تحمل عودة الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض عدة مؤشرات على ممارسة الإدارة الأميركية المزيد من الضغط الاقتصادي على جماعة أنصار الله "الحوثيين" نتيجة موقف ترامب من الجماعة اليمنية، والتي سبق أن قام بتصنيفها جماعة إرهابية في نهاية ولايته الأولى.
ويلوح السؤال عن مدى تأثير عودة ترامب إلى البيت الأبيض على اقتصاد جماعة الحوثيين، خاصة مع احتمالية التشديد في فرض العقوبات الاقتصادية على الجماعة وقياداتها، إذ أن الهجمات التي تشنها ضد السفن الإسرائيلية والمرتبطة بالاحتلال في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، قد زادت من تشدد الموقف الأميركي من الجماعة في الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية.
ومنتصف يوليو/تموز الماضي، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية أفرادا وكيانات على صلة بجماعة أنصار الله "الحوثيين" في قائمة العقوبات.
وذكرت الوزارة، في بيان لها، أن هذا الإجراء يهدف إلى "تعطيل الجهات الفاعلة التي تلعب دورا حاسما في عمليات" الجماعة.
وقالت وكالة رويترز إن العقوبات شملت 12 فردا وسفينة وكيانا مرتبطين بالوسيط المالي للحوثيين سعيد الجمل، بما في ذلك المواطن الماليزي السنغافوري المقيم في إندونيسيا محمد رسلان بن أحمد والصيني المقيم في الصين تشوانغ ليانغ. وأضافت أن هؤلاء "سهّلوا الشحنات غير المشروعة، وشاركوا في غسل الأموال لصالح الشبكة".
تعطيل شبكة الحوثيين
تهدف الإدارة الأميركية من خلال هذه العقوبات إلى تعطيل شبكة الحوثيين مترامية الأطراف من الميسرين الماليين والشركات الوهمية والسفن، التي توفر المصدر الرئيسي لتمويل أنشطة الجماعة المزعزعة للاستقرار، وفقا لما ذكره وكيل الوزارة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية بريان نيلسون.
وسبق لوزارة الخزانة الأميركية أن فرضت عقوبات على زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في عام 2015 بموجب الأمر التنفيذي رقم 13611، كما صنفته وزارة الخارجية الأميركية إرهابيا عالميا محددا بشكل خاص في عام 2021.
وأبرز القيادات الحوثية التي فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات بحقها، شقيق زعيم الجماعة عبدالخالق الحوثي، ومدير مكتب زعيم الجماعة سفر مجد الدين، ووزير الدفاع محمد ناصر العاطفي، ورئيس جهاز الأمن والمخابرات عبد الحكيم هاشم الخيواني، ونائب رئيس جهاز الأمن والمخابرات مطلق عامر المراني، والحارس القضائي للجماعة صالح مسفر الشاعر، ورئيس أركان القوات البحرية والدفاع الساحلي منصور السعدي، وقائد قوات البحرية محمد فضل عبدالنبي، وقائد قوات الدفاع الساحلي ومدير الكلية البحرية الحوثية محمد علي القادري، ومدير مشتريات الأسلحة محمد أحمد الطالبي.
مصادر تمويل الحوثيين
يقول المحلل الاقتصادي فارس النجار لـ"العربي الجديد" إن الحوثيين يعتمدون على عدة مصادر للتمويل أهمها الضرائب والرسوم الجمركية، وفق تقارير صادرة عن فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة. فالحوثيون يجمعون سنويا ما بين مليار و800 مليون دولار إلى مليارين و100 مليون دولار من الضرائب والرسوم من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وهذا يدخل ضمن فرض الضرائب على الشركات والمواطنين، سواء كان على المواد الغذائية أو الوقود الذي يستوردونه عبر ميناء الحديدة".
وأشار المحلل الاقتصادي إلى جانب آخر يتمثل في إيرادات شركات الاتصالات التي ما زالت تحت سيطرة الجماعة. ووفق تقرير نشرته مؤسسة الحرب والسلام، فالحوثيون يجمعون سنويا ما يقرب من 159 مليون دولار فقط كرسوم، وفعلياً تكسب الجماعة أكثر من هذا الرقم بكثير، كونها مسيطرة على أصول خاصة بهذه الشركات كشركتي سبأفون وواي التي أصبحت أصولها وعوائدها بالكامل تحت يد الجماعة.
وأكد المحلل الاقتصادي أن الحوثيين يشتغلون على الإيرادات المباشرة للمشتقات النفطية وهي تجارة السوق السوداء، والتي تدر عليهم سنويا ما يقرب من مليار و14 مليون دولار، وتجارة الوقود في السوق السوداء تشكل 30% من اقتصاد الجماعة، وهناك الدعم الخارجي من إيران الذي يأتي على شكل سلع وليس دعما مباشرا كدعم الوقود، فـ50% من الوقود الداخل عبر ميناء الحديدة هو في الأصل وقود يأتي كدعم عيني، ويقدر سنويا بـ700 مليون دولار.
عودة ترامب
وأوضح المحلل الاقتصادي أنه ستكون هناك تأثيرات مباشرة لعودة ترامب، لأنه كان قد أصدر قرارا بتصنيف الجماعة منظمة إرهابية، وكان هذا التصنيف عاليا وخشنا، وليس تصنيفا ناعما، كما فعلت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن. وعودة هذا التصنيف ستؤدي إلى تجفيف منابع تمويل الجماعة، حيث سيتم التعامل مع الأفراد والجماعات والكيانات التي تتعامل مع هذه الجماعة بأنها تتعامل مع جماعة إرهابية، وهذا سيقلص من حجم التمويل الخارجي وغسل الأموال الذي بدأت تنتهجه جماعة الحوثي، من خلال التواصل والارتباط بكثير من جماعات المافيا على المستوى الدولي والعالمي.
وتوقع المحلل الاقتصادي أنه سيكون هناك تشديد على السواحل فيما يتعلق بمحاربة التهريب، وقد تتلقى جماعة الحوثي ضربات مباشرة استراتيجية وقوية تضر بهم، وليس ضربات شكلية، وهذا سيضعفهم. وفي العادة يتعامل الحوثيون مع مثل هذه الإجراءات باستراتيجيات معينة حاولوا فيها تجنب هذه العقوبات، ولذا سيعملون في اتجاهات عديدة، منها زيادة الاستغلال المحلي، من خلال فرض جبايات جديدة، ومضاعفة الرسوم الضريبية، كما سيفرضون رسوما جديدة كرسوم صندوق المعلم، وصندوق الشهيد وغيرها.
وأضاف: وسيثقلون أيضا كاهل المواطنين والقطاع الخاص غير التابع لهم، وسيزيدون من تسهيلات الاقتصاد الموازي، والكيانات التي أنشأتها هذه الجماعة، وستحاول الاستعانة بشبكات تهريب تجارية جديدة غير قانونية، ففي اقتصاد الحرب أو الاقتصاد الموازي يتم التعامل مع أسماء خفية ووهمية، وشبكات جديدة ومختلفة، وسيشتغلون في هذا الاتجاه.
الاعتماد على الاقتصاد الموازي
يرى الصحافي الاقتصادي محمد الجماعي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "اقتصاد الحوثيين يعتمد بشكل رئيسي على الاقتصاد الموازي، أو ما يسمى اقتصاد الظل، فهم لا يستغلون الهياكل الرسمية للاقتصاد اليمني التي تقع تحت سيطرتهم، إلا من باب تسهيل ودعم أسواقهم الموازية التي تقوم على التهريب والشبكات الخفية، مستغلة خبرة الداعم الإيراني في هذا المجال، أي أن الحوثيين سيواجهون تحديات اقتصادية كبيرة، لا سيما إذا عاد ترامب إلى فرض سياساته الصارمة تجاه إيران".
ويضيف الصحافي الاقتصادي أنه "في حال شديد ترامب العقوبات فعليا على إيران، فإن الأخيرة بلا شك ستجد صعوبة في تقديم الدعم المالي والعسكري للحوثيين، ما سيؤثر بشكل مباشر على قدرتهم في تمويل عملياتهم، وقد يسعى ترامب أيضا إلى فرض عقوبات مباشرة على الحوثيين أنفسهم أو على أي أطراف تساعدهم، ما سيؤدي إلى تضييق الخناق على مواردهم، لا سيما باب "المساعدات الإنسانية" التي يحوّل الحوثيون جزءا كبيرا منها لتمويل أنشطتهم العسكرية والطائفية".
ويشير الصحافي الاقتصادي إلى أنه في الأثناء سيزداد ضغط الحوثيين على الداخل، لتفادي تلك العقوبات، أو لتعويض أي خسارة محتملة جراء التضييق الأميركي، إذا صح، على الدعم المالي واللوجستي الإيراني، وشبكات التهريب وطرق الإمداد بالسلاح وأدوات التصنيع الحربي والمشتقات النفطية التي يجني الحوثي إيرادات مهولة من بيعها في السوق الموازي.
ويتابع الصحافي الاقتصادي "فضلا عن ذلك سيتم خنق الأسواق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بدعوى العدوان مجددا وبشكل أكبر هذه المرة، لتحقيق مزيد من الجبايات غير الرسمية كالضرائب وغيرها، وقد يجدون طرقا لتجاوز بعض هذه التأثيرات، بفضل خبرتهم في العمل تحت الضغوط والعقوبات، على الرغم من أن ذلك لن يكون سهلاً هذه المرة".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news