني أن الحوثيين لا يمكنهم البقاء، واسقاطهم عسكريًا أمر مهم للغاية؛ من أجل إخراجهم من العاصمة صنعاء بسهولة، معتبرًا أي اتفاق سياسي هو بمثابة بقاء وحدات الحوثيين العسكرية كدولة داخل دولة.
خيار الحرب
الباحث السياسي والعسكري، علي الذهب، يرى أن الوقت مناسب لتطلق الحكومة اليمنية عملية عسكرية تستعيد عبرها الجمهورية والدولة، وتتمكن من إنهاء الانقلاب السلالي.. "الوقت مناسب جدًا، من حيث ظروف الحوثيين وانهيار ما يسمى محور إيران، لأن عملية السلام متعثرة مع الحوثيين سواء تأخرت أو تقدمت.. والحرب هي الخيار الأبرز حاليًا أو لاحقًا؛ ولكن الملف اليمني ليس بأيدي اليمنيين، هو بيد الخارج.. والخارج مصالحه واضحة واتضحت على الواقع الآن من خلال التقسيم الحاصل".
ويستطرد في حديثه لـ "المجهر": "الذي منح الحكومة الشرعية اعترافًا دوليًا بمثابة رشوة للحصول على الأرض وثرواتها في المحافظات الجنوبية والوسطى، أقصد مأرب وحتى المحيط الهندي.. وإعطاء الحوثيين بارقة أمل بأنهم يشكلوا دولة لكنهم نزعوا عنهم الاعتراف.. هذا الذي أيضا إيران عقدت صفقة مع السعودية وأبرمت اتفاقية برعاية صينية، أيضا ما تزال الأمور متعثرة ولا يمكن تحريك الجيش".
ويتساءل الذهب: "متى سيتحرك؟". وبنفسه يجيب: عندما يكون هناك إرادة دولية تدرك أن الحوثيين لم يعد لهم قيمة تخدمهم.. وأن تواجدهم أصبح مؤثر، لكن في الوقت الحالي يقدم خدمة كبيرة للغرب وللأطماع الإقليمية.. هذا بكل وضوح، ولذلك قد يحدث خلط للأوراق وتندلع المواجهات وتصبح المسألة فرض أمر واقع يعني حرب مع الحوثيين.. من سيبادر إلى ذلك لا نعلم وبالطبع الذي سيبادر إلى ذلك هو الذي سيكون فعلًا يحمل هم وطني، وقادر على احتواء تداعيات، وهذا الطرف إلى الآن لا يزال غائبًا.
ويلفت الذهب إلى أن تداعيات هذا الموقف، تتلخص على سبيل المثال في مشروع الانفصال.. "لو تخيلت أن هناك تحركًا في الحديدة، أو توغل في العمق في تعز، أو في اتجاه مأرب أو البيضاء.. ستتحرك عناصر الانفصال لرسم الحدود وإعلان الدولة الجنوبية بموجب الاعتراف الدولي بها أو حتى بالاعتراف الحاصل الان يعني بالجمهورية اليمنية، وهنا ستحدث مشكلة.. من يملك التحرك يجب أن يكون لديه القوة على الأرض قوة الزحف وقوة الكبح، وفي نفس الوقت، هذا غير موجود إلا إذا كان بمرتبة وزير دفاع من الجنوب أو قيادة عسكرية جنوبية، لكن هذا لم يحصل".
معركة الخلاص
شهدت الفترة الأخيرة تقاربًا كبيرًا بين المكونات السياسية اليمنية المنضوية تحت مظلة الحكومة المعترف بها دوليًا، فاللقاءات التي جمعت قيادة قوات التحالف في السعودية مع جميع أعضاء المجلس الرئاسي، وكذلك التوافقات والتفاهمات السياسية الكبيرة، تشير إلى وجود نية جادة لتشكيل جبهة موحدة في مواجهة الحوثيين، واستعداد القوات الحكومية لإطلاق معركة شاملة لتحرير اليمن من الجماعة المدعومة إيرانيًا.
وكثفت قيادات الحكومة، تحركاتها السياسية والدبلوماسية لتعميق الاصطفاف، حيث التقى عضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، مع قيادات حزب الإصلاح في الرياض، بجانب زيارته للعميد طارق صالح في الإمارات، إضافة إلى مشاركة غير مسبوقة للمكونات السياسية في احتفالية المقاومة الوطنية بالساحل الغربي.. جميع هذه اللقاءات الحساسة والمهمة تفيد أن المشهد السياسي اليمني يشهد تحولات إيجابية نحو وحدة الصف وتشكيل جبهة واحدة، لمواجهة الحوثيين.
هكذا إذًا تمنح التوافقات السياسية بصيص أمل في إمكانية تحقيق تقدم ملموس نحو إنهاء الصراع، لكن هذا التقدم يتطلب جهودًا مكثفة من جميع الأطراف المعنية، ودعمًا دوليًا متواصلًا لضمان استقرار البلاد وتحقيق السلام، سيما أن العديد من التحديات تحول دون إطلاق معركة شاملة ضد الجماعة الحوثية؛ فالأزمة الاقتصادية تعد أبرز المعوقات التي تعرقل مسار الحكومة، في ظل صعوبات كبيرة في توفير الموارد المالية اللازمة لدعم جهودها العسكرية.
وبحسب تأكيدات خبراء فإن العملية العسكرية لتطهير البلد من الحوثيين تحتاج لتمويل كبير وتسليح نوعي وتدريب مكثف للقوات الحكومية؛ مع ضرورة ترتيب سياسي إما بعمل حكومة مصغرة «حكومة حرب مصغرة» وغرفة عمليات موحدة أو التنسيق مع جهات إقليمية ودولية لعمل غرفة عمليات مشتركة واسعة.
ويمكن تجاوز التحديات التي تواجه القوات الحكومية وتحقيق التقدم في المعركة ضد الحوثيين، من خلال حشد التمويل اللازم لقوات الحكومة وتعزيز التفاهمات السياسية وضمان التوافق بين مختلف الأطراف، وتكثيف العمل الدبلوماسي لكسب الدعم الدولي وتوضيح الأهداف والغايات للحلفاء الدوليين، والتعاون مع دول الإقليم على توحيد الجهود وتنسيق العمليات العسكرية والدبلوماسية.. كل ذلك في سبيل إطلاق معركة الخلاص من سلالة الحوثيين، واستعادة الدولة.
#اليمن
#سوريا
#أذرع إيران
#ولاية الفقيه
#سقوط نظام الأسد
#جماعة الحوثي
#حزب الله
#الحشد الشعبي
#المنطقة العربية
#الشرق الأوسط
#توتر
#حروب
#مواجهة
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news