يشهد المشهد السوري الراهن، ومع التصعيد العسكري ضد الرئيس السوري بشار الأسد (النظام السوري) ، أصداءً واضحة لما جرى في بغداد العراق عام 2003 خلال سقوط نظام البعث بقيادة صدام حسين. وعلى الرغم من تباين السياقات الجيوسياسية، فإن العناصر المشتركة بين الحالتين توضح طبيعة التحولات التي تحدث في ظل انهيار الأنظمة تحت ضغط الحروب الممتدة.
عاش المواطنون في ظل حكم البعث في كل من العراق وسوريا ظروفاً متشابهة رغم الخلاف السياسي العميق بين النظامين. فقد اتفق كلا النظامين في بناء دولة بوليسية تعتمد على الأجهزة الأمنية والمخابرات لتثبيت حكم ديكتاتوري يهيمن على حياة المواطنين ويقمع المعارضة.
بينما خاض صدام حسين حرباً مع الولايات المتحدة انتهت باتهامات امتلاك أسلحة دمار شامل، اتخذ بشار الأسد مساراً مختلفاً يتمثل في تعطيل أي حلول سياسية للأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من عقد. ورغم القرارات الدولية والدعوات الأممية المتكررة، بقي الأسد متمسكاً بسياسة القمع ورفض إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، كما عرقل تنفيذ العدالة الانتقالية المطلوبة لإعادة بناء الثقة بين مكونات الشعب السوري.
هذا السلوك أدى إلى تعقيد الوضع في سوريا، حيث تحولت مطالب الإصلاح السياسي إلى حرب أهلية وصراع دولي مفتوح، مما جعل إمكانية الحل السياسي أكثر بعداً عن التحقيق.
في بغداد، بقي محمد سعيد الصحاف، المسؤول الإعلامي لنظام صدام حسين، الواجهة الوحيدة للسلطة في مواجهة القوات الأمريكية. في دمشق اليوم، يشابه الموقف غياب بشار الأسد وحكومته عن دائرة الخطاب، مع استبدالهم ببيانات وزارة الدفاع التي باتت المتحدث الأبرز للنظام.
يُظهر هذا الغياب ضعف القدرة على استيعاب الموقف وتوجيه الرأي العام الداخلي والخارجي.
في العراق، استخدم النظام دعاية مكثفة تُبرز الانتصارات المفترضة، بينما كانت القوات الأمريكية تتقدم إلى قلب بغداد. في سوريا، يتكرر المشهد ذاته، حيث يواصل النظام الحديث عن “الانسحابات التكتيكية”، في وقت تشير التقارير إلى تراجع استراتيجي على الأرض.
وتشير التقارير إلى تصعيد مستمر في العمليات العسكرية فيالمنطقة الوسطى، حيث تقول الأنباء الأولية أن فصائل المعارضة وصلت إلى مدينة حمص. على الرغم من أن النظام السوري يواصل الادعاء بانسحاب “تكتيكي”، إلا أن الفصائل المعارضة تتقدم بوتيرة أسرع مما كان متوقعًا.
عانت بغداد انهياراً اقتصادياً تسبب في تقويض قدرة النظام على تمويل قواته وإمدادها. في دمشق، يعاني النظام السوري من أزمات مشابهة؛ من انهيار قيمة الليرة السورية، إلى ضعف الرواتب والمخصصات، ما ساهم في تدهور الروح المعنوية لدى القوات النظامية المنهكة من حرب استمرت لسنوات.
قبل سقوط بغداد، لعبت الدعاية الأمريكية دوراً رئيسياً في زعزعة الثقة بالنظام العراقي. اليوم، تُمارس المعارضة السورية دعاية مشابهة تروج لفرار الأسد وتضخم خسائر النظام، مما ساهم في زيادة الشكوك بين صفوف مؤيديه وتراجع معنوياتهم بشكل واضح.
على الرغم من التشابهات، فإن الفارق الرئيسي يكمن في طبيعة القوى المهاجمة في العراق، كانت القوات الأمريكية مدعومة بحملة دولية. أما في سوريا، فإن فصائل المعارضة تعتمد على تكتيكات غير تقليدية وبدعم بعض الدول أيضاً، تشمل استخدام الطائرات المسيّرة والتكنولوجيا الحديثة، مع دعم تقني وتدريب أجنبي محدود، وفقاً لتقارير المرصد السوري.
لم يسمح سابقا دولياً تسليح المعارضة بمضادات طيران، لكن فصائل المعارضة السورية، بما في ذلك “هيئة تحرير الشام” وغيرها من الجماعات المسلحة، استطاعت استغلال الطائرات المسيّرة لتوجيه ضربات دقيقة ضد مواقع الجيش النظام السوري.
هذه التكنولوجيا الحديثة قد غيرت من مسار المعركة، حيث أصبحت الطائرات المسيّرة سلاحًا نوعيًا في أيدي المعارضة، مما منحها القدرة على تنفيذ هجمات مركزة ضد مواقع النظام في مناطق متعددة، بما في ذلك حلب وريف إدلب.
وقد اتهم المندوب الروسي في مجلس الأمن علانية أوكرانيا بتورطها في ذلك، وقال: “نشير إلى ضلوع المديرية الرئيسية للاستخبارات الأوكرانية في تنظيم الأعمال العدائية وتزويد المقاتلين بأسلحة في شمال غرب سوريا”.
تشير سرعة الانهيار في دمشق إلى سيناريو مشابه كما سقطت بغداد بعد ثلاثة أسابيع من بدء العملية الحاسمة. إلا أن التحولات في المشهد الدولي والتعقيدات الميدانية قد تمنح النظام السوري مزيدًا من الوقت أو تؤدي إلى تفاهمات سياسية.
الدول الثلاث التي تشرف عن كثب على الملف السوري عبر محادثات أستانا، تركيا وروسيا وإيران، أعربت في مناسبات سابقة عن عدم نيتها تغيير النظام السوري أو السعي لإزاحة بشار الأسد عن السلطة. وعلى هذا النهج، أبلغت تركيا الأمين العام للأمم المتحدة مؤخرًا بضرورة إشراك الأسد في حل سياسي للأزمة السورية، خاصة في ظل تعثر تنفيذ القرار الأممي 2254، الذي يهدف إلى تحقيق انتقال سياسي شامل.
على الصعيد الدولي، تستمر روسيا في تقديم الدعم للنظام السوري، لكنها أعلنت بشكل صريح أنها لن تشارك في قصف المدن السورية في الوقت الحالي، ما يعكس تغييرًا في استراتيجيتها. أما إيران، فرغم محاولاتها للابتعاد عن الظهور العلني بدعمها للنظام، فإنها لا تزال تقدم دعماً عسكرياً غير مباشر. وقد برز ذلك من خلال مشاركة ميليشيات مثل “فصائل الرضوان” و”الفاطميون” في المعارك الأخيرة، بما في ذلك معركة حماة.
أما اسرائيل فقد أعلنت التهيئة لجيشها للتدخل في حال تصاعدت التطورات في سوريا.
من المقرر أن تُعقد قمة في الدوحة السبت، تجمع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، ووزير الخارجية الإيراني عباس أراكشي، لمناقشة الملف السوري بشكل شامل.
تأتي هذه القمة كامتداد لسلسلة اجتماعات أستانا التي انطلقت عام 2017. ومع انعقاد 22 اجتماعًا سابقًا دون تحقيق تقدم ملموس، يبقى السؤال: هل ستتمكن هذه الجولة من تقديم حلول جديدة أو تحقيق اختراق في الجمود السياسي؟ أو تحمل تطور جديد في مستقبل الأسد؟
السؤال المطروح الآن: هل ستشهد
دمشق
سقوطاً سريعاً كما بغداد، أم أن للنظام أوراقاً أخيرة قد تساهم في إطالة أمد المواجهة؟
هذا المشهد، سواء انتهى بسقوط دمشق أو باتفاقيات جديدة، يؤكد أن النظام السوري يمر بلحظة فارقة قد تُعيد تشكيل خريطة الصراع الإقليمي بأكملها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news