تشهد مصلحة الهجرة والجوازات اليمنية في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً فساداً غير مسبوق في إصدار جوازات السفر، وهي الجهة الوحيدة المخوّلة إصدار جوازات السفر بعد منع التعامل بالجوازات الصادرة من مناطق سيطرة الحوثيين منذ عام 2016.
أراد عبد الله النقيب العودة من غربته في السعودية إلى اليمن للحصول على جوازات سفر لأفراد أسرته التي تقيم في محافظة الضالع (جنوب) استعداداً لإدخالهم إلى السعودية، وعندما علم بوجود سماسرة في مصلحة الجوازات بعدن يمكن أن يستخرجوا الجوازات من دون حضور أفراد أسرته، تراجع عن العودة إلى اليمن، وأرسل مبلغاً من المال لأخيه كي يذهب إلى مصلحة الجوازات، ويستخرج الجوازات المطلوبة.
يقول عبد الله لـ"العربي الجديد": "أخبرني أخي أنه يجري إصدار جواز سفر لأي شخص من دون أن يحضر مقابل مبلغ مالي يتراوح بين 1000 ريال سعودي (270 دولاراً) و1500 ريال سعودي (400 دولار)، وأرسلته كي يتفق مع موظف على إصدار جوازات لزوجتي وأطفالي الثلاثة مقابل 5 آلاف ريال سعودي (1330 دولاراً)، وأرسلت المبلغ إليه، وفوجئت بالحصول على جوازات السفر خلال أسبوعين من دون حضور زوجتي وأطفالي".
ويقول محمد البعداني، من محافظة إب، لـ"العربي الجديد": "أردت الحصول على جواز سفر بشكل عاجل لإكمال معاملة هجرتي إلى الولايات المتحدة للعمل في متجر يملكه عمي، لذا اضطررت للاتفاق مع أحد الموظفين في مصلحة الهجرة والجوازات على دفع 1000 ريال سعودي مقابل تسريع المعاملات، ودفعت 500 ريال سعودي (135 دولاراً) مقدماً، ثم المبلغ الباقي عند استلام الجواز الذي جرى تجهيزه خلال يومين فقط".
تباع جوازات سفر ديبلوماسية في اليمن مقابل مبالغ مالية كبيرة
ويمارس موظفو جوازات السفر عملية سمسرة لتعجيل إصدار جوازات السفر، أو تجهيزه من بُعد من دون أن يحضر الشخص الذي يريد الحصول عليه، كما يبيعون جوازات سفر ديبلوماسية مقابل مبالغ مالية كبيرة.
يقول أحد الموظفين في مصلحة الهجرة والجوازات في عدن، والذي رفض الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد": "تحصل عمليات سمسرة داخل المصلحة منذ أن افتتحت خلال الحرب، ويتفق موظفون مع طالب الخدمة على تجهيز الجواز مقابل مبلغ مالي، فهم يستغلون حاجة الناس إلى الحصول على جوازات خاصة من لديهم سفر مستعجل، فيدفعون مبالغ مالية لتسريع استخراج الجوازات".
يضيف: "لا يزيد راتبي عن 50 دولاراً لذا ألجأ إلى السمسرة لتحصيل رزقي. وهناك جواز السفر المستعجل، وآخر يُستخرج من دون حضور شخصي. وفي الحالتين يُدفع مبلغ مالي بالاتفاق بين الموظف وطالب الخدمة الذي يرى أن هذا الأمر أفضل له من جلب أفراد عائلته من المحافظات الشمالية إلى عدن أو تعز أو مأرب، والذي سيكلفهم الكثير من المال لتغطية نفقات السفر والإقامة في الفندق، وربما تأخير إصدار الجواز باعتبار أن فعل ذلك بطريقة قانونية يحتاج إلى عدة أشهر نتيجة كثرة المعاملات".
ويعد فرع مصلحة الهجرة والجوازات في مدينة تعز من أهم فروع المصلحة، ويشهد ازدحاماً كبيراً لأن الكثير من أبناء المحافظات الشمالية، مثل صنعاء وريمة وذمار وإب والمحويت وغيرها يقصدونه. وتضاعف حجم الزحام بعد فتح منفذ جولة القصر في منتصف يونيو/ حزيران الماضي، والذي يربط المدينة الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية بمنطقة الحوبان شمالي تعز التي تخضع لسيطرة الحوثيين.
ورفع ذلك عدد المعاملات اليومية من 1500 إلى 3 آلاف، حيث اضطر بعض القادمين من المحافظات الشمالية خاصة من يرغبون في الهجرة إلى السعودية وأميركا وبريطانيا إلى دفع مبالغ مالية لموظفي الجوازات رشاوى مقابل تسريع تجهيز جواز السفر وطبعه.
وجعلت الشكاوى الكثيرة التي قدمها المواطنون قيادة فرع المصلحة في تعز تصدر قرار منع استخراج أي معاملة عن بُعد، وتشترط حضور الشخص بنفسه لاستخراج الجواز مع استثناء الحالات المرضية التي تمنع الحضور الشخصي شرط وجود تقرير طبي من جهة رسمية يثبت ذلك.
وقال فرع المصلحة في تعز، في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، إنه غير مسؤول عن أي ابتزاز يتعرض له المواطنون، باعتبار أن إدارة المصلحة قدمت الكثير من التسهيلات للأشخاص المرضى ومن يعملون خارج الوطن، والذين يتابعون دراسات، وأولئك الذي لديهم ظروف سفر عاجلة. ويمكن أن يقدم هؤلاء طلبات لاستعجال طباعة معاملاتهم إلى مكتب المدير العام الذي يمنحهم جوازات سفر بطريقة عاجلة.
وعموماً شهدت سنوات الحرب توظيف آلاف في السلك الديبلوماسي من دون أن يخضعوا لترشيح علني وبالاعتماد على التقاسم الحزبي والمحسوبيات، ما جعل الجوازات الديبلوماسية اليمنية مشبوهة. وبات غالبية من يحملونها لا تنطبق عليهم الشروط المنصوص عليها في اللائحة التي تنظم عملية صرف الجوازات الديبلوماسية. وباع سماسرة مصلحة الهجرة والجوازات العديد من الجوازات الديبلوماسية مقابل أموال، حتى تجاوز عددها 60 ألفاً.
يقول الصحافي محمد الحكيمي لـ"العربي الجديد": "هناك فساد غير مسبوق في مصلحة الهجرة والجوازات التي تحوّلت إلى سوق للسمسرة، وبيع جوازات السفر التي تعتبر من أهم الوثائق القانونية والسيادية للدولة. وللأسف جرى العبث بهذه الوثيقة عبر تحويلها إلى سلعة يصدرها موظفو الجوازات مقابل مبلغ مالي معين، ووصل ذلك إلى حدّ إصدار جوازات لمجهولين، وبعضهم شخصيات مشبوهة ومطلوبة أمنياً".
يضيف: "امتد العبث إلى بيع جوازات السفر الديبلوماسية التي يحصرها القانون بشخصيات القيادية في الدولة مثل الوزراء والبرلمانيين، لكن جرى بيع كثير من هذه الجوازات وصرفها لأشخاص لا علاقة لهم بالعمل الديبلوماسي حتى باتت التقديرات تتحدث عن إصدار أكثر من 60 ألف جواز ديبلوماسي، وهذا العبث جعل عدداً من الدول تتخذ إجراءات معينة للتعامل مع الجواز الديبلوماسي اليمني، مثل فرض تأشيرة إلكترونية في حال رغبته في دخول الدولة أو مذكرة من وزارة الخارجية تؤكد أنه في مهمة رسمية".
واحتل جواز السفر اليمني خلال العام 2024، المركز 101 على مستوى العالم، بحسب مؤشر "هنلي". وهو يتيح لحامليه السفر إلى تسع دول من دون تأشيرة، وإلى 24 دولة عبر استخراج تأشيرة فور الوصول إلى المطار، و41 دولة عبر استخراج فيزا إلكترونية، فيما تطلب 155 دولة من اليمنيين الحصول على تأشيرة مسبقة قبل السفر.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news