حتى اللحظة، يصعب تفسير السقوط السريع والمفاجئ للمشروع الإيراني في سوريا؛ لكنه في المجمل تحول تاريخي أظهر تفوق قوة الحق في منازلة المشاريع المدمرة، وقدرة الشعوب على استعادة أوطانها مهما واجهت من ظروف وتحديات، وهذا ما حققه الشعب السوري في سفر نضال طويل وتضحيات عظيمة ظل يقدمها لثلاثة عشر عامًا في معركة ردع الأطماع الإيرانية عن بلاده وأرضه
.
يذهب المحللون إلى تحليل المشهد السوري في سياق التغيرات الإقليمية والدولية، وإذا كانت ثمة عوامل صهرت هذا الانتصار الكاسح فإن العامل الأهم والجوهري هو "الإرادة الشعبية والوطنية" التي خلقت للسوريين فضاءً رحبًا لرسم لوحة هذا التجلي وإعادة دمشق إلى محيطها العربي بعد اختطافٍ دام سنوات، إن لم يكن عقوداً، لدى مشروع الوصاية الإيرانية وتخاريف الولي الفقيه.
وفقًا لمراقبين، فإن هزيمة إيران في سوريا، مؤشر واضح على بداية النهاية للمشروع الصفوي الذي خيم على المنطقة لسنوات، وتسبب بحالة الفوضى التي تعصف بها، كما أن استعادة دمشق من مخالب الصفوية يهيئ لاستعادة العواصم الأخرى التي تفاخر قادة الحرس الثوري الإيراني قبل سنوات أنها سقطت في يد هذه المنظومة الإرهابية التي أغرقت البلاد العربية بالدماء والأشلاء.
في وقت وجيز، تلقت إيران ضربتين مدمرتين، وسُحق أكثر من نصف مشروعها الطائفي الذي كانت تراهن عليه لتدمير الوطن العربي وتمزيق نسيجه المتناغم، فمقتل حسن نصر الله وتدمير حزبه ومن ثم سقوط نظام الوصاية الإيرانية وهروب مليشيات طهران المتعددة الجنسيات من سوريا، يعد نكسةً غير مسبوقة لم تكن إيران تتصورها على الإطلاق.
ويرى باحثون بالشأن الدولي، أن تبخر المشروع الإيراني بهذه السرعة يعطي دلالات على حالة الضعف التي تمر بها طهران في المرحلة الحالية؛ مشيرين إلى أن المزاج الدولي، حالياً، يتفهم أي تحركات للشعوب المتضررة من تدخلات إيران السافرة لاستعادة أوطانها وعواصمهم التي تسيطر عليها العصابات الطائفية التابعة لإيران بعد أن أصبح السلام والتصالح معها غير مجدٍ.
وبحسب الباحثين، فإن إيران التي كانت تضع يدها على أربع عواصم عربية، هي: صنعاء، بغداد، بيروت ودمشق، قد خسرت عملياً العاصمتين الأخيرتين، مشيرين إلى أن بتر الذراع الإيرانية في اليمن والعراق لن يكون أكثر من مجرد وقت، بعد أن وصلت الشعوب والمجتمع الدولي إلى قناعة تامة بعدم أهلية هذا المشروع -الذي زرع الفوضى في مفاصل المنطقة وتسبب بكل هذا التشظي والعناء التي تعيشه منذ سنوات- لتقرير مصائر الشعوب.
ولعل حالة الخوف والإرباك التي تسيطر على مليشيا الحوثي الإرهابية حالياً، مع تغير ملحوظ في لكنة خطاب قادتها إلى نوع من التودد والمرونة على عكس العنتريات المعهودة، دليل إضافي على القناعة التي وصلت إليها هذه المليشيا بأنها ستلاقي نفس المصير الذي لاقته المليشيات المشابهة لها في سوريا، فتحاول أن تقدم نفسها بطريقية مثالية لاستعطاف اليمنيين الذين ذاقوا لعشر سنوات مرارة إرهابها الدموي ضدهم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news