أعد الدراسة/ د. جاسم الشمري
المقدمة
معضلة الوجود الحوثي في العراق كبيرة وضخمة، ومليئة بالحقائق غير المعلَنة بشكل كامل وتامّ حتى الساعة.
ونحاول في هذه الدراسة المركَّزة تسليط الضوء على جوانب من الوجود الحوثي في العراق، وهل وجودهم وجود حقيقي أم وهمي، وكذلك تسليط الضوء على بعض مخططاتهم ومستقبل وجودهم على الأراضي العراقية.
ويمكن القول بأن الوجود الحوثي في العراق كان في البداية يتم بطرق «شخصية وغير رسمية»، ثم بعد أحداث اليمن الدامية، وبداية دخول التحالف العربي هناك؛ صرنا أمام تصريحات رسمية وغير رسمية عراقية خجولة بالدعوة لوقف القتال في اليمن، وربما التنسيق «الخفي» مع الحوثيين.
وبعد اندلاع معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023م ظهرت -وبعد عدة أسابيع- صور من التعاون بين الحوثيين وبعض ما تسمى فصائل «المقاومة الإسلامية في العراق» لضرب وتهديد الكيان الصهيوني والمصالح الأمريكية في العراق والمنطقة.
ومن هنا صرنا أمام مرحلة جديدة من العلاقة ما بين بعض الفصائل العراقية المسلحة وجماعة الحوثي، ونحاول هنا التركيز على بعض المحاور ومنها:
المقاومة العراقية الإسلامية.
بداية العلاقة بين الحوثيين والفصائل العراقية.
مكاتب الحوثيين في العراق.
العمليات المشتركة.
خسائر حوثية في العراق.
لماذا الوجود الحوثي في العراق؟
الموقف العراقي الرسمي من الوجود الحوثي.
الموقف الأمريكي من الوجود الحوثي في العراق.
الأهداف الإستراتيجية للتعاون العراقي- الحوثي.
الخاتمة.
1- المقاومة العراقية الإسلامية
لا تشير التسمية التي ظهرت على تطبيق «تلغرام» في تشرين الأول/أكتوبر 2023م إلى جماعة قائمة بحد ذاتها، بل هي اسم عام يُستخدَم للدلالة على الوحدة بين الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، والتأكيد على هوياتها الفردية خلال الهجمات التي أثارتها أزمة غزة.
– إن اسم «المقاومة الإسلامية في العراق» هو مصطلح شامل يُستخدَم لوصف عمليات جميع الميليشيات المدعومة من إيران في العراق، بما في ذلك الضربات على سوريا خلال نزاع تشرين الأول/ أكتوبر 2023م بين إسرائيل و«حماس».
– نوع الحركة: عمليات عسكرية حركية، وطنية وعابرة للحدود، ضد أهداف أمريكية في العراق وسوريا، ناجمة عن الدور الأمريكي في أزمة غزة.
ومصطلح «المقاومة الإسلامية في العراق» هو مصطلح شامل يتطابق مع التسمية التي استخدمتها سابقًا كل الجماعات المسلحة العراقية المدعومة من إيران لوصف نفسها، ووضعتها غالبًا قبل أسماء جماعاتها المحددة. بالإضافة إلى ذلك، لم تصدر المجموعات الرئيسة مثل «كتائب حزب الله» بيانات منفصلة أو متنافسة لإعلان مسؤوليتها عن هجمات في مناطق عملياتها المعتادة (مثل قاعدة عين الأسد). لذلك، من المرجَّح جدًّا أن تعتبر جماعات مثل «كتائب حزب الله»، و«عصائب أهل الحق»، و«كتائب سيد الشهداء»، نفسها جزءًا من «المقاومة الإسلامية في العراق».
وتدّعي «المقاومة الإسلامية في العراق» أنها نفَّذت (88) هجومًا على إسرائيل في 25 نيسان/ أبريل 2024م، لكنَّ «الأضواء الكاشفة للميليشيات» لم تُسجّل سوى (59) هجومًا من هذا القبيل تبنَّته «المقاومة» حتى ذلك اليوم.
كما تدّعي أنها نفَّذت (65) هجومًا على أهداف (أمريكية) في سوريا.
وكذلك تدّعي بأنها شنَّت (90) هجومًا على أهداف (أمريكية) في العراق، وهو العدد ذاته الذي سجَّلته «الأضواء الكاشفة للميليشيات» في الفترة نفسها (لم تُحْصِ «الأضواء الكاشفة للميليشيات» الهجمات التي لم يتم تبنّيها على مجمع السفارة الأمريكية في بغداد، أو «مركز بغداد للدعم الدبلوماسي»، أو الهجمات التي لم يتم تبنّيها على منشأة غاز خور مور، ويبدو أن «المقاومة الإسلامية في العراق» لم تقم بذلك أيضًا.
2- العلاقة بين الحوثيين والفصائل العراقية
لم تكن العلاقة بين الحوثيين وبعض القوى السياسية والعسكرية العراقية ظاهرة للعيان.
وتعود بدايات التعاون بين الفريقين إلى آب/ أغسطس 2016م؛ حينما زار محمد عبد السلام، المتحدث باسم الحوثيين، العاصمة العراقية بغداد مع وفد يضم سبعة أشخاص، وعقد لقاءً مع وزير خارجية العراق السابق إبراهيم الجعفري، ومسؤولين آخرين.
وبعد الزيارة بأيام، زار وفد حوثي بغداد، وعقد اجتماعات مختلفة مع قيادات وزعامات من الفصائل المسلحة، وما تزال الزيارات متكرّرة ومتبادلة سرًّا وعلانية بين الميليشيات والحوثيين.
ومن يومها استمرَّت الزيارات للعراق، وفي غالبها العام كانت سرية، وبعضها يُعلَن عنها!
3- مكاتب الحوثيين في العراق
مسألة المكاتب الرسمية للحوثيين في العراق ليست جديدة، وكشف مسؤولون عراقيون يوم 30 آذار/ مارس 2021م عن نشاط خفي لعناصر حركة الحوثي ببغداد، لافتين إلى وجود مكاتب إعلامية سرّية تابعة للحركة تحمل أسماء تُبْعِد الشبهات عنها، فضلًا عن وجودها في معسكرات تابعة للفصائل المسلحة.
وقال المسؤولون الذين نقلت عنهم صحيفة «النهار العربي»: إنّ «هناك مكاتب إعلامية تابعة للحركة، بل حتى مواقع إخبارية يُديرها صحفيون يمنيون في بغداد»، وأضافوا أنّ «تلك المكاتب والمواقع الإخبارية الحوثية تحصل على تمويل من الفصائل المسلحة المقرّبة من إيران».
وهناك معلومات، من داخل العراق وخارجه، نُشرت بداية تموز/ يوليو 2024م، تؤكد بأن حركة أنصار الله اليمنية (الحوثيين) افتتحت مقرًّا لها في منطقة الجادرية ببغداد.
وقد زار ممثل الحوثيين في العراق، أبو إدريس الشرفي، مقر حزام بغداد للحشد الشعبي، وظهر في مقطع فيديو وهو يشيد بالحشد الشعبي، ويشكر فصائل «المقاومة الإسلامية».
وأثارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية يوم 18 يوليو 2024م الحديث عن خطرٍ يُمثّله وجود جماعة الحوثي اليمنية في بغداد، متمثلًا في القيادي «أبو إدريس الشرفي»، ما قد يكون له أثر في قابل الأيام، لا سيما وسط إشارات عديدة تفيد بأن التوتر بالمنطقة يزداد اتساعًا مع استمرار الحرب في غزة.
وتشير هذه المصادر الإعلامية إلى أن عددًا من البيوت الفخمة التي تقع في حي الجادرية، شديد الحراسة، وسط العاصمة بغداد، تسلَّمها الحوثيون للسكن ومقرات لهم.
وقد أكد مراسل «الخليج أونلاين» في بغداد أن وجود الحوثيين في العراق ليس جديدًا، لافتًا إلى أن «هناك زيارات متكررة وغير علنية كانت تُجريها قيادات حوثية لبغداد».
وفي هذا الملف، وفي سياق متصل، أكّد الخبير العسكري المقرَّب من وزارة الدفاع في صنعاء، عزيز راشد، لصحيفة «الأخبار» اللبنانية، أن «التنسيق بين قوات صنعاء والمقاومة العراقية قائم على مستوى عالٍ منذ أشهر، والتواصل يجري بشكل يومي»، مشيرًا إلى أن «مكتب التنسيق الخاص بالحركة موجود منذ فترة في العراق، ولكنّ صنعاء أرادت أن تُسمِع أمريكا والسعودية أنها مُقبِلة على تنفيذ عمليات أعمق وأوسع على مستوى المنطقة، ولن تطاول فقط الكيان الإسرائيلي، بل ستطاول حماة إسرائيل في المنطقة، وفي المقدمة القواعد الأمريكية».
وأضاف أنّ «الرسالة موجَّهة كذلك إلى السعودية، ونؤكّد أنّ أيّ عمليات مُقبِلة لن يكون مصدرها صنعاء، بل ستنهال عليها من أكثر من اتجاه، ومن أكثر من طرف»، لافتًا إلى أن «التحرك العسكري الأمريكي الذي جاء بعد زيارة معلنة لممثل حركة أنصار الله «أبو إدريس الشرفي»، وإدلائه بتصريح صحافي من مقرّ للحشد الشعبي، في شمال بغداد، هو رسالة واضحة تؤكد أن صنعاء عازمة على تعزيز العمليات المشتركة، وتخطو نحو وحدة الجبهات والساحات».
4- العمليات المشتركة
التعاون «السياسي والدبلوماسي» بين الحوثيين وبغداد ليس جديدًا، وقد ظهر للإعلام في العام 2016م.
وتضمّ معسكرات تابعة للجماعات المسلحة العراقية سرًّا عناصر لحركة الحوثي، يخضعون للتدريب على الطائرات المسيَّرة والأسلحة الحربية الأخرى؛ بحسب المسؤولين.
وقد أشار تقرير لموقع «ناشيونال إنتريست» في تقرير يعود لآذار/ مارس 2021م إلى وجود أسلحة كورية شمالية في ترسانة الجماعة التي وصفها بـ«المتطورة»، مؤكدًا أنّ الميليشيات العراقية تملك الصواريخ ذاتها، وهي التي استهدفت بها قواعد تضمّ قوات أمريكية، وأنّ الطرفين تلقّيا التدريبات عليها في العراق في المعسكرات التابعة للميليشيات الموالية لإيران.
ولم يتوقَّف الأمر عند التدريب والدعم العسكري، بل قامت الميليشيات العراقية الشيعية الموالية لها بالتظاهر في العاصمة بغداد؛ تأييدًا لتحركات جماعة الحوثي اليمنية، ودعمًا لتحركاتها نحو السيطرة على اليمن.
وأيضًا نظّمت جهات سياسية وعسكرية لاحقًا حملات لجمع تبرعات مادية في عدد من مناطق العراق، وأن «الأموال التي جُمِعَت للحوثيين أُرسلت عبر شخصيات دينية على تواصل مع رجال دين حوثيين».
ولكن، وبعد معركة طوفان الأقصى بقطاع غزة في أكتوبر 2023م، تغيَّرت المعادلة، ودخلت في مرحلة العمليات العسكرية المشتركة ضد أهداف صهيونية، وربما ضد أهداف أمريكية في العراق.
وقد أعلن زعيم جماعة الحوثيين (حركة أنصار الله) عبد الملك الحوثي يوم 23 مايو/ أيار 2024م عن بدء تنسيق العمليات العسكرية بين قوات الحوثيين والفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران.
وهذا الإعلان فتح باب التكهنات حول طبيعة هذا التنسيق حتى يوم 6 يونيو/ حزيران، حين أعلن المتحدث العسكري باسم الجماعة «يحيى سريع» تنفيذ عمليتين مشتركتين مع المقاومة الإسلامية في العراق، استهدفتا ثلاث سفن في البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك اثنتان في ميناء حيفا الإسرائيلي.
وأفصحت العلاقة الثنائية بين الحوثيين والميليشيات داخل «فصائل الحشد الشعبي» في العراق في العام 2019م عن فرص واعدة للتنسيق على الصعيد الأمني، لا سيما بعد عمليات القصف التي استهدفت شركة النفط السعودية العملاقة «أرامكو»؛ حيث تبنتها جماعة الحوثيين، في حين اشتبهت التحقيقات في أن الهجمات كانت قادمة من جنوب العراق أو إيران. ولكنّ التحوُّل النوعي في مجرى العلاقة جاء على إثر الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي أسهمت إلى حد كبير في إعادة تعريف أدوار مكونات محور المقاومة الإيراني.
وقالت جماعة الحوثي، يوم 6 حزيران/ يونيو 2024م: إنها نفَّذت عمليتين عسكريتين، بالاشتراك مع المقاومة الإسلامية في العراق، على ميناء حيفا في إسرائيل. استهدفت العملية الأولى سفينتين كانتا تحملان معدات عسكرية في ميناء حيفا، والثانية استهدفت سفينة انتهكت قرار حظر الدخول إلى ميناء حيفا بعددٍ من المسيرات.
وبتاريخ 13 حزيران/ يونيو 2024م أكَّد عبد الملك الحوثي أن الحوثيين يعملون مع «المقاومة الإسلامية في العراق» لشنّ هجمات ضد إسرائيل من مرتفعات الجولان.
وأعلنت جماعة الحوثي، بتاريخ 27 حزيران/ يونيو 2024م، عن تنفيذ عملية عسكرية جديدة ضد إسرائيل، بالشراكة مع مليشيا عراقية موالية لإيران تُطلق على نفسها «المقاومة الإسلامية في العراق».
وأعلن العميد يحيى سريع يوم 8 تموز/ يوليو 2024م أن القوات المسلحة اليمنية، بالاشتراك مع المقاومة الإسلامية العراقية، نفَّذت عملية عسكرية مشتركة استهدفت هدفًا حيويًّا في أم الرشراش جنوبي فلسطين المحتلة بعدد من الطائرات المسيّرة».
واعتبر العميد عزيز راشد، الضابط بدائرة التوجيه المعنوي، التي تتبع لوزارة الدفاع بصنعاء يوم 13 تموز/ يوليو 2024م أن «عمليات الإسناد المشتركة العراقية واليمنية» يتم تنسيقها عبر غرف العمليات العسكرية، وتتم وفق اختيار الأهداف والزمن المناسبين لوصول الطائرات المسيرة والصواريخ إلى عمق الأهداف الإسرائيلية؛ نظرًا لبعد المسافة.
وقال يحيى سريع يوم 16 تموز/ يوليو 2024م: إن الحوثيين والمقاومة الإسلامية في العراق استهدفا السفينة «أولفيا» في البحر المتوسط.
وزعمت الجماعات العراقية وجماعة الحوثي أنها ضربت إسرائيل معًا ثماني مرات في حزيران/ يونيو، وثلاث مرات في تموز/ يوليو، وهذه الأرقام من «أجندة الغارات» التي يُعِدّها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في واشنطن».
وبتاريخ 24 كانون الثاني/ يناير 2024م، نشر قائد «كتائب سيد الشهداء» أبو آلاء الولائي (اسمه الحقيقي هاشم بنيان السراجي) بيانًا أعلن فيه بدء المرحلة الثانية من عمليات «المقاومة» العراقية في مرحلة ما بعد نزاع 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023م «المتضمنة إطباق الحصار على الملاحة البحرية الصهيونية في البحر الأبيض المتوسط، وإخراج موانئ الكيان عن الخدمة، واستمرار ذلك حتى فكّ الحصار الظالم عن غزة، وإيقاف المجازر الصهيونية المروعة بحق أهلها».
وهذه إشارة إلى أن الميليشيات العراقية بدأت باستهداف السفن والموانئ التي تُعتَبر مرتبطة بإسرائيل في البحر الأبيض المتوسط. وقبل ساعات قليلة من إعلان أبو آلاء، أعلنت جماعة «المقاومة الإسلامية في العراق» مسؤوليتها عن هجوم بطائرة بدون طيار ضد ميناء أشدود.
وقال رئيس مركز واشنطن للدراسات عبد الصمد الفقيه: «إن تشكيل غرفة عمليات مشتركة تضم الحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن، يعني أن الولاء لإيران من هذه الجماعات، وأنها تتحرك بمنظور إيراني، وليست بمعزل عن الأم (إيران)».
وأضاف «أن أذرع إيران في المنطقة، والتي تسعى لتحقيق أهداف إيران الرئيسية والإستراتيجية هي: حزب الله في لبنان، والحشد الشعب في العراق، وجماعة الأسد العلويين في سوريا، والحوثيين في اليمن، وأن غزة مجرد غطاء أو شماعة تُعلّق عليها هذه التنسيقات، والهدف غير ذلك وأكبر بكثير».
وفي منتصف أيلول/ سبتمبر 2024م فجَّر الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري مفاجأةً صادمةً للمليشيات الحوثية بشأن مكان انطلاق الصاروخ الفرط صوتي الذي تبنَّت المليشيات الحوثية إطلاقه على تل أبيب. وأكد الدويري في حديثه لقناة الجزيرة على أنه، ومن خلال التدقيق في مسار الصاروخ، يشير إلى احتمالية أن يكون الصاروخ قد أُطلق من العراق وليس من اليمن، استنادًا إلى اتجاه قدومه من الشرق.
5- خسائر حوثية في العراق
العلاقة بين الحوثيين وبعض القوى السياسية والعسكرية العراقية ليست مجرد علاقة «دبلوماسية». ويبدو أن الحوثيين موجودون داخل بعض معسكرات الحشد الشعبي لغايات غير محددة.
وقد اعترفت الجماعة الحوثية في الخامس من آب/ أغسطس 2024م بمقتل القيادي في صفوفها المدعو حسين عبد الله مستور الشعبل (أبو جهاد) من مديرية مران في محافظة صعدة، إثر غارات أمريكية على معمل تصنيع وتطوير وتخزين الطائرات المُسيَّرة في منطقة «جرف الصخر»، التابع لكتائب «حزب الله العراقي».
وهذا الإعلان يُسلِّط الضوء على العلاقة الوطيدة بين الفريقين.
ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، تقريرًا، أعدّته أليسا روبن، من بغداد، قالت فيه: إن «جماعة الحوثيين في اليمن حصلت على استقبال حارّ في العراق؛ حيث فتحت مكتبًا لها في العاصمة العراقية، وهو ما يُعبِّر عن رغبة إيران في بناء كتلتها الإقليمية».
وكشفت قناة «الحدث» السعودية عن معلومات جديدة بخصوص التعاون الثلاثي بين: الحرس الثوري، وجماعة أنصار الله الحوثي، وفصائل الحشد الشعبي العراقية، وأكدت «أن 80 عنصرًا من جماعة الحوثي في اليمن موجودون حاليًّا في العراق، وتحديدًا في معسكر للحشد الشعبي في ناحية جرف الصخر شمالي بابل»، مبينةً أن «العناصر الحوثية التحقوا ببرامج تدريب وتبادل خبرات بين الجانبين تحت إشراف الحرس الثوري».
ولا أحد يعرف حقيقة الخسائر الحوثية في العراق، والتي ربما تُحاط بسرية تامة؛ خوفًا من التداعيات الداخلية في العراق واليمن، والخارجية في المنطقة والعالم.
6- لماذا الوجود الحوثي في العراق؟
إن وجود جماعة الحوثي في العراق يخدم هدفها الأساسي المتمثل في ربط نفسها كخيط لا غِنَى عنه في حزام «محور المقاومة» المدعوم من طهران. كما بنَى الحوثيون قدراتهم في إيران ولبنان وعمان، بهدف تطويق عدوهم اللدود في الشمال.
ومنذ بداية الحملة العسكرية ضد الحوثيين في عام 2015م، لعبت بغداد على نطاق واسع على جانبي الديناميكيات الدبلوماسية المعقَّدة في اليمن. وبينما يتعامل مبعوث الحوثيين في العراق، أحمد الشرفي، بشكل أساسي مع الأجهزة الأمنية العراقية.
واحتلت شعارات الحوثيين مكانةً مرموقةً عندما اقتحم المتظاهرون المرتبطون بوحدات الحشد الشعبي العراقية السفارة الأمريكية في بغداد في ديسمبر/كانون الأول 2019م. كما ظهرت مثل هذه اللافتات أيضًا خلال الاحتجاجات المناهضة للولايات المتحدة في يوليو/ تموز 2023م. وتم إحياء الشعارات مرة أخرى في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي؛ عندما اعترض المتظاهرون المرتبطون بوحدات الحشد الشعبي شاحنات النفط المتجهة إلى الأردن على الحدود الغربية للعراق.
وقال مصدر مقرب من جماعات «المقاومة» العراقية: إن الحوثيين كان لديهم مستشارون عسكريون مُلحَقون بوحدات الحشد الشعبي خلال الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الفترة 2014-2017م؛ إلا أن الوجود اليمني كان «رمزيًّا» فقط.
وعلاوةً على ذلك، ففي بداية التدخل العسكري في اليمن عام 2015م، أعرب قائد كبير في منظمة بدر عن استعداد المجموعة العراقية لإرسال مقاتلين لمساعدة الحوثيين.
ويُشكِّل التنسيق العملياتي بين جماعة الحوثي والمقاومة الإسلامية في العراق تحوّلًا نوعيًّا في علاقة قوى محور المقاومة؛ حيث نفَّذ الطرفان عمليات مشتركة في الشهر الماضي طالت ميناء حيفاء، وعدة سفن تجارية في البحر المتوسط، إضافةً إلى استهداف ميناء إيلات في الثامن من يوليو/ تموز الماضي.
وبعيدًا عن آفاق العلاقة بين الجماعة والمقاومة الإسلامية في المستقبل؛ فإنّ الأكيد هنا أنّ العمليات المشتركة تصبّ في صالح الجماعة، فإلى جانب توسيع التحالف البحري الذي تتصدّره، بإشراك طرف في العمليات الهجومية لاستهداف إسرائيل ومصالح حلفائها الغربيين؛ فإنّها تظلّ الطرف الرئيس في معادلة الردع، وأيضًا الطرف الذي يُدير الهجوم المشترك، سواء بإعلانها العمليات في بياناتها العسكرية، أو في مضامينها وأبعادها؛ إذ تأتي عملياتها المشتركة مع المقاومة الإسلامية في إطار عملياتٍ عسكريةٍ متعدّدةٍ تُنفِّذها في الممرّات المائية التي تُطِلّ على نطاقاتها، إلى جانب وصول الجماعة منفردةً إلى هذه النطاقات سابقًا، واستهداف عدة سفن، فضلًا عن أنّ الهجمات البحرية، سواء المنفردة أو المشتركة، تُصنّفها القوى الغربية أعمالًا عدائية تُنفّذها الجماعة ضدَّ مصالحها الحيوية، إلى جانب أنّ التنسيق العملياتي مع المقاومة الإسلامية في العراق يُتيح للجماعة ممارسة أكبر قَدْر من الضغط على أمريكا والقوى الغربية، وأيضًا تثبيت مركزها في محور المقاومة، كقوى تخوض الحرب البحرية في المنطقة، وهو ما جعَلها، وفق تصريحات مسؤولين إسرائيليين، قوَّة رئيسة مُعادية لإسرائيل تُهدِّد وجودها، بعد حركة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان، فيما احتلت المقاومة الإسلامية في العراق مركزًا ثانويًّا من حيث تهديدها لإسرائيل.
وعليه، وفي ضوء هذه الحوادث الأخيرة، تبرز حاليًّا ثلاثة تيارات واضحة من الهجمات ضد إسرائيل مصدرها العراق:
– هجمات تبنّت «المقاومة الإسلامية في العراق» مسؤوليتها حصرًا.
– وهجمات تبنّت «المقاومة الإسلامية في العراق» مسؤوليتها عن شنّها بالتنسيق مع آخرين.
– بعض هذه الهجمات نفَّذتها «كتائب حزب الله»، بالشراكة مع عناصر مقاومة إقليمية أخرى، مثل جماعة «سرايا الأشتر» البحرينية (بناء على ادّعاء المسؤولية عنها بتاريخ 27 نيسان/ أبريل يتعلق بطائرة بدون طيار من طراز صماد/«كي إي أس-04» ذات جناح بشكل V) والحوثيين (بناء على ادعاء المسؤولية عنها بتاريخ 6 و12 حزيران/ يونيو تتعلق بطائرات مسيّرة غير محددة وصاروخ «كروز» غير محدد).
7- الموقف الرسمي العراقي من الوجود الحوثي
قال حسين علاوي مستشار رئيس الوزراء العراقي في تصريحات تلفزيونية، الثلاثاء 17 سبتمبر 2024م: إن الحكومة العراقية تتعامل مع الدول والدبلوماسيات، و«نتعامل مع السفارة اليمنية، وفي أغسطس قدّم سفيرنا أوراق اعتماده إلى الخارجية اليمنية».
وحول وجود الحوثيين بمكتب في بغداد، أشار إلى أن هناك «دبلوماسية شعبية، ووجود للقوى الاجتماعية اليمنية»، وقال: «يلعب العراق دورًا في عمليات التسوية وتقريب وجهات النظر».
وأخيرًا أكَّد مرصد ميمري الأمريكي لمكافحة الإرهاب (16 حزيران 2024م)، وجود «معسكرات» داخل العراق تشرف على عملها قوات من الفصائل، وتقوم «بتدريب» عناصر ومقاتلي أنصار الله الحوثي.
وقال المرصد: «إن المعلومات التي حصل عليها من «مصادر مختصة داخل العراق»؛ أكدت أن بعض الفصائل العراقية المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي أقامت «غرفة عمليات مشتركة»؛ تشرف على إدارتها إيران وحزب الله، وتقوم «بتنسيق العمل» بين تلك الفصائل وأنصار الله الحوثي في اليمن».
8- الموقف الأمريكي من الوجود الحوثي في العراق
اعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية، يوم 17 أيلول/ سبتمبر 2024م أن ما سمَّته «نشاط» جماعة الحوثي في العراق، قد يَجرّ الأخير إلى صراعات إقليمية أعمق.
جاء ذلك في تصريح لمتحدّث الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، تعليقًا على تقارير صحفية عن افتتاح جماعة الحوثي مكتبًا سريًّا في العاصمة العراقية بغداد.
وأشار إلى أن الحوثي جماعة إرهابية، والسماح بنشاطها في العراق «يحمل مخاطر ازدياد عدد الجماعات المسلحة التي لها مصلحة في استخدام العنف لتقويض أهداف الحكومة العراقية المتمثلة في تحقيق الاستقرار والسيادة والنمو الاقتصادي».
9- الأهداف الإستراتيجية للتعاون العراقي-الحوثي
تقف طهران غالبًا وراء التنسيق العملياتي بين الحوثيين وقوات الحشد الشعبي في العراق؛ لتحقيق هدفين رئيسيين:
– الأول: إستراتيجي؛ لإعادة هندسة نفوذها إقليميًّا؛ بحيث يصبح أكثر مرونة وفعّالية.
– والآخر: تكتيكي؛ حيث ينطوي على إدارة الصراعات الإقليمية وبعث رسائل تصعيدية.
وبعيدًا عن مقتضيات الإدارة اليومية للصراع؛ فإن إيران تتَّجه نحو إعادة هيكلة محورها الإقليمي؛ بحيث يصبح هناك مفصلان جيوسياسيان: الأول هو المفصل الرأسي (شمال-جنوب)، والذي يمتد من العراق إلى دول الخليج وصولاً إلى اليمن، ويكون بقيادة جماعة الحوثيين وغرفة عملياته بصنعاء. أما الآخر فهو المفصل الأفقي (شرق- غرب)، والذي يمتد من سوريا إلى لبنان إلى فلسطين، ويكون بقيادة حزب الله اللبناني وغرفة عملياته ببيروت.
وعقب إدراج الولايات المتحدة الأمريكية حركة أنصار الله اليمنية «منظمة إرهابية عالمية»، بعث الأمين العام لكتائب حزب الله العراق، أبو حسين الحميداوي، بتاريخ 18 كانون الثاني/ يناير 2018م رسالة إلى قائد الحركة، عبد الملك الحوثي، أكد فيها أن هذا الإجراء «هو الثمن الطبيعي للمواقف المشرِّفة التي اتّخذتها الحركة، تجاه قضايا الأمة والمستضعفين، وخاصة قضية القدس وفلسطين».
وهكذا يتضح جليًّا حالة التوافق والتنسيق بين الحوثيين وغالبية الجماعات المسلحة فيما تسمى بـ«المقاومة الإسلامية في العراق».
١٠- الخاتمة
في ختام المقال يمكن القول بأن:
التعاون الظاهر بين الحوثيين والفصائل المسلحة العراقية بدأ في الظهور خلال العام 2016م.
التعاون بين الحوثيين والفصائل المسلحة العراقية كان بعلم وموافقة حكومة بغداد.
التعاون بين الفريقين بُنِيَ على أُسُس المصالح المشتركة والتوافق الفكري.
التعاون الفصائلي العراقي لم يكن عسكريًّا فقط، بل شمل تبادل الخبرات العسكرية والدعم بالأسلحة والتبرعات المالية المنظمة.
إيران كانت مُوجِّهًا رئيسيًّا لكلا الفريقين، بدليل الضربات التي تمثلت في اغتيال شخصيات إيرانية كبيرة، أو استهداف مصالحها في المنطقة.
اتُّخِذَت غزة حُجةً لتنفيذ المخططات.
الضربات المشتركة بين الحوثيين والفصائل العراقية تُسبِّب إزعاجًا للعدو الصهيوني.
الحوثيون كانوا أسرع للإعلان عن توجيه الضربات من الفصائل العراقية التي نأت بنفسها عن الإعلان؛ خوفًا من الملاحقات والاغتيالات بالطائرات المسيرة على الأراضي العراقية.
الحكومة العراقية القائمة الآن اعترفت بالوجود الحوثي على أرض العراق، وقالت: «دبلوماسية شعبية، ووجود للقوى الاجتماعية اليمنية».
اعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية، أن «نشاط» جماعة الحوثي في العراق، قد يَجُرّ الأخير إلى صراعات إقليمية أعمق.
وأخيرًا فإن إيران هي المستفيد الأكبر من التنسيق العملياتي بين الحوثيين وقوات الحشد الشعبي في العراق لتحقيق هدفين رئيسيين:
– الأول: إستراتيجي؛ لإعادة هندسة نفوذها إقليميًّا؛ بحيث يصبح أكثر مرونة وفعّالية.
– والآخر: تكتيكي؛ حيث ينطوي على إدارة الصراعات الإقليمية، وبعث رسائل تصعيدية.
الدراسة منشورة في مجلة البيان الاماراتية
مرتبط
الوسوم
المليشيا العراقية
المحور الايراني
جماعة الحوثي
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news